تحقيق دولي: قراصنة إسرائيليون تدخّلوا في انتخابات عشرات من دول العالم

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تحقيقاً شارك فيه صحافيون استقصائيون وصحف عالمية عديدة ، يكشف تورّط مجموعة إسرائيلية في تأسيس فريق قرصنة إلكترونية مهمته التدخل في انتخابات عدة دول.
  • ضابط الأمن الإسرائيلي السابق "تال حنان"، الذي يقود فريق القرصنة "خورخي"، كما يظهر في الكاميرا الخفية التي يحملها الصحافي

كشف تحقيق صحافي دولي شاركت فيه عدة صحف عالمية، عن مجموعة قرصنة إلكترونية إسرائيلية، مهمتها التدخّل في حملات الانتخابات السياسية في عشرات من دول العالم.

وبحسب التحقيق، الذي نشر في "الغارديان" البريطانية، فإنّ "المجموعة المعروفة باسم "فريق خورخي" تعمل بالخفاء منذ أكثر من عقدين"، وشمل التحقيق تصوير محادثات بكاميرا سرية، تحدّث خلالها ضابط الأمن الإسرائيلي السابق تال حنان أنّ خدماته، التي وصفها بأنها "عمليات خاصة"، أعطيت لوكالات استخبارات، وحملات سياسية وشركات خاصة في كل أنحاء العالم، وكانت بهدف واحد وهو التأثير في الرأي العام. 

وقال محلّل الميادين للشؤون العربيّة والإسلامية قتيبة الصالح، إنّ "مجموعة خورخي" هي أكبر فكرة جيش إلكتروني، وهي شركة تجاريّة، وهنا يكمن المعنى، أي أنها مقابل المال تقوم بتقديم خدماتها، والتي هي ذات طابع سياسي بالدرجة الأولى، والأخطر أنّ هذه الشركة أخذت التضليل، والفوضى، وحوّلتهما إلى سلعة، ضمن سوق يستهدف بيع الفوضى.

ولفتَ محلل الميادين إلى كيفية عمل هذه المجموعة، إذ تعمل بشكل مباشر عبر القرصنة، والتخريب، وبشكل غير مباشر على تشكيل رأيٍ عام باتّجاه حزبيٍ أو سياسيٍ معيّن، أو باتّجاه قضيّة معيّنة، وقد حقّقت بعض النجاحات الفعلية في نشاطاتها.

وأضاف الصالح أنّ أدوات هذا الفريق متنوعة وكبيرة، منها اختراق تطبيقات دردشة، وحسابات بريد إلكتروني، وزراعة مواد في حسابات مخترقة، إضافةً إلى قرصنة وتسريب مواد حقيقيّة أو مزيّفة. وهم جيش من الحسابات المزيّفة، يُقدَّر بثلاثين ألف روبوت، وقادر على تشكيل الرأي العام أو تضخيم صدى قضيّة معيّنة.

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

خدمات التضليل والتزييف والتخريب.. بضاعة "إسرائيلية"

وقال التحقيق الغارديان، إنّ المجموعة "يقودها شخص باسم تال حنان (50 عاماً)، وقد خدم في الماضي في وحدة النخبة بجهاز الأمن الإسرائيلي".

وذكر التحقيق أنّ المجموعة "تدخّلت في أكثر من 30 حملة انتخابات في أنحاء العالم، عن طريق نشر أخبار مضللة في شبكات التواصل الاجتماعي". 

ويتّضح من التحقيق أنّ "فريق خورخي" يسيطر على آلاف الحسابات المزيفة في شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، لا سيما منصات تويتر وفيسبوك وانستغرام، وحتى غوغل ولينكدإن وتلغرام ويوتيوب.

إضافة إلى ذلك، يتضح من التحقيق أن "حنان" يقدم خدماته عن طريق شركة إسرائيلية يطلق عليها "دمو-من"، وهي مسجلة في موقع تديره وزارة الأمن الإسرائيلية، بهدف تعزيز تصدير المنتجات الأمنية إلى العالم، بينما رفضت وزارة الأمن الإسرائيلية التعقيب على التحقيق. 

المحادثات مع "حنان"، التي تمّ تسجيلها من خلال الكاميرا الخفية، جرت خلال الأشهر ما بين تموز/يوليو حتى كانون الثاني/ديسمبر من العام الماضي، بينها كان في مكتب الفريق في المنطقة الصناعية في مستوطنة "موديعين عيليت".

ووصف "حنان" أنّ طاقمه "يضمّ أشخاصاً عملوا في وكالات أمنية إسرائيلية مع خبرة في الاقتصاد، في شبكات التواصل والحملات وكذلك الحرب النفسية"، وقال إنّ "الفريق يمتلك 6 مكاتب في أنحاء العالم"، مشيراً في محادثاته إلى شقيقه زوهار ودوره في العمل.

وأضاف، للصحافي الذي كان يتحدث معه ويحمل كاميرا خفية، أنّ فريقه "هذه الأيام يشارك في حملة انتخابية في أفريقيا"، مؤكداً أنه "استكمل حتى الآن 33 حملة انتخابية، 27 منها كانت ناجحة".

ومع ذلك، قال حنان إنّ طاقمه "لم يكن متورطاً بصورة مباشرة في السياسة الأميركية"، وأوضح أنّ "الدفع كان عن طريق العملات المشفرة"، وقال إنّ "تكلفة تشغيل فريق لمصلحة حملة انتخابية يتراوح بين 6 حتى 15 مليون يورو". 

كما يشير التحقيق إلى كيفية عمل "فريق خورخي"، إذ يتفاخر "حنان" بأنّه "يسيطر على أكثر من 30 ألف صورة حساب".

وعرض "حنان" للمحققين طريقة إنشائه حساباً باسم شخصية امرأة تدعى "صوفيا وايلد"، وقال "أنا أحب هذا الاسم.. بريطاني.. لديها بالفعل حساب بريد إلكتروني، وتاريخ ميلاد. كل شيء"، وكلّ العملية يقوم بها برنامج يعتمد الذكاء الاصطناعي بإشراف المتحكم فيه.

وكشف التحقيق أنّ الفريق استخدم صوراً لأشخاص حقيقيين لإنشاء حسابات مزيفة، وفي حالة "صوفيا وايلد" تلك، اتضح أنّ المرأة التي استخدمت صورتها هي من أصل روسي وتعيش بالفعل في مدينة ليدز في المملكة المتحدة. 

ورداً على سؤال أحد المحققين عن كيفية حصوله على كل تلك الصور لأشخاص حقيقيين، ردّ "حنان" بأنّه "لا يستطيع أن يكشف له عن مصدر تلك الصور"، قائلاً له إنه "سيصبح من الواجب أن يقتله إن أخبره بذلك".

وأكّد محلّل الميادين للشؤون الفلسطينية والإقليميّة، ناصر اللحّام، أنّ "إسرائيل" وصلت إلى حد من التضليل والتدليس، تحوّل فيه هذه الأدوات إلى جواسيس لتستخدمها متى تشاء.

وأضاف اللحّام أن الذي يستفيد في "إسرائيل" جهتين، أولاً لجنة الخارجيّة والأمن، وهي التي توحي للمجلس الأمني الوزاري المصغّر باتخاذ قرار ما، ثانياً كبراء المستثمرين في الشركات، وبالتالي اقتصاد وأمن.

وأشار اللحّام إلى تدخل مثل هذه المجموعات في المشهد الفلسطيني، عبر التدخل في الانتخابات الفلسطينية إن حصلت، فدور "خورخي" سيتمثل في شنّ "إسرائيل" حملة تشويه ضدّ أي شخص وطني سيترشّح، لتُخرجه من اللعبة، كما لها أدوار في الاختراق والتعقب والتجسس على المقاومين الفلسطينيين الشباب، الذين يجدر بنا أن نلفت أنهم يعملون أيضاً بقوة على نقل المعركة الرقميّة إلى قلب "إسرائيل".

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

الابتزاز بالمعلومات والتقنية، أسلوب "إسرائيلي" للاستمالة

وتناول محلّل الميادين لشؤون أميركا والأمم المتّحدة، نزار عبّود، مسألة استفادة "إسرائيل" من مثل خدمات "خورخي" في المحافل الدولية، حيث لفتَ إلى أنّ الأصوات المعادية "لإسرائيل" في الجمعية العامة للأمم المتّحدة وفي مجلس الأمن الدولي قلّت عن السابق بكثير، وهنا يجب التركيز على الوسائل التي نجحت من خلالها "إسرائيل" في استمالة هذه الدول، يأتي الابتزاز في مقدمتها.

وأشار عبّود حول قضية "التلاعب الإسرائيلي" في الانتخابات الأميركية، أنّ "إسرائيل" تغلغلت في كل الأجهزة الأميركية، ولأنّ نفوذها قوي، ويوجد لوبي كبير داعم لها داخل الكونغرس الأميركي، فهي تستطيع الهروب من أي محاسبة، ولنفس الأسباب فإنّه لا أحد يستطيع اتّهام "إسرائيل" بشكل مباشر بالتلاعب.

ونوّه محلل الميادين لشؤون أميركا والأمم المتحدة، إلى أنّ "إسرائيل" محميّة بشكل كامل من قِبل الولايات المتّحدة، والتي استخدمت أكثر من أربعين مرّة حق الفيتو منعاً لإدانة إسرائيل في مجلس الأمن الدولي، وستواصل أميركا حمايتها حتى أمام الدول الأوروبية، والتي اكتشفت تدخلاً "إسرائيلياً" كبيراً فيها، ليس آخره فضيحة بيغاسوس والتجسس على هاتف الرئيس الفرنسي.

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

اقرأ أيضاً: المفوضية الأوروبية تؤكد اختراق أجهزة كبار مسؤوليها عبر برنامج "بيغاسوس"

المصدر: "الغارديان"