زيارة بايدن إلى بولندا.. هل يتجه مركز ثقل أوروبا نحو وارسو؟

أدت عقود من الإهمال لأوروبا الشرقية إلى تنامي الانقسام الحاصل داخل أوروبا، ليتصاعد خطابها المضاد لهيمنة الدول الغربية على الإتحاد، فكيف تُقرأ زيارة الرئيس الأميركي إلى بولندا في ظل هذه المتغيرات؟
  • نشاط بولندا القوي والواضح ضمن الدعم الغربي لأوكرانيا، أهّلها بالنسبة للولايات المتحدة لأن تلعب أدواراً "قيادية" أوروبية.

يطير الرئيس الأميركي جو بايدن إلى بولندا هذا الشهر، ليس إلى ألمانيا أو فرنسا أو حتى المملكة المتحدة، هكذا بدأ الكاتب جون كيجر مقاله في مجلة "سبكتاتور" البريطانية، والذي كتب فيه حول عودة دول أوروبا الشرقية إلى المشهد السياسي الأوروبي بقوة.

أكّد كيجر أنّ رمزيةً كبيرةً تكمن في هذه البادرة، تتجاوز مجرد إظهار واشنطن التضامن مع دول خط المواجهة في الحرب الدائرة في أوكرانيا، إنّها رمزيّة لاتجاهٍ شهد تحول نقطة ارتكاز أوروبا الجيوسياسية شرقاً.

يُذكِّر الكاتب أنّ مركز الثقل في أوروبا لطالما كان غرب جبال الألب، وقد تمّ التأكيد على ذلك من خلال عدة حقائق، الحرب الباردة، والقوة الاقتصادية، والهيمنة العسكرية لأوروبا الغربية، والتي عززها الوجود المادي للولايات المتحدة، والتركيز الغربي على التكامل الأوروبي.

وظلَّ هذا الأمر كذلك في أوائل حقبة ما بعد الحرب الباردة، مع تدفق دول وسط وشرق أوروبا للانضمام إلى المجتمعات الأوروبية، كما تمّ تعزيز عدم التناسق ثقافياً، وذلك بنشر الاتحاد الأوروبي بشكل متزايد قيمه التكاملية والتقدمية عبر أوروبا الوسطى والشرقية، ومع القليل من الاهتمام للتقاليد والثقافات الوطنية. 

ونتج عن ذلك حسب الكاتب، مواجهة في السنوات الأخيرة بين التحالف الثقافي والسياسي لدول فيسيغراد (بولندا وجمهورية التشيك والمجر وسلوفاكيا)، ودول غرب أوروبا الأعضاء في الاتحاد، العازمة على الحفاظ على رؤية لما بعد القومية، والتي يمكن القول إنها تخفي الهيمنة الغربية.

كذلك، ظهرت بولندا كمتحدث باسم دول "فيسيغراد"، وهي الدولة التي لديها خامس أكبر عدد من السكان في الاتحاد الأوروبي، وسادس أكبر اقتصاد، ولديها سياسة خارجية ودفاعية ديناميكية مؤيدة لحلف شمال الأطلسي وأميركا.

وتتناقض مكانة "فيسيغراد"، مع التفكير غير المثمر، وفق الكاتب، الذي تقوده فرنسا بشأن سياسة خارجية وأمنية أوروبية مشتركة، ورغبتها في جيش أوروبي. 

عام 1983، نشر الكاتب التشيكي ميلان كونديرا مقاله حول "مأساة أوروبا الوسطى". وبالنسبة لكونديرا، ضلّت أوروبا الغربية طريقها، وتتبعتها التكنولوجيا والسوق والإعلام وغياب القيم القادرة على توحيد أوروبا.

وحافظت دول وسط وشرق أوروبا على شكوكها في النوايا الجيوستراتيجية لروسيا، منذ استقلالها عن الإتحاد السوفياتي، حيث دفعت بولندا وسلوفاكيا الإنفاق الدفاعي إلى ما يزيد عن 2%. وعلى النقيض من ذلك، سارعت أوروبا الغربية إلى جني أرباح "السلام" بعد الحرب الباردة من خلال خفض الإنفاق الدفاعي، ومحاولة استيعاب روسيا، والتركيز على التكامل الأعمق، وتعزيز السياسات التقدمية، التي أدت إلى تفاقم الإنقسام الداخليمن جهة. ومن جهة أخرى إلى صرف الانتباه عن الحقائق الجيوسياسية، حيث كشفت حرب روسيا ضد أوكرانيا عجز المؤسسة الأوروبية الغربية.

اقرأ أيضاً: "وول ستريت جورنال": العملية العسكرية الروسية كشفت أخطر نقاط ضعف الناتو

ويُنظر محلياً إلى زيارة بايدن المرتقبة إلى بولندا، على أنّها تكريمٌ لدعمها المباشر لأوكرانيا، ولكنّ الأهم من ذلك، هو رمزيّتها ومعناها الأعمق، أن يُنظر إليها على أنّها تصحيح للهيمنة المفرطة للدول الغربية في سياسات الإتحاد الأوروبي. 

وسيزور الرئيس الأميركي وارسو هذا الشهر بمناسبة مرور عام على الغزو الروسي لأوكرانيا، ليعود إلى المنطقة حيث تدخل الحرب مرحلة جديدة مضطربة، دون مسار واضح لتوقف المعارك.

ويطرح مقال جون كيجر عدة تساؤلات مهمّة ومحوريّة. هل نحن بصدد إعادة تنظيم سياسات الاتحاد الأوروبي؟ وهل سيتعين على الدول الغربية الأعضاء الآن قبول شراكة أكثر توازناً مع أوروبا الشرقية، بدلاً من اعتبارها مجرد مجموعة دول متخلفة وتحتاج إلى أن تتعلم؟

وأنهى الكاتب مقاله بقوله، "لقد مضى الزمن الذي يستطيع فيه رئيس فرنسي مثل جاك شيراك أن يخبر دول أوروبا الشرقية أنه من الأفضل لهم التزام الصمت".

بولندا ظهرت إلى واجهة التدخل في الأزمة الحاصلة في أوكرانيا، بناءً على تأثّرها المباشر بالأحداث بسبب الحدود التي تجمعها مع أوكرانيا وبيلاروسيا، وتحوّلها إلى أكبر مستقبلي اللاجئين الأوكرانيين.

وكان رئيس الوزراء البولندي، ماتيوس مورافيتسكي، قد اعترف قبل أيام، بأنّ العقوبات الغربية على روسيا لا تؤثّر سلباً في اقتصاد موسكو، الذي يتطور ويحقق أرباحاً كبيرة، في انتقاد لاذع للتعامل الغربي مع الأزمة في أوكرانيا.

اقرأ أيضاً: مستقبل أوروبا... 2023 عام الأزمات

المصدر: وكالات + الميادين نت