"ذا سبكتايتور": هل حوّل ماكرون فرنسا إلى "كلب بودل" أميركي؟
تحدّث مقال في مجلة "ذا سبكتايتور" البريطانية، للصحافي البريطاني المتخصص بالشأن الفرنسي، غافين مورتيمر، عن وجهة نظر مختلف أطياف الجمهور الفرنسي، تجاه الحرب في أوكرانيا واحتمالاتها.
وقال مورتيمر إن "من السمات البارزة لكيفية نظر الجمهور الفرنسي إلى الحرب في أوكرانيا، أنّ أقوى دعم لاستمرارها هو بين الناخبين الوسطيين والاشتراكيين"، لافتاً إلى أنّ "أكثر من يؤيّد التوصل إلى تسوية سلمية هو الجناح اليساري بقيادة جان لوك ميلينشون، والجناح اليميني بقيادة مارين لوبان وإريك زمور".
وأوضح المقال أنّ "أغلبية الاشتراكيين والوسطيين في فرنسا تنتمي إلى الطبقة الديمغرافية نفسها والطبقة الوسطى الثرية ذاتها"، مشيراً إلى أنّ السبب في تأييد هؤلاء للحرب هو أنهم "قد لا يكونون قلقين بشأن ارتفاع فواتير الطاقة وأسعار البنزين، مثل أولئك الذين يصوّتون لمصلحة ميلينشون ولوبان، وأغلبيتهم من العمال أو الطلاب".
وتستند المعارضة الفرنسية للحرب إلى عدة عوامل، أبرزها تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، والخوف من صراع نووي آخر، لكنها تأتي أيضاً نتيجة لمعاداة اليسار المتشدد للولايات المتحدة الأميركية، بسبب توجهاتها الرأسمالية، وتقويضها الثقافي للجمهورية الفرنسية على مرّ الأعوام، من خلال الطعام والأفلام والأيديولوجيا التي تتسلّل إلى المجتمع الفرنسي، وفق الكاتب البريطاني.
وتستند معارضة الحرب إلى ذكريات حرب العراق، التي بدأت قبل عشرين عاماً، وتسببت بصدع عميق ومرير بين فرنسا والولايات المتحدة. وثبت، فيما بعدُ، أن التردّد الفرنسي كان مبرَّراً، بعد أن كانت باريس تعرّضت للهجوم والإهانة من جانب لندن وواشنطن، بسبب معارضتها الحرب.
وفي 11 شباط/فبراير من عام 2003، ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية أنّ الولايات المتحدة تَعُدّ الفرنسيين "جبناء، وابن عِرس (نوع من الحيوانات) وقروداً". وهاجمت كل وسائل الإعلام الغربية تقريباً عدم اصطفاف فرنسا ضد نظام صدام حسين في العراق.
وتمّ استخدام إشارات مهينة، تعود إلى الحرب العالمية الثانية، مع عدد من الرسوم الكاريكاتورية الساخرة. كما اقترحت صحيفة "نيويورك تايمز" أن تحلّ الهند محل فرنسا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لأنّ الهند أيّدت الحرب، في حين أن فرنسا كانت "منشغلة بحاجتها إلى تمييز نفسها عن الولايات المتحدة لتشعر بالأهمية".
وأعاد عدد من المطاعم تسمية البطاطا المقلية، "فرنش فرايز"، بـ "فريدوم فرايز"، توبيخاً لـ"القرود المستسلمة التي تأكل الجبن" بحسب تعبير أصحاب هذه المطاعم. ولا تزال هذه المرحلة تحكم جزءاً مهماً من نظرة الفرنسيين إلى واشنطن وسياساتها تجاه فرنسا، كما تذكر المجلة.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي: سياسات واشنطن الاقتصادية تضرّ أوروبا وتفكّك سوقها
خشية من التوجيه الأميركي للسياسة الفرنسية
وبحسب المقال، فإنّ الكثيرين يشعرون بقلق متزايد إزاء ما يعدّونه "عدوانية رئيسهم المتزايدة"، بحيث ناقش ماكرون مؤخراً إرسال دبابات ثقيلة وطائرات مقاتلة إلى أوكرانيا.
وفي مقابلات الأسبوع الماضي، أعرب ميلينشون ولوبان وزمور عن "قلقهم العميق بشأن صراع يخشون أنه فقد هدفه الأصلي، المتمثل بالدفاع عن أوكرانيا، وتحوّل إلى حرب، هدفها النهائي تغيير النظام في روسيا".
وقال زمور إن "السياسة الخارجية الفرنسية كانت، منذ عدة أشهر، موجَّهة من جانب الولايات المتحدة".
وأعرب المؤرّخون والفلاسفة والاقتصاديون عن "مخاوفهم بشأن الوجهة التي تجنح إليها الحرب، وما يمكن أن تعنيه لفرنسا، عسكرياً واقتصادياً".
وفي مقابلة، في كانون الأول/ديسمبر، أوضح رئيس المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، تييري دي مونبريال، أنّ الولايات المتحدة "ستكون الرابح الأكبر من هذه الحرب"، وقال إنّ الفرنسيين "أصبحوا أكثر اعتماداً على واشنطن، التي تتمثّل استراتيجيتها بمزيج من القيم والمصالح".
ويعتقد عدد من منتقدي الحرب أن فرنسا "أصبحت شديدة الارتباط بالولايات المتحدة، وفقدت سيادتها، دبلوماسياً وعسكرياً".
وكشف استطلاع للرأي، في كانون الأول/ديسمبر، أنّ 69% من مؤيدي ميلينشون، و 77% من مؤيدي لوبان، يفضّلون أن تكون للمفاوضات الأسبقية على تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، وهو رقم ارتفع إلى 88% بين الموالين لزمور. وانخفضت هذه النسبة إلى 57% عند الاشتراكيين، و60% عند أنصار حزب النهضة بزعامة ماكرون.
وفي الانتخابات الرئاسية، التي جرت العام الماضي، تعهّد ثمانية من المرشحين الـ 12 سحب فرنسا من الناتو إذا تمّ انتخابهم. وكان هذا، وفقاً لصحيفة "لوموند" الفرنسية، بسبب اعتبارهم أنها منظمة "تهيمن عليها الولايات المتحدة، وتستخدمها أداةً لخدمة مصالحها".
وأضافت "ذا سباكتايتور" أن ماكرون وهؤلاء المرشحين من الاشتراكيين والخضر والجمهوريين من يمين الوسط رغبوا في بقاء فرنسا ضمن الناتو، بينما كان المرشحون الآخرون يمثّلون أيضاً ملايين الفرنسيين، الذين يفضّلون السخرية منهم على أنهم "قرد مستسلم" بدلاً من النظر إليهم على أنهم "كلب بودل أميركي".
ويأتي هذا الوصف في إشارة إلى مرحلة ما بعد غزو العراق، ولا سيما في عامَي 2006 و2007 بعد أن ظهر حجم النتائج الكارثية للغزو على العراق والمنطقة، بصورة كبيرة. ويومها، اتهمت الصحافة الغربية رئيس الحكومة البريطاني طوني بلير بأنه "كلب البودل الخاص بالرئيس الأميركي جورج بوش"، وقالت إن بلير "ناجح في حصد تأييد الجمهور الأميركي أكثر من نيله تأييد المواطنين البريطانيين".