في ذكرى اليوم العالمي لمنع التطرّف: المساعدات لتركيا وسوريا نموذجاً!
يُصادف اليوم الـ 12 من شباط/فبراير، اليوم العالمي لمنع التطرّف وفق تصنيف الأمم المتّحدة، فأين أحداث اليوم من هذه المناسبة، من سوريا إلى أوكرانيا وما بينهما من حروبٍ وكوارث؟ واقعاً ليست بعيدة، فالغرب الأطلسي، لطالما مثّل رأس حربة التطرّف والتمييز العنصري حتى في المآسي الإنسانيّة، ومصاديق ذلك تُعَدّ ولا تُحصى، سواء على مستوى المنطقة أو في العالم.
"في التطرّف العنيف إساءة لمقاصد الأمم المتّحدة ومبادئها لأنّه يقوّض السلام والأمن وحقوق الإنسان"، هذا هو تعريف التطرّف في قاموس الأمم المتّحدة التي اختارت يوم الـ12 من كل شباط/فبراير لإحياء المناسبة.
وعبر موقع "middleeasteye" يقول الكاتب البريطاني ديفيد هيرتس، إنّ زلزال تركيا وسوريا كشف عن الوجه الحقيقي لأوروبا، والغرب عموماً، وأثبت للعالم أنّ الغرب مهتمٌ بالتدمير والحرب أكثر من اهتمامه بالتعمير.
هنا تحديداً، تُقاس قسوة الإنسان تجاه الإنسان، ولكن ليس على مقياس ريختر، فكيف يمكن تقديم بريطانيا مثلاً ستّة ملايين دولار لإغاثة 23 مليون شخصٍ ضربهم الزلزال، مقابل ملياري دولار فاصل ثلاثة لأسلحةٍ لاستخدامها في حرب أوكرانيا؟ ما هو التطرّف إذا لم يكن هذا؟ وما هو التطرّف العنيف إذا لم يكن كاريكاتور "تشارلي إيبدو"، وكلّ ما يشبهها من صحافة العار؟
مقالٌ في موقع جنوب أفريقي يرى أنّ الكارثة السورية، أظهرت أنّ الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي يمثّلان تهديداً كبيراً للسلام العالمي، فالنظام العالميّ القائم على القواعد هو برأي الكاتب حيلةٌ لتقويض الأمم المتّحدة وغالبيّة الدول الأعضاء فيها. كل هذا التطرّف العنيف يغذّي الحروب، الحصار هو تطرّفٌ، والعقوبات تطرّفٌ، من سوريا إلى فنزويلا وكوبا، ومثال الأمثلة فلسطين.
الغزو والقتل والدمار في العراق وفي أفغانستان لا يُعتبَر إرهاباً!
قال محلّل الميادين لشؤون أميركا والأمم المتّحدة نزار عبّود إنّه بعد أحداث الـ 11 من أيلول/سبتمبر اجتمع قادة العالم في الأمم المتّحدة عدّة مرّات لتعريف الإرهاب وفشلوا. وسبب الفشل هو خشية من أن يكون هذا التعريف مقتصَر على فئة معيّنة، وكان المقصود طبعاً كما قال جورج بوش في ذلك الوقت "حرب صليبيّة" على كل مَن يعادي الولايات المتّحدة وقصد بذلك بشكل واضح المسلمين. "وصم الإسلام بالإرهاب"، كان على لسان أكثر من سفير، عندما قال غيلرمان، وهو السفير الإسرائيلي السابق في عام 2008 أمام مجلس الأمن الدولي، هل هي صدفة أن يكون معظم الإرهابيين مسلمين؟ وهل هي صدفة أن يكون معظم الضحايا أيضاً من المسلمين؟
كيف يتم توجيه التطرف ضد جماعات ودول دون أخرى؟
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) February 12, 2023
محلل #الميادين لشؤون #أميركا و #الأمم_المتحدة نزار عبود في #التحليلية.@Fotoun_Abbassi pic.twitter.com/F8NOafCWZp
بهذه النظريّة خرجت دعوات لإصدار قرارات في الأمم المتّحدة، تدعو إلى وصف الأعمال الإرهابية دون تعريف الإرهاب، أي أنّ ما تفعله الدول من غزو وتقتيل وتدمير كما شاهدنا في العراق وفي أفغانستان وغيره كل ذلك لا يُعتبَر إرهاباً. لكن الإرهاب هو فقط عندما يُستهدَف الغرب في أي هجوم من جماعات، وهذه الجماعات غالباً ما كانت هي صنيعة الغرب كما حصل في أفغانستان. القاعدة بدأت من هناك لمحاربة الاتّحاد السوفياتي، بتمويل غربي وتمويل من الدول العربية الموالية للغرب.
صعود اليمين المتطرّف في أوروبا
من جهته، أشار محلل الميادين للشؤون الأوروبية والدوليّة موسى عاصي إلى أنّ الحكومات الأوروبية التقليديّة لا تريد بكلّ صراحة وضع حدّ لصعود اليمين المتطرّف في أوروبا، لافتاً إلى أننا اليوم أمام ثلاث اتّجاهات سياسية في القارة الأوروبية. الحكومات الليبرالية وهي تشكّل أو تمثّل الأحزاب التقليديّة إن كانت يمينيّة أو يساريّة، واليمين المتطرّف المتصاعد، وأيضاً في الجهة الثالثة لدينا اليسار المتجدّد. الأخير موجود بشكل قوي في فرنسا على سبيل المثال، ولكن تواجده في الدول الأوروبية الأخرى أضعف من ذلك بكثير.
وأضاف عاصي أنّ هناك نوع من التحالف غير المنظور بين الليبراليّة وبين اليمين المتطرّف، مشيراً إلى أن الحكومات الليبراليّة تدعم بشكل غير مباشر بقاء اليمين المتطرّف وصعوده لسببٍ بسيط جداً، وهو وضع الناخبين بين خيارين أحلاهما مرّ. إمّا أن تنتخبوا اليمين المتطرّف أو الحكومات الليبراليّة، وهذا ما حصل في فرنسا عندما فضّل الفرنسيّون إمانويل ماكرون على مارلين لوبان.
لماذا لم تتمكّن الحكومات التقليديّة في #أوروبا من وضع حد لليمين المتطرّف من الصعود؟
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) February 12, 2023
محلل #الميادين للشؤون الأوروبيّة والدوليّة موسى عاصي في #التحليلية.@Fotoun_Abbassi @moussaassi pic.twitter.com/oPYQmdK8AT
وشرح محلل الميادين للشؤون الأوروبية والدوليّة الفرق بين اليمين المتطرّف والحكومات الليبراليّة في السياسات الخارجية، لافتاً إلى أن ما نلحظه اليوم في الأزمات الدوليّة، إنّ كان في أوكرانيا أو في سوريا أو غير ذلك، هو أن اليمين المتطرّف معروف بأنّه يمينيّ يكره الأجانب، ويكره ذوي الأصول غير الأوروبية.
لكن الحكومات الليبراليّة تستطيع أن تكون أكثر قسوةً بشكل لا يُقاس بالسياسة الخارجية، ونرى تبِعات ذلك في سوريا اليوم على سبيل المثال أو في العلاقة مع روسيا. هذه الحكومات تُشارك بشكل مباشَر بالضغط على هذه الدول من أجل إخضاعِها أو السيطرة على قرارها، وهذا ما لا تبحث عنه القوى اليمينيّة المتطرّفة. وهو ما ظهر خلال الأيّام الماضية عندما قالت لوبان بإنّها لا تريد استمرار الحرب في أوكرانيا، وأنّها لا تريد تقديم الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا بشكلٍ مستمر.
هل يمكن الربط ما بين صعود اليمين المتطرّف في كل من كيان الاحتلال الإسرائيلي وأوروبا؟
أشار محلل الميادين للشؤون العربية والاقليمية عبد الرحمن نصّار إلى أنّ هُناك مجموعة من الدراسات التي تؤكّد أنّ التأثّر بأي موجة أو نزوع تطرّفي يكون عادةً في إطار جغرافي متجاور، أو ضمن علاقات تاريخيّة متجاورة، ولكن عندما ننظر الى الخريطة نجد أنّ فلسطين بعيدة عن أوروبا، فلماذا يتزامن هذا التصاعد للتطرّف اليمينيّ الأوروبي مع التطرّف الإسرائيلي؟
يشرح نصار بأنّ هذا يعود إلى سببين أساسيّين، أولاً "النخبة الحاكمة الأساسية في "إسرائيل" تعتبر نفسها في مكان ما لها جذور أوروبية لا تزال تحافظ عليها". وثانياً، "إسرائيل"، بمجملها تعتبر نفسها من دول العالم الأوّل، وهي لا تصنّف نفسها أبداً لا من دول العالم الثاني ولا الثالث، لذلك ما ينعكس في السياسات الأوروبية الداخليّة يجد صدىً مباشراً في "إسرائيل" وكذلك حتى داخل الولايات المتّحدة الأميركية.
هل يمكن الربط ما بين صعود اليمين المتطرّف في كيان الاحتلال بصعوده في #أوروبا؟
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) February 12, 2023
محلل #الميادين للشؤون العربيّة والإقليميّة عبد الرحمن نصّار في #التحليلية.@Fotoun_Abbassi pic.twitter.com/7kUmsw6rLB
السبب الثاني أنّ هناك مجموعة من لوبيّات الضغط اليهوديّة الموجودة في أوروبا، وأيضاً في الولايات المتّحدة الأميركية التي تغذّي تيّارات التطرّف باتّجاهات معيّنة. ومن الطبيعي جداً، وفق نصار، أن ينعكس هذا الأمر على "إسرائيل". بالنهاية، السياسة تحتاج إلى مال، وهذه الأموال التي تُنقَل هي ما يزيد من تصاعد اليمين، فضلاً على أنّه يجب ألّا ننغَشّ أن "إسرائيل" بمجملها دولة متطرّفة، ولكن التطرّف بين الصهيونيين أنفسهم هو العلامة الفارقة الآن في هذه المرحلة.
ازدواجيّة المعايير الغربية في التعامل على المستوى الإنساني
اعتبر محلّل الميادين لشؤون أميركا والأمم المتّحدة نزار عبّود، أنّ تصريح جوزيب بوريل منسّق السياسة الخارجيّة الأوروبيّة كان أوضح وجه من أوجه العنصرّية الأوروبيّة الكامن، عندما قال "نحن جنّة والآخرون غابة وحشيّة"، لافتاً إلى أنه لم يتحدّث بلسانه فقط إنّما تحدّث بلسان الكثيرين من الساسة الغربيين.
وأضاف عبود أنّه عندما يُدرَّس التطرّف في المدارس اليهوديّة في "إسرائيل" على أساس كراهيّة العرب، وعندما يُحرَق القرآن في السويد لا يتم اعتباره تحريض على الإرهاب ولا نوع من أنواع التطرّف الذي يؤدّي إلى عنف وإلى إرهاب حقيقي، لكن عندما ينتقد أحد ما السياسة الإسرائيلية، يُصنَّف سريعاً بأنه إرهابي.
كذلك، تحدث الكثير من المفكّرين الكبار في الغرب مثل نعوم تشومسكي، وجون ميرشايمر وغيرهم بوضوح "أننا منافقون، نحن دجّالون في ما يتعلّق بموضوع الإرهاب".
التسييس في ملفّ الزلزال
وبحسب محلل الميادين للشؤون الأوروبية والدولية موسى عاصي، لا يمكن الفصل بين التسييس في الملفات الانسانية ومفاهيم التطرف والعنصرية، "ففي نهاية المطاف التطرّف على المستوى الدولي وما نتحدّث به دائماً في منطقة الشرق الأوسط عن الإرهاب الدولي، وما حصل خلال التاريخ القديم والحديث يخدم السياسة بطبيعة الحال"، لافتاً إلى أن الدول التي ارتكبت مجازر وإبادات جماعيّة في أفريقيا وغيرها، في العراق وفي سوريا كانت من أجل خدمة المشاريع السياسية.
وشرح عاصي تطبيق النظريّة في سوريا لافتاً إلى أن المساعدات التي تصل بشكل واسع جداً لتركيا، لا تصل بشكل كافٍ لسوريا. والعلامة السوداء اليوم، هي قانون قيصر الأميركي، "وهنا نعود الى التعريف الأساسي لليوم العالمي لمنع التطرّف الذي تحدّثت عنه الأمم المتّحدة، الذي يقول إنّه يجب مواجهة التطرّف الذي يُفضي إلى الإرهاب".