زلزال تركيا.. اختبار إردوغان الأصعب قبيل الانتخابات

بالتوازي مع التحديات الإقتصادية والسياسية التي تعيشها تركيا، جاء الزلزال المدمّر الذي ضرب البلاد فجر الإثنين الماضي، ليشكّل اختباراً مفصلياً سيحدد مصير الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة بعد 3 أشهر.
  • زلزال تركيا.. اختبار إردوغان الأصعب قبيل الانتخابات

على وقع التحديات الإقتصادية والسياسية التي تواجهها تركيا منذ سنوات، جاء الزلزال الذي ضربها فجر الإثنين، مخلفاً الآلاف من الوفيات والجرحى، وواضعاً الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أمام اختبار مفصلي، فيما يتعلق بالإنقاذ وإعادة الإعمار، وذلك في أكثر الفترات السياسية حساسية بالنسبة له. وهو ما سيلقي بظلاله على نتائج الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية  المقررة في 14 أيار/مايو، التي توصف بالفعل على أنّها الأصعب له خلال عقدين من حكمه، إذ سيتواجه خلالها مع تكتل من أحزاب معارضة متحالفة في ما بينها، تسعى إمّا لتغيير الغالبية في البرلمان التركي أو لإسقاط إردوغان نفسه.

 تزايد السخط الشعبي في المناطق ذات الأغلبية المعارضة

ما إن انقشع غبار الزلزال المدمّر، حتى اشتكت أحزاب المعارضة وبعض السكان في المناطق الأكثر تضرراً من بطء السلطات أو عدم جاهزيتها بالمعدات اللازمة، للتعامل مع ما وقع من دمار.

إعلان الرئيس التركي حالة الطوارئ القصوى، وجولاته الميدانية، واعترافه "بالقصور"، ووجود "ثغرات" في استجابة حكومته للكارثة، لم يشفع للرئيس التركي ولحزبه العدالة والتنمية. حالة من مشاعر الإحباط انتشرت في عدد من مناطق المعارضة التي طالها الزلزال، فنددت عائلات منكوبة، بحكومة عاجزة عن مساعدتها وإنقاذ أقربائها العالقين تحت الأنقاض.

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

  • صورة جوية تظهر جانباً من الدمار الذي تسبب به الزلزال في جنوب تركيا

المعارضة السياسية التي تحشد جهودها منذ سنوات للإطاحة بالرئيس التركي، وجدت في الحادثة فرصة ملائمة لتجييش الشعب ضدّ إردوغان، بقولها إنّ "عدد الوفيات المرتفع ليس ناجماً عن الزلزال فحسب، بل عن مبان غير مضبوطة بشكل جيد ورديئة النوعية"، مشيرةً إلى أنّ "الجيش لم يتصرف في وقت سريع كفاية لأن حكومة إردوغان أبطلت بروتوكولاً يمكنه من الاستجابة بلا توجيهات". وبحسب كمال كيليجدار أوغلو، زعيم حزب المعارضة الرئيسي في تركيا: "إذا كان هناك شخص واحد مسؤول عن هذا، فهو إردوغان".

الإعلام الغربي يستغلّ الزلزال للهجوم على إردوغان

بدلاً من الاهتمام بالجانب الإنساني، غرق الإعلام الغربي في البحث عن الصور والمشاهد والأصوات المنتقدة لأداء الحكومة التركية، عبر إلقاء اللوم على أدائها، من ناحية تقصيرها في مهامها، وتوفير البنى التحتية الملائمة لمقاومة الزلازل. ولتكتفي بعد ذلك بما ينقله ويدّعيه المراسلون الذين تجاهلوا جولة الرئيس التركي في المناطق العشر المنكوبة، ناهيك عن سخرية صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية من واقعة الزلزال عبر نشر صورة عبر حسابها الرسمي في "تويتر"، تُظهر بناءً مدمّراً، أرفقته بعنوان "زلزال في تركيا.. لا داعي لإرسال الدبابات".

وتحت عنوان " أين الدولة؟.. إردوغان يواجه غضب شعبه بعد زلزال تركيا" عنونت صحيفة الإندبندنت البريطانية مقالها، مشيرة إلى أنّ إردوغان وحزبه العدالة والتنمية، يواجهان اتهامات من الناجين من الزلزال، بأنّ الإجراءات الرسمية كانت بطيئة وغير متكافئة التوزيع، خاصة في المناطق الموالية سياسياً لأحزاب المعارضة.

لم تتوقف الصحيفة البريطانية هنا، بل ذهبت للقول إنّ "حكومة إردوغان أمرت مزودي خدمات الاتصالات بمنع الوصول إلى موقع "تويتر" خوفاً من إمكانية استخدامه ضده"، عبر نشر معلومات تدينه.

صحيفة  الفايننشال تايمز البريطانية، هي الأخرى، رأت أن "الزلزال يشكل اختباراً لزعامة إردوغان"، مشيرةً إلى أنّ الأخير "استغل زيارة يوم الأربعاء إلى مدينة قهرمان مرعش المدمرة، بالقرب من مركز الزلزال، لتوجيه الانتقادات لأولئك الذين اتهمهم بالاستفادة من الكارثة لدفع أجندتهم الخاصة".

بدورها، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، الأميركية، أنّ "تداعيات الزلزال سلّطت الضوء على مدى إعادة إردوغان تشكيل الدولة التركية، إذ يتهمه منتقدوه بدفع البلاد نحو الاستبداد من خلال إضعاف الحقوق المدنية وتقويض استقلالية مؤسسات الدولة، مثل وزارة الخارجية والبنك المركزي". 

استعراض سريع لأبرز ما تحدّثت عنه الصحف الغربية، يكشف كيف وجدت في الزلزال فرصة لا تعوض، لمعاقبة الرئيس التركي حيال موقفه من الحرب الروسية في أوكرانيا، والإطاحة به داخلياً، وهو ما يدركه إردوغان جيداً، الذي تحدّث عن محاولات لإثارة الشعب بأخبار مزيفة وتحريفات. وهو ما يطرح التساؤل عن حظوظ الأخير في الفوز بالإنتخابات المقبلة؟

ضريبة الزلزال

مع تصاعد الانتقادات لبطء وسوء تنظيم عمليات الإغاثة، حرص إردوغان الذي يتولى السلطة منذ عام 2003 على تفقّد المنطقة المنكوبة، مُقراً بوجود تقصير.

  • الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يلتقي منكوبين خلال زيارته مدينة كهرمان مرعش بجنوب البلاد في 8 شباط/فبراير 2023

لكن إردوغان الذي يواجه اليوم اختباراً حقيقاً، كان في وضع  دقيق حتى قبل الزلزال. في الانتخابات الأخيرة، تراجع حزبه المتأثر بطغيان صورته على كل ما عداه في "حزب التنمية والعدالة"، وفي انتخابات المجالس البلدية الأخيرة، خسر مدناً رئيسية أهمها "جوهرة التاج" التركي إسطنبول، إلى جانب غيرها.

وعانت تركيا في فترة حكمه، من ارتفاع معدلات التضخم، وانهيار العملة، بسبب تبني إردوغان سياسات اقتصادية غير تقليدية. فدعواته لخفض أسعار الفائدة أدّت إلى ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى في 24 عاماً، وصلت عند 85% العام الماضي، وهبطت الليرة 10% من قيمتها مقابل الدولار على مدار العقد الماضي.

وعلى الصعيد الخارجي، ازدادت الهوة مؤخّراً،  في علاقات تركيا مع أوروبا، خاصة فيما يتعلق بموقف تركيا من الحرب الروسية في أوكرانيا، وتوتر العلاقات مع فنلندا والسويد على خلفية المعارضة التركية لانضمامهما للناتو. وكذلك توتر العلاقة التركية الأميركية، بعد أن تمّ إبعاد أنقرة من برنامج تطوير الجيل التالي من الطائرات المقاتلة "أف-35"، على خلفية قيامها بشراء صفقة الصواريخ الروسية "أس-400"، والمعارضة الواسعة في الكونغرس لبيع أنقرة طائرات حربية من طراز "أف-16"، والدعم الأميركي للمسلحين الأكراد في سوريا. هذا فضلاً عن تراجع العلاقة التركية مع عدد من الدول العربية، على رأسها مصر والسعودية.

ورغم التحديات القائمة، إلا أنّ ما عاشته تركيا قبل الزلزال، لن يكون كما بعده، في ظل حديث خبراء اقتصاد عن أنّ الزلزال سيضيف مليارات الدولارات من الإنفاق إلى ميزانية أنقرة، وسيخفّض النمو الاقتصادي بنقطتين مئويتين هذا العام، وهو ما سيشكّل تحدياً إضافياً أمام الحكومة التي ستضطر للقيام بجهود إعادة إعمار ضخمة قبل انتخابات حاسمة.

يرى جزء يعتد به من الشعب التركي أنّ الرئيس قادر على حشد التأييد الوطني لأسلوب التعامل مع الأزمة، وعلى تعزيز موقفه لكونه ماهراً في خوض الحملات الانتخابية، ولأنّ حكومته تصدّت لزلازل وحرائق غابات وغيرها من الكوارث الطبيعية منذ توليه السلطة قبل 20 عاماً، فيما يرى آخرون، بأنّ أي تصور لعدم قدرة الحكومة على التعامل مع هذه الكارثة بشكل صحيح، أو التأكد من أنها لم تطبق قوانين البناء الملائمة في بلد معرّض للزلازل، من شأنه أن يضر بمساعي إردوغان في الانتخابات.

لا شكّ أن إردوغان، يذكر أن قلّة كفاءة السلطات عند وقوع  زلزال عام 1999 هي التي قادت حزبه إلى الانتصار بعد ثلاث سنوات. وعليه، فإنّ مدى الإستجابة الملائمة للكارثة، هي من ستحدد مصيره السياسي بعد أشهر، فإمّا أن يربح كل شي، أو يخسر كل شيء.

اقرأ أيضاً: إدارة الكوارث التركية: الزلزالان يعادلان تأثير تفجير 500 قنبلة ذرية

المصدر: الميادين نت