حكومة إسرائيلية جديدة في مواجهة معضلة فلسطينية قديمة

وسائل إعلام إسرائيلية تتطرق إلى عدم وجود آلية عند الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة نتنياهو لمواجهة العمليات المُنفردة من قبل الفلسطينيين، وتتحدث عن الانفجار الوشيك في الساحة الفلسطينية.
  • حكومة إسرائيلية جديدة في مواجهة معضلة فلسطينية قديمة

تقف الحكومة الإسرائيلية الجديدة عاجزةً أمام العمليات البطولية التي نفّذها فلسطينيون في مدينة القدس المحتلة، خلال الأيام الماضية، إذ على الرغم من إعلان رئيسها، بنيامين نتنياهو عن زيادة منسوب القمع وإجراءات العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين، يرى خبراء ومعلقون إسرائيليون أنّ هذه السياسات لن تؤدي إلى سلب الفلسطينيين الحافزية لمحاكاة مثل هذه العمليات الناجحة، بل على العكس، قد تؤدي إلى دخول الساحة الفلسطينية في منحى تصعيدٍ متفجر قد يصل إلى حدّ انتفاضة حقيقية. وانتقد مُعلّقون تركيبة المجلس الوزاري المُصغّر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) الجديد، كونه لا يضمّ الكثير من أصحاب الخبرة، بل يتألف من وزراء ذوي آراء قومجية – حربجية.

وأشار خبراء ومُعلّقون إلى أنّ "إسرائيل" ستجد صعوبة في إنتاج ردٍ مهم على عمليات القدس التي تنطوي على إمكانية تغيير للواقع. ودعا آخرون لاستخلاص العِبَر وتحسين الاستخبارات في القدس الشرقية، وفي المقابل، رأى خبراء ومعلقون أنّه لا يوجد حل لمواجهة العمليات التي يقوم بها منفردون، ودعوا إلى إخراج كلمة "حل للعمليات الفلسطينية" من القاموس.

الساحة الفلسطينية على وشك الانفجار

حذّر مُحلل الشؤون العسكرية في موقع "واينت" الإسرائيلي رون بن يشاي، من أنّ الأحداث في جنين والهجوم في القدس لديها إمكانية رفع مستوى العنف المكثّف، إلى حدّ انتفاضةٍ حقيقية تُشارك فيها جموع فلسطينية.

وجاراه في تحذيراته محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "إسرائيل هيوم"، يوآف ليمور بقوله إنّ "الهجوم في القدس هو من نوع الهجمات التي تنطوي على إمكانية تغيير الواقع". وأضاف ليمور أنّ "الهجوم يثير قلقاً من منحى التصعيد الخطير في الساحة الفلسطينية، التي هي على وشك الانفجار".

رئيس مركز "ديان" في جامعة تل أبيب، البروفسور عوزي رابي، قال في مقابلةٍ مع القناة الـ 13 الإسرائيلية إنّ "إسرائيل" مدعوّة لأن تأخذ بالحسبان الهجمات في القدس، وتُدرك أنّها جزءٌ من الواقع الذي يجب أن تواجهه، "ليس فقط غداً أو بعد غد، بل لزمنٍ طويل"، مشيراً إلى أنّ "القوة الكامنة في هذه الأحداث مغايرة، ولا يمكن معرفة إلى أين ستصل، فالواقع مُعقد جداً".

وبدوره، رأى معلّق الشؤون العسكرية في القناة الـ 12 الإسرائيلية، نير دفوري أنّ المرحلة الحالية من الأحداث تتداخل فيها عدّة أمور، من إمكانية عالية لمهاجمين منفردين للوصول إلى سلاح، وعدم وجود معلومات استخبارية مسبقة، فضلاً عن أنّ العمليات نفذها فلسطينيون يحملون الهوية الزرقاء (الجنسية الإسرائيلية)، بحيث لا يوجد قُدرة على منع دخولهم إلى "إسرائيل". لذلك، يُعدّ هذا التداخل، بحسب دفوري، خطيراً جداً ومقلقاً جداً.

وحذّرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية من أنّ "عناصر الانفجار تتراكم تدريجياً في الميدان"، وأضافت أنّ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعمل تحت إنذار بـ"انقلاب الجرة"، بمعنى أنّ "أي حدثٍ دراماتيكي (قد) يقود إلى اشتعال واسع بشبه انتفاضة ثالثة".

تحذيرٌ من عمليات محاكاة

أبدى عدد من الخبراء والمعلقين في "إسرائيل" قلقهم من أن يؤدي نجاح العملية التي نفّذها (الشهيد) خيري علقم في القدس، إلى تحفير شبان فلسطينيين على تنفيذ عمليات مشابهة في محاكاة لهذه العملية.

وفي هذا السياق، رأى محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "إسرائيل هيوم" يوآف ليمور، أنّ فرضية عمل الجهات الأمنية في "إسرائيل" يجب أن تكون بأنّ هجوم القدس سيحفّز أشخاصاً آخرين على العمل.

وبحسب الصحيفة، فإنّ التخوف الفوري هو من موجة عمليات فردية، يسعى منفذوها إلى تقليد النجاح الذي حققه منفذاً العمليتين في نهاية الأسبوع الماضي في القدس المحتلة.

محلل الشؤون العسكرية في القناة الـ 13 الإسرائيلية ألون بن دافيد، لفت إلى أنّ العمليات التي تنجح، تشجع بصورة طبيعية الكثيرين لتنفيذ عمليات مشابهة. كلام مشابه قاله المسؤول السابق في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، عيدي كرمي، في حديث مع القناة الـ 12 الإسرائيلية، حيث أعرب عن خشيته من حصول عمليات تقليد، لأنّ نجاح عملية معينة، يُشجّع شبّان على القيام بعمليات مُشابهة، و"هذا مدخل لتصعيدٍ سريعٍ جداً".

اقرأ أيضاً: إعلام إسرائيلي: عشرات الآلاف يتظاهرون ضد نتنياهو في "تل أبيب" ومدن أخرى

الحل: تعزيز الاستخبارات ونشر المزيد من القوات

لم يستطع الخبراء والمُعلّقون الإسرائيليون تقديم الكثير من الحلول في مواجهة العمليات التي يُنفّذها فلسطينيون بصورةٍ مُنفردة ضد أهداف إسرائيلية، فرأوا أنّ الحل يكمن في تعزيز الاستخبارات ونشر المزيد من القوات في المناطق.

وفي هذا الإطار، دعا الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي (أمان)، رئيس معهد أبحاث الأمن القومي، تامير هايمان، إلى استخلاص العِبَر وتحسين الاستخبارات في القدس الشرقية.

معلّق الشؤون العسكرية في القناة الـ 12 الإسرائيلية نير دفوري، رأى أنّ الحل في ظل عدم وجود معلومات استخبارية استباقية، هو الإكثار من الحراس والجنود على الأرض.

وأضافت مراسلة الشؤون العسكرية في صحيفة "إسرائيل هيوم" ليلاخ شوفال، أنّ تجربة الماضي تُفيد أنّ الإجراءات الأكثر نجاعة ضد الفلسطينيين هي نشر واسع لقوات على الأرض، وتعزيز الشاباك لجمع المعلومات الاستخبارية. 

وبدوره، قال محلل الشؤون العسكرية في موقع "واينت" رون بن يشاي، إنّ الوسيلة الوحيدة لمواجهة مهاجمين منفردين هي "إغراق الأرض بقوات، وليس كما قد يطالب الوزراء في الكابينت بعملية متطرفة".

وأضاف بن يشاي أنّه حِيال مهاجمين يعملون لوحدهم، لا يوجد الكثير مما يمكن فعله - كما سبق وأن أدركوا ذلك في المؤسسة الأمنية والعسكرية في السنوات الأخيرة - سوى محاولة تشخيصهم قبل شنّ الهجمات، نتيجة نشرٍ على الشبكات الاجتماعية، أو بوسائل استخبارية تكنولوجية أُخرى.

لا يوجد حل في مواجهة العمليات المُنفردة

في مقابل الدعوات لتعزيز الاستخبارات ونشر المزيد من القوات في المناطق لمواجهة العمليات المحتملة، رأى خبراء ومعلقون أنّه لا يوجد حل لمواجهة العمليات التي يقوم بها منفردون، إذ بحسب رئيس مجلس الأمن القومي سابقاً، اللواء احتياط يعقوب عميدرور (ذو الخلفية الدينية)، فإنّ كلمة حل للعمليات الفلسطينية يجب إخراجها من القاموس، لأنّه لا يوجد حل لهذه المشكلة.

عميدرور الذي كان يتحدث لإذاعة "كان" الإسرائيلية، قال إنّه ليس متأكداً في وجود فائدة من قرارات الكابينت (إجراءات عقابية جماعية ضد الفلسطينيين)، لأنّه حتى لو ارتدع بعض الفلسطينيين بسبب العقوبات، فإنّ هذا لا يردع، في أغلب الحالات، "منفذي العمليات"، فغالبيتهم يذهب إلى العملية وهو يعلم أنه لن يرجع منها. 

كلامٌ مشابه قاله العقيد احتياط كوبي ميروم للقناة الـ 12 الإسرائيلية، حيث تساءل ضد من ستُشن عملية قاسية كالتي تدعو إليها الأصوات المتحمسة من اليمين؟ مضيفاً أنّ هذا النوع من الكلام شعبوي، وهو فقط يزيد من حدة الوضع ويؤدي إلى تصعيد أكبر.

اقرأ أيضاً: مسؤول إسرائيلي: لا حلّ للحدّ من العمليات الفلسطينية 

رئيس مركز "ديان" في جامعة تل أبيب البروفسور عوزي رابي، قال إنّ تنفيذ استراتيجية كبيرة تحل المشاكل دفعة واحدة، هو ببساطة أمر غير ممكن، إذ تستطيع "إسرائيل" فقط التركيز على مسائل تكتيكية، لأنها الواقع يُشير إلى أنّه ليس لديها رفاهية إيجاد حلول شاملة لهذا الواقع المعقد جداً.

وفي هذا السياق، لفتت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، إلى أنّه "لا يوجد بحوزة بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت وإيتمار بن غفير (في الحكومة الحالية) أدوات مختلفة عن تلك التي كانت بحوزة يائير لابيد ونفتالي بينيت (في الحكومة السابقة) من أجل إحداث ردع صباح الغد".

مراسل الشؤون العسكرية في القناة الـ 12، نير دفوري، لفت إلى أنّه لا يوجد زر سحري يتم الضغط عليه، "فيُحيّد الإرهاب"، بل يوجد صراعٌ طويل وعمليات تجري طوال الوقت. وأضاف محلل الشؤون العسكرية في القناة الـ 13 الإسرائيلية ألون بن دافيد، أنّه "لا يوجد حلٌ جيد لقوات الأمن في مواجهة العمليات المنفردة".

صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، كتبت في افتتاحيتها اليوم (الأحد 29-01-2023) أنّ عمليات الجيش الإسرائيلي، المكثّفة وعدوانيته، في مخيم جنين، والتي أدت على مقتل 9 فلسطينيين، لا تنجحان في قمع الحافزية لتنفيذ هجمات، التي تتغلغل إلى طبقاتٍ أوسع داخل الجمهور الفلسطيني.

كابينت مؤلف من متهورين لا خبرةَ لهم

تطّرق معلقون إسرائيليون إلى تركيبة المجلس الوزاري المُصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) الحالية، وإلى القرارات التي اتخذها في جلسته الاستثنائية التي عُقدت مساء أمس (السبت 28-01-2023)، والتي شملت، بحسب نتنياهو، إغلاق منزل (الشهيد) خيري علقم، تمهيداً لتدميره، ومناقشة إجراءات إضافية، كحرمان عائلات منفذي العمليات وداعميهم، من الإقامة الإسرائيلية، وتسليح المستوطنين، إضافة إلى تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية.

وأشار موقع "واينت" الإسرائيلية إلى أنّ الكابينت الجديد، ليس فيه الكثير من أصحاب الخبرة، فهو مؤلفٌ بشكلٍ أساسي من وزراء ذوي آراء قومجية – حربجية، يمكنهم أن يدفعوا إلى عملياتٍ متطرفة بدل تهدئة الساحة، بحيث تُؤجج ألسنة اللهب أكثر فأكثر.

صحيفة "إسرائيل هيوم" الإسرائيلية، كتبت أنّه يوجد في الكابينت عدد من الوزراء الذين يمتلكون رصيداً من التصريحات المتطرفة، وفي مقدمتهم، وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، الذي وجد نفسه، لأوّل مرّة، ليس في الجانب الذي يتهم الآخرين بالتقاعس الذي يؤدي إلى إزهاق حياة بشر، بل كمن يتحمل مسؤولية عن النتائج القاسية ويُطالَب بالإيفاء بتعهداته.

ولفتت الصحيفة إلى أنّ بن غفير، مثل زملائه الجدد في الكابينت، بات يُدرك الآن "حدود القوة"، وأضافت أنّ الأيام القريبة ستُثبت ما إذا كانت المقولة المعروفة، "ما يرونه من هنا، لا يرونه من هناك"، ستسري أيضاً على بن غفير ووزير المالية، بتسلائل سموتريتش. 

اقرأ أيضاً: إعلام إسرائيلي يقيّم حكومة نتنياهو: عمليات فلسطينية دموية وأزمة اقتصادية

المصدر: الميادين نت