"ترامب الأرجنتين".. خافيير ميلي من تشريع تجارة الأعضاء البشرية إلى طلب نصيحة كلبه الميت
بعد الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل وأوروبا و"إسرائيل"، يواصل التيار "اليميني الشعبوي" في العالم، زحفه المتواصل بزخم وقوة كبيرين نحو مختلف القارات، إلى أن حطّ رحاله هذه المرة في الأرجنتين، عندما اقتحم شخص غريب المشهد الوطني، متعهّداً بتفكيك المؤسسة الفاشلة وطرد "الطبقة" الحاكمة على "حميرهم".
ما نتكلّم عنه ليس سوى اليميني المتطرّف خافيير ميلي، الذي أحدث نجاحه في الانتخابات التمهيدية الرئاسية في الأرجنتين ـــ كانت جرت في 13 آب/أغسطس الجاري ـــ موجات من الصدمة، هزت المؤسسة السياسية الحاكمة في البلاد قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
المفاجئ في الأمر، أن ميلي الذي تحوّل من دخيل على عالم السياسة، إلى مرشح فائز، حصد نحو 30% من إجمالي الأصوات المدلى بها في الانتخابات التمهيدية ــــــ وهو تصويت إلزامي ينظر إليه على أنه بروفة من نوع ما للانتخابات العامة، ومؤشّر ملموس للرأي العام أكثر صدقية من استطلاعات الرأي، التي توقّعت نيله أصواتاً قليلة ـــ فيما حلّ المرشحون لائتلاف المعارضة الرئيسي، والائتلاف الحاكم في المركزين الثاني والثالث، بنسبة 28 و27% على التوالي.
من هو خافيير ميلي؟
في الواقع، اكتسب ميلي شعبية، من خلال المتابعين لسياساته اليمينية وأسلوبه المنمّق، وظهوره التلفزيوني وتاريخه كموسيقيّ متخصّص في نوع الروك، وشخصيته وتلميحاته الغربية فضلاً عن مناقشاته البذيئة حول الجنس التانتري (أي الانسجام والوحدة والتواصل العميق والإبداع والإلهام) في البرامج التلفزيونية السياسية.
أُطلق عليه لقب "الباروكة" بسبب تصفيفة شعره (الأشعث) الدراماتيكية غير المهذّبة، وهو يدعى كذلك لأنه لا يقوم بتمشيطه.
تعرّض ميلي 52 عاماً، في سنّ الطفولة لسوء المعاملة، ولم يعرف سوى شقيقته وخمسة كلاب من نوع الدرواس الإنكليزي. مارس عندما كان شاباً، لعبة كرة القدم، كحارس مرمى لفريق من الدرجة الثانية قبل أن يدرس الاقتصاد في جامعة بلغرانو في بوينس آيرس. كما، قام بتدريس الاقتصاد، ثم كتب العديد من الكتب، بما في ذلك "طريق الليبرتاري"، وآخر جاء تحت عنوان "نهاية التضخّم".
أما الأكثر إثارة وغرابة في شخصيته، فهو عدم إنكاره التواصل الروحي مع كلبه الميت ليطلب منه نصيحة سياسية.
دخل ميلي السياسة في عام 2021، بأجندة "مناهضة للطبقة الحاكمة"، وكان منذ ذلك الحين نائباً في مجلس النواب بالكونغرس الأرجنتيني. يعرّف عن نفسه بأنّه اقتصادي ليبرتاري (فلسفة سياسية واقتصادية تؤمن بأن الحرية الفردية هي أهم قيمة، وتسعى إلى تقليل تدخّل الحكومة في حياة الأفراد والمجتمع إلى أدنى حد ممكن)، والأسوأ، أنه لا يخجل من إضفاء الشرعية على بيع وشراء الأعضاء البشرية.
ما هي أبرز بنود البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي لميلي؟
في الحقيقة، تعهّد ميلي من خلال حزبه السياسي Freedom Advances، "بإعادة" الحرية للأرجنتينيين حتى يتمكّنوا من أن يكونوا "مهندسي مصيرهم".
أكثر من ذلك، أعلن ميلي التزامه بالتخلّي عن مؤسسات الحكم بأكملها، وطرح العديد من المقترحات الجذرية، بما في ذلك استبعاد البنك المركزي في البلاد، ودولرة الاقتصاد، وخفض الإنفاق العام، فضلاً عن تعّهده بالتعامل مع كشوف المرتبات العامة في البلاد من خلال إغلاق أو خصخصة الهيئات الحكومية، وقال إنه سيقفل الوزارات (من التعليم إلى الشؤون الاجتماعية، وصولاً إلى البيئة) ويطرد الموظفين العموميّين المعيّنين في عام 2023.
ما تجدر معرفته هنا، أنّ الليبرتارية لميلي ليست متسقة أيديولوجياً: فهو يؤيّد الخصخصة الهائلة للاقتصاد، وتخفيف اللوائح المتعلقة بملكية السلاح، مع تعّهده بالسعي للقضاء على الجريمة.
ليس هذا فحسب، وصف ملي تغيّر المناخ بأنه "كذبة اشتراكية"، حيث تعاني الأرجنتين من جفاف حاد استمر ثلاث سنوات، يقول الخبراء إنه ربما تفاقم بسبب ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغيّر المناخ.
الأهم من كلّ ذلك، هو قول ميلي إن بيع وشراء الأعضاء يجب أن يعامل على أنه "مجرّد سوق آخر". كما اتخذ موقفاً قوياً ضد الإجهاض، الذي أصبح قانونياً في الأرجنتين في عام 2020، وقال إنه يعتقد أن التربية الجنسية جزء من "أجندة ما بعد الماركسية" التي تهدف إلى تدمير مفهوم الأسرة. وكشف أنه إذا انتخب، فإنه سيجعل أخته تشغل دور السيدة الأولى.
ما علاقة ميلي بكل من ترامب وبولسونارو؟
في الواقع، هناك روابط علنية بين ميلي والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. ففي إيماءة مباشرة للقوميين اليمينيين في الشمال (أي أميركا)، كان بعض أنصار ميلي، يرتدي قبعات كتب عليها "اجعل الأرجنتين عظيمة مرة أخرى" إسوة بشعار ترامب في الانتخابات "اجعل أميركا عظيمة مجدّداً".
في المقابل رفع آخرون من أنصاره علم غادسدن الأصفر، أي راية أفعى جرسية تحمل شعار "لا تدُسْ عليّ" الذي يحظى بشعبية بين اليمين المتطرف في الولايات المتحدة.
زد على ذلك أن ميلي نفسه معجب بترامب، حيث وضع مشروعه صراحةً ضمن الموجة الأوسع لليمين المتطرف العالمي، متحالفاً مع نظرائه الإقليميين في البرازيل وتشيلي، وكذلك مع حزب فوكس اليميني المتطرّف في إسبانيا.
ومع أنّ ترامب المثير للجدل، أيّد الرئيس البرازيلي السابق المهزوم جايير بولسونارو، غير أنّ الأخير أصدر مقطع فيديو يعبّر عن دعمه لميلي قبل الانتخابات التمهيدية. ما يلفت الانتباه، هو أن الرئيس البرازيلي السابق قد يكون الآن خاسراً سياسياً في الداخل، لكن مرشحه المختار في الأرجنتين آخذ في الصعود. ولهذا كتب ريكاردو روا، محرّر" كلارين"، إحدى الصحف اليومية الأرجنتينية: "لم يدرك أحد ما كان يحدث في المجتمع... مرّ فيل أمامنا ولم نره".
ومثل ترامب وبولسونارو، يدافع ميلي عن "شكل جديد من الشعبوية يتحوّل إلى عناصر رئيسية للفاشية"، مشيراً إلى ما يسمّيه "الركائز الأربع للفاشية" الموجودة جميعها في السياسة المعاصرة للشعبويّين اليمينيين المتطرفين في الأميركيتين.
ويشمل ذلك شيطنة المعارضين السياسيين المتواصلة، فضلاً عن كره الأجانب الثقافي، والخطاب العنيف الروتيني، والمبالغة والدعاية الخالية من الحقائق التي تترجم مع ذلك إلى عقيدة سياسية منيعة على أي تصحيح، إضافة إلى الميل "لرغبات ديكتاتورية" و "التقليل من شأن المؤسسات الديمقراطية". وكل ذلك بمساعدة نائب ميلي في الترشّح، وهو محامٍ دافع عن الدكتاتورية العسكرية سيئة السمعة في البلاد.
في المحصّلة، إنّ مقترحات ميلي هي غرائب من التفكير السحري الوهمي في مواجهة مشاكل العالم الحقيقي المستعصية. ومع ذلك هناك شريحة كبيرة من الناخبين في الأرجنتين تنجذب إلى حملته الانتخابية، لذا لا يمكن لأحد القول اليوم إن ميلي ليس بإمكانه الوصول إلى الرئاسة