العلاقات المتأزمة بين إيران وأذربيجان: هل يفجرها حادث السفارة؟
هجوم مشبوه قد يفتح الباب أمام أزمة جديدة في منطقة القوقاز؛في ظل البركان الإقليمي الذي يثور من جديد بعد عقود من الخمول. أعلنت وسائل إعلام إيرانية، صباح أمس الجمعة، عن هجومٍ مسلح ضد السفارة الأذربيجانية في العاصمة طهران، ما أدى إلى مقتل رئيس فريق الأمن، وإصابة اثنين من طاقم السفارة.
ووفق الصور والتقارير التي نشرتها الشرطة الإيرانية، تمكن المهاجم وهو يحمل سلاح كلاشنكوف، من الدخول إلى مبنى السفارة بالتزامن مع دخول أحد الموظفين. وبعد بضع دقائق من الهجوم، وصلت قوى الشرطة إلى السفارة، وبدأت التحقيقات بعد إلقاء القبض على المنفذ. واتضح خلال التحقيقات الأولية أن المهاجم استهدف طاقم السفارة لدوافع شخصية، إذ يعتقد بأن السفارة الأذربيجانية ساهمت في نقل زوجته إلى العاصمة باكو قبل 9 أشهر، وذلك من دون إذنه.
في المقابل، وفيما تحقيقات الشرطة في الحادث لم تنته بعد، بادرت الجهات السياسية والإعلامية في أذربيجان إلى التهجم على إيران، متهمةً إياها بعدم توفير أمن السفارة، وتجاهل التهديدات المتزايدة ضدها، في ظل توتر العلاقات بين البلدين. وفي السياق، استدعت الخارجية الأذربيجانية السفير الإيراني في باكو، نافيةً التقارير القائلة بوجود أسباب شخصية وراء الحادث.
بدوره، وصف الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف الحادث بـ "الهجوم الإرهابي"، في الوقت الذي أعلن فيه رئيس العلاقات العامة لمكتبه عن استعداد باكو لوقف عمل سفارتها في طهران.
ولم تقف الردود الأذربيجانية المستعجلة عند هذا الحد، بل ذهب عددٌ من وسائل الإعلام المقربة من حكومة علييف إلى أبعد من ذلك، بالادعاء أن القوات العسكرية الإيرانية تقف خلف الهجوم.
وجاءت الإدانات المبكرة والشديدة اللهجة من قبل الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي لتعطي المشهد طابعاً إقليمياً، في ظل مخاوف من أن يتحوّل الحادث إلى حلقةٍ جديدة من سلسلة التوترات التي حصلت بين البلدين، عقب حرب كاراباخ ومحاولات أذربيجان المتواصلة لإحداث تغييرات جيوسياسة في جنوب القوقاز.
فما أهم محاور التوتر بين البلدين، ولماذا تحذر بعض الجهات من احتمالية اندلاع المواجهة العسكرية بينهما؟
تغيير الخرائط في القوقاز خط إيران الأحمر
"نحن حساسون جداً تجاه القوقاز، ولا نسمح بتغيير الحدود". بهذه الكلمات عبَّر مستشار المرشد الإيراني في الشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي عن مخاوف بلاده تجاه التطورات، التي بدأت منذ اندلاع الحرب بين أذربيجان وأرمينيا في ناغورنو كاراباخ. ويدور الحديث هنا عن رقعة حدودية شمال غرب البلاد تتصل من خلالها إيران بأرمينيا، ومن هناك إلى أوروبا.
وبالرغم من إعلان إيران دعمها السياسي لاستعادة أذربيجان مناطقها المحتلة عام 2020، لكنها رفضت رفضاً قاطعاً أي محاولةٍ لإغلاق الطريق بينها وإقليم نخجوان.
وتعد طهران ذلك عاملاً لمصلحة القوى الأجنبية، إذ يوفر الأرضية لزيادة تدخلاتهم في شؤون دول جنوب القوقاز بذريعة الأزمات العسكرية والأمنية التي لا تتمكن دول المنطقة نفسها من احتوائها.
وتصاعدت التوترات بين البلدين بعد ما فرضت حكومة باكو تعريفات مشدّدة على الشاحنات التي تنقل الوقود الإيراني إلى مدينة "ستيباناكيرت"، عاصمة جمهورية ناغورنو كاراباخ، والمدعومة من جانب أرمينيا.
وعدّت السلطات الإيرانية ذلك تصرفاً استفزازياً من قبل باكو ما دفع بها إلى إجراء أكبر مناورات عسكرية على حدود أذربيجان في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2021. وبالرغم من أن المناورات الإيرانية أدت إلى تراجع أذربيجان عن إجراءاتها حتى الآن، لكن ذلك لا يبدو تغييراً استراتيجياً في رؤية باكو تجاه الملف، لا سيما في ظل تعاونها المتصاعد مع تركيا و"إسرائيل".
أطماع تركيا التوسعية
أثبتت التطورات السياسية والعسكرية في المنطقة، خلال العقد الماضي، أنَّ تركيا، وبعدما تعافت من أزماتها الداخلية، باتت تتبنى سياسات توسعية؛ لإحياء نفوذ الإمبراطورية العثمانية، على حساب سيادة الدول الضعيفة في المنطقة.
وعلى الرغم من اهتمام وسائل الإعلام الرئيسية بالسياسات التركية تجاه الشرق الأوسط والدول العربية، لكنِّها تنتهج الإستراتيجية نفسها تجاه دول القوقاز وآسيا الوسطى، التي يصفها المتشدِّدون الأتراك بـ "الحزام التركي" جنوب بحر قزوين.
ووفق دراسة لمركز البحوث الإستراتيجية والإقليمية في إيران، فإنَّ تركيا تهدف إلى تجاوز الحدود، وتحقيق حلمها التاريخي بالوصول إلى مياه بحر قزوين، عبر إنشاء شبكة من التحالفات العسكرية، لا سيما مع حكومة علييف في باكو.
ولا تقف هذه الرؤية عند الحدود العسكرية والسياسية، بل تشمل أيضاً مشروعاً اقتصادياً يمثله "ممر زنغزور" الذي تلتف تركيا من خلاله على إيران لتربط الصين بأوروبا مباشرة. وفي هذا السياق، تُعد حكومة باكو الأداة الرئيسية لتنفيذ مشاريع تركيا مهما كلفها ذلك من ثمن.
شبح "إسرائيل" على الحدود
التعاون المتزايد بين حكومة أذربيجان و"إسرائيل"، خلال السنوات الأخيرة، انعكس سلباً على الأمن الإيراني، إذ ارتبطت أسماء الجهتين بأكثر من ملف أمني في إيران، بدءاً من اغتيال العلماء النوويين وصولاً إلى نشر الأسلحة الإسرائيلية منها المسيّرات بالقرب من الحدود الإيرانية.
وتتطور العلاقات القائمة بينهما على معادلة النفط مقابل السلاح وفق مبدأ بن غوريون الذي ينص على ضرورة إنشاء علاقات وثيقة بين الكيان المحتل مع النظام القائم في أذربيجان. و في إشارة إلى إمكانية اتخاذ طهران خطوات عسكرية، حذِّر وزير الخارجية الإيراني، حسين أميرعبد اللهيان في وقت سابق أنَّ بلاده لن تقبل أي وجود للإرهاب الصهيوني قرب حدودها، وسوف تتعامل معه بالطريقة نفسها التي تعاملت بها مع الوجود الصهيوني في إقليم كردستان.
جميع الدلائل تشير إلى أنَّ حادث السفارة الأذربيجانية حصل على خلفية أسباب شخصية تتعلق بحياة رجل انقطعت آماله في عودة زوجته من بلدٍ آخر، لكنَّه ربما دخل بذلك إلى لعبةٍ أكبر من أسرته، خصوصاً بالنظر إلى إصرار حكومة باكو على تحويل الملف إلى محطةٍ للتصعيد في وجه إيران كدرعٍ بالوكالة عن الآخرين.