واشنطن لم تنفِ إرسال يورانيوم منضب إلى كييف.. هل تبقى أوكرانيا قابلة للسكن؟
نشرت صحيفة "ذا انترسبت" الأميركية تقريراً بعنوان "البيت الأبيض يرفض تأكيد ما إذا كانت أوكرانيا ستتلقى ذخيرة اليورانيوم المنضب القاتلة"، يناقش ما إذا كانت فرص إرسال هذه الذخيرة القاتلة للدبابات إلى كييف كبيرة، أم أنه سيتمّ استبدالها بذخيرة تقليدية ستضعف كثيراً من فعالية هذه المركبات ضد الدبابات الروسية.
وفي إحاطة إعلامية في البيت الأبيض في 25 كانون الثاني/يناير، سأل مراسل عما إذا كانت مركبات "برادلي" القتالية، التي يتمّ إرسالها الآن إلى أوكرانيا، ستصل مسلّحة بقذائف اليورانيوم المنضب الخارقة للدروع، مشيراً أمام المتحدث إلى أنّ "إطلاق هذه الطلقات المشعة هو جزء مما يجعلها قاتلة الدبابات، كما يحب أن يطلق عليها مسؤولو البنتاغون".
مسؤول الإدارة رفض الردّ على السؤال، قائلاً إنه "لن يخوض في هذه التفاصيل الفنية".
لكن التفاصيل الفنية لهذه الأسلحة يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة على الأوكرانيين، إذ يعتبر اليورانيوم المستنفد منتجاً ثانوياً شائعاً، ينتج عن تصنيع الوقود النووي والأسلحة النووية، وبسبب كثافته الشديدة، فإنّ الذخيرة المصنوعة منه تمتلك قدرة هائلة لاختراق الدروع السميكة للدبابة، وإشعال كلّ محتوياتها.
وبحسب الموقع، هذه الطلقات المضادة للدبابات لها آثار جانبية كبيرة، فهي شديدة السِمّية، وقد ارتبط استعمالها بمجموعة متنوعة من العيوب الخلقية والسرطانات وأمراض أخرى. وكان أكثرها في العراق، حيث أبلغ الأطباء عن ارتفاع في العيوب الخلقية والسرطانات منذ حرب الخليج، عندما أطلقت الولايات المتحدة ما يقرب من مليون طلقة من اليورانيوم المنضب خلال الحرب.
"وإذا ما أرسل البنتاغون طلقات اليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا، فمن المؤكد أن قراره سيكون لديه مؤيدون كثر، إذ ستكون الذخيرة فعالة للغاية في تدمير المركبات المدرعة الروسية" وفق الموقع، لكن البيت الأبيض يواجه ضغوطاً متزايدة لمشاركة الأسلحة الخطيرة مع أوكرانيا.
وبطبيعة الحال، ستصبح المناقشات الصريحة حول العواقب الجانبية لعمليات نقل هذه الأسلحة، ولكن من المحتمل أن يظلّ بعض العلماء، الذين أمضوا حياتهم المهنية في فحص هذه الأسلحة، معارضين لهذه الخطوة الأميركية.
روسيا لديها يورانيوم منضّب
بدوره، يؤكد كيث بافرستوك، عالم الأحياء الإشعاعية في جامعة شرق فنلندا، والباحث السابق في منظمة الصحة العالمية في أسلحة اليورانيوم المستنفد وتأثيراتها، أنه "في حالة استخدام اليورانيوم في الذخائر لاختراق أهداف محصنة، تتفكك الذخيرة وتشتعل النيران وتحترق، وتنتج جزيئات أكسيد قابلة للذوبان جزئياً، وقد يتمّ استنشاقه، كما قد تظلّ جزيئات اليورانيوم مطمورة في الأرض لفترات طويلة، ما سيمثل خطراً بيئياً محتملاً حتى بعد سنوات.
كذلك، قال دوج وير، مدير البحوث والسياسات في مرصد الصراع والبيئة، إنّ "هذا الأمر كان مصدر قلق منذ بداية الحرب، لا سيما بالنظر إلى أن روسيا تدّعي أنّ لديها ترسانتها الخاصة من اليورانيوم المستنفد".
ولفت إلى أنه "إذا قدّمت الولايات المتحدة ذخيرة من اليورانيوم لأوكرانيا لاستعمالها ضدّ روسيا، ستزداد احتمالات استخدام موسكو لترسانتها أيضاً من اليورانيوم المنضب".
وحذّر وير: "بشكل عام، فإنّ أكثر حوادث التلوث خطورة ستحدث عندما تتعرض آلية محملة بحمولة كاملة من اليورانيوم المنضب إلى قصف، وقد تكون دبابة أو عربة إمداد، ما سيعني حوادث تلوث خطيرة عند تدميرها أو احتراقها".
هل يريد الغرب أن تكون أوكرانيا قابلة للسكن مجدداً؟
نيكولاي دينيسوف، عالم البيئة الذي راقب عن كثب الآثار الصحية لحرب أوكرانيا، أشار إلى أنّ الخطورة تكمن في التلوّث المعدني أيضاً وليس فقط الإشعاعي، إذ أنّ "التلوث بالمعادن الثقيلة أمر خطير وطويل الأمد، وبالتالي فإن الشفافية في هذه الأمور مهمة بالفعل".
ويكمن السؤال الجوهري، بحسب هؤلاء الخبراء، في أنه "هل يرغب الأوكرانيون والحلفاء في أن تكون أرضهم قابلة للسكن والحياة بشكل طبيعي مرة أخرى؟"، إذ إنّ العواقب على المدى القريب يمكن أن تكون مغرية على صعيد القدرة العالية على اختراق المدرعات الروسية والدبابات الحديثة والمجهزة بتدريع متطور، لكنّ العواقب بعيدة المدى خطيرة على الحياة البشرية.
ورداً على سؤال بشأن رفض البيت الأبيض مناقشة مسألة وصول اليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا، أجاب العالم الفنلندي بافرستوك ببساطة أنه يأمل "بالتأكيد ألا تكون هناك نية لاستخدامه".
وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد أعلنت، في 20 كانون الثاني/يناير الجاري، أنّ حزمة المساعدات الجديدة لأوكرانيا، والتي يقدَّر حجمها بنحو 2.5 مليار دولار، ستشمل 59 مركبة قتالية من طراز "برادلي"، بالإضافة إلى صواريخ من طراز "تاو" مضادة للدبابات، في إشارة واضحة إلى تخوّف واشنطن من هجوم روسي تقوده الدبابات والمدرعات.