كيف تعيد دول الجنوب تشكيل النظام العالمي؟
بعد أيام قليلة فقط على بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ألقى رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، في خطاب أمام برلمان بلاده، اللوم على "الناتو" والقوى الغربية في بدء الحرب الروسية في أوكرانيا.
وقال رامافوزا، رداً على أسئلة وُجِّهت إليه في البرلمان، إنّ "الناتو" كان يمكن له تجنب الحرب، إذا ما استجاب فقط لتحذيرات متكررة أطلقها قادته ومسؤولوه، من أن توسعاً إلى الشرق سيؤدي إلى فقدان الاستقرار في المنطقة.
وذهب رامافوزا إلى موقف أكثر تقدماً، عندما رفض رفضاً قاطعاً قبول قرارات القادة الغربيين بشأن انتقاد روسيا. وأضاف أنّ النهج، الذي ستتخذه بلاده بدلاً من العداء مع روسيا، هو الإصرار على ضرورة إجراء حوار.
جنوب أفريقيا.. نحو تحدٍّ واضح للهيمنة الأميركية
انتقدت جنوب أفريقيا الولايات المتحدة، مراراً وتكراراً، بسبب سلوكها الاستبدادي والأبوي تجاه الدول الأفريقية، فضلاً عن محاولتها فرض أجندتها السياسية على العالم بأسره.
وعندما أعلنت جنوب أفريقيا، في وقت سابق من هذا الأسبوع، أنها ستُجري مناورات عسكرية بحرية مع روسيا، لم تضيّع إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، أي وقت في إدانة القرار. وقالت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، حينها، إنَّ الولايات المتحدة لديها مخاوف بشأن أي دولة تتعاون مع روسيا.
كانت بريتوريا جادّة، عندما لم تأخذ هذا التصريح الأميركي بدبلوماسية، بحيث قالت وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا، ناليدي باندور، في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية، إنه "لا يعجبنا بالتأكيد أن تُمْلي واشنطن علينا أن نختار هذا أو غير ذلك، ولا نتوقع أن توافق أي دولة أفريقية على مثل هذا التعامل".
وأوضحت باندور أن الانتقادات الموجَّهة إلى بلدها، تكشف ازدواجية المعايير، التي تمارسها الإدارة الأميركية والقوى الغربية.
وأضافت الوزيرة أنّ بلادها أكدت للولايات المتحدة الأميركية "ضرورة التراجع عن سياسة العقوبات أحادية الجانب المفروضة"، مشيرةً إلى أنها "تؤثّر في الدول، التي لا تدخل في الصراعات".
وأضافت باندور أن "جنوب أفريقيا ترى ضرورة تطوير نظام تبادل مالي أكثر عدلاً، وهذا ما نناقشه الآن مع وزراء دول البريكس. فالأنظمة المعمول بها حالياً تمنح امتيازات للدول الغنية جداً، وتشكّل تحدياً كبيراً لدول، مثل جنوب أفريقيا، التي تكون مضطرة إلى الدفع بالدولار، وهو ما يضع أعباء على عملتنا المحلية".
اقرأ أيضاً: "ذا هيل": أفريقيا لا تعتبر واشنطن شريكاً موثوقاً به
مزيدٌ من سياسات الهيمنة، يعني مزيداً من التحدي
تسبب التناقض الحاد بين دول الجنوب والسياسات الغربية بتوتر متزايد في السياسة العالمية. وعلى مدى عقود، تعاملت الولايات المتحدة مع دول الجنوب، انطلاقاً من أنها جهات فاعلة ثانوية، يجب أن تختار الوقوف إلى جانب طرف في عالم منقسم، ويجب أن يكون هذا الجانب هو الغرب. لكن عدداً من الخبراء يجادل في أن هذا النهج بدأ يأتي بنتائج عكسية.
وقال مدير الدراسات في معهد "كوينسي" الأميركي، سارانج شيدور، إنَّ الاستراتيجية الأميركية الحالية تدفع دول الجنوب، عن غير قصد، نحو الصين وروسيا، و"هذا خطأ غير مقصود، لا تستطيع واشنطن تحمل أعبائه".
وأجرى مدير معهد كوينسي حديثاً إلى الصحافية أودي دارنال، من أجل شرح "الخطأ" الذي حدث في علاقات الولايات المتحدة بالجنوب العالمي. وهي التي أطلقت مشروعاً عنوانه "الجنوب العالمي في النظام العالمي"، والذي تأمل، من خلاله، أن يكون بمثابة جسر بين واشنطن والمفكرين من خارج شمالي الكرة الأرضية.
وقالت دارنال إنَّ السياسة الخارجية للولايات المتحدة ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بفكرة الهيمنة الأميركية. كما باتت عدة دول ترى أن النموذج الأميركي هو النموذج الذي يجب أن يتم اعتماده. ووفق هذا المعنى، "تمّ التعامل مع نظرائنا حول العالم انطلاقاً من تفوق قيمي، فاستخدمت واشنطن دولاً من جنوبي الكرة الأرضية كبيادق لتحقيق مصالحها، بدلاً من معاملتهم كشركاء متساوين".
ووفق التقرير، لم تعد الدول الأفريقية تنحني بسهولة أمام ترهيب القوى الكبرى في العالم، بل باتت تتمرد على تفرّد وأنانية أميركيين - غربيَّين في العمل الدولي. وقالت دارنال إن الولايات المتحدة تحتاج إلى التوقف عن الاعتقاد أن الدول النامية سوف تتبنّى وجهة نظرها بشأن الديمقراطية وطريقة إدارة الدولة كأمر مسلَّم به.
وأضافت: "لقد ولّى زمن القطبية الأحادية التي غلبت على النظام الدولي، والذي كان في إمكان الولايات المتحدة أن تحرّك فيه دُمىً وبيادق في الشؤون الخارجية للدول الأخرى، وتقيّد بذلك سيادتها، أو تلغيها".
أصبحت دول الجنوب اليوم أكثر تقدماً نحو وجهة نظر دولية خاصة، وأكثر ثقةً بالنفس، ولا يمكن للغرب أن يحبطها أو يصادر سيادتها. وعلى الولايات المتحدة أن تدرك، في هذه اللحظات الدولية الحاسمة، أنَّ "الغطرسة واللغة الاستعمارية الجديدة، اللتين تدينان الدول غير السائرة في فلك الغرب، مثل جنوب أفريقيا، لن تؤديا إلّا إلى مزيدٍ من دفع هذه الدول نحو التقرب إلى روسيا والصين".