"سوخوي 35" في طريقها إلى إيران: كيف ستُقلَب موازين القوى في الشرق الأوسط؟
كشف عضو لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني شهريار حيدري، الأحد، أنَّ الصفقة الإيرانية الروسية لشراء طائرات "سوخوي-35" الحربية حُسمت، وأن المقاتلات ستصل إلى إيران في شهر آذار/مارس المقبل.
وأكّد حيدري في تصريح لوكالة "تسنيم" أنَّ الطلبات الإيرانية لشراء الأسلحة الروسية لا تقتصر على المقاتلات، بل تشمل أيضاً أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ البعيدة المدى والمروحيات والمدفعية والدبابات، وأعلن أنَّ بلاده ستتسلم قريباً معظم تلك الأسلحة.
وفي وقت سابق، أعلن قائد القوات الجوية في الجيش الإيراني الجنرال حميد وحيدي أن طهران تعتزم شراء مقاتلات "سوخوي-35" الروسية من أجل تعزيز قدراتها الحربية.
ولم يخُض المسؤولون الإيرانيون في المزيد من التفاصيل بشأن هذه الصفقة التي تعد من أكبر الصفقات العسكرية لإيران منذ ما قبل حرب الثماني سنوات (التي أعلنها نظام صدام حسين ضد إيران)، لكن وفقاً للمعلومات الواردة في الإعلام الدولي والإقليمي، فإن الصفقة تشمل شراء 24 مقاتلة من طراز "سوخوي-35"، إلى جانب برنامج تدريبي شامل للطيارين الإيرانيين في روسيا.
ويزعم عدد من المصادر الغربية أن المقاتلات الروسية التي ستتسلمها إيران قريباً هي نفسها التي تراجعت مصر عن صفقة شرائها بعد التهديدات الأميركية بفرض العقوبات على القاهرة.
ونفذت الإدارة الأميركية السابقة تلك التهديدات ضد تركيا بعد شراء منظومة الدفاع الصاروخي "S-400" الروسية عام 2020.
ومنذ إعلان الأمم المتحدة رفع حظر السلاح عن إيران في تشرين الأول/أكتوبر 2020، توقّع كثر أن تتوجّه طهران لعقد صفقة عسكرية كبرى مع روسيا لسد ثغراتها الدفاعية، وخصوصاً في المجال الجوي.
لكن الحكومة السابقة لم تتمكن من إنجاز هذه الصفقة مع جارتها الشمالية، علماً أن الضغوط الأميركية تواصلت لمنع طهران من عقد الصفقات العسكرية حتى بعد انتهاء مدة حظر السلاح.
قلب الموازين العسكرية: أجواء إيران أكثر خطورة من أي وقت مضى
وتثير الأنباء المتعلقة بصفقة شراء المقاتلات الروسية قلق المؤسسات العسكرية والأمنية في الغرب، إذ إنها تتيح إمكانية تعزيز سيطرة إيران على مجالها الجوي وحمايته من أي هجوم محتمل.
يُذكر أنَّ سلاح الجو الإيراني يواجه عدداً من التحديات التي تتطلب التطوير والتحديث، إذ لم تتمكن طهران بعد انتصار الثورة الاسلامية من إبرام صفقات لشراء المقاتلات الحديثة والمتطورة باستثناء عدد قليل من مقاتلات "ميغ" الروسية خلال التسعينيات، بسبب الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة عليها بعدما خرجت إيران من دائرة حلفائها، وأصبحت تهديداً للوجود الأميركي في الشرق الأوسط.
ونتيجة لذلك، اعتمدت إيران في إستراتيجيتها الدفاعية في المجال الجوي على أنظمة الدفاع الصاروخية التي تصنعها بالاعتماد على القدرات الذاتية والمحلية، لكن في المرحلة الجديدة، وبعد أن تصبح أقوى المقاتلات الروسية جزءاً من السلاح الجو الإيراني، ستتغير بالتأكيد موازين القوى العسكرية في المنطقة، وستصبح الأجواء الإيرانية مكاناً أكثر خطورة من أي وقت مضى بالنسبة إلى المهاجمين بفضل المقاتلات الإستراتيجية التي تتسلمها طهران قريباً.
يأتي ذلك في وقت كشفت إيران في الآونة الأخيرة عن إجراءاتها لتطوير منظومة "باور 373" الصاروخية، التي جعلتها من بين أقوى الدول في العالم من حيث الدفاع الجوي، بحسب قائد قوة الدفاع الجوي في الجيش الإيراني العميد علي رضا صباحي فرد.
وهكذا، ستواجه أي قوة معتدية على الأجواء الإيرانية مجموعة حلقات من الدفاع الجوي المعزز في مختلف مناطق البلاد، إلى جانب أسطول من أحدث المقاتلات في العالم سيحمي أجواء إيران، ولا سيما في المواقع الحساسة.
وتكتسب صفقة شراء المقاتلات الروسية أهمية إضافية في ظل تركيز الإستراتيجية العسكرية عند الدول المعادية لإيران على سلاح الجو، وتحديداً المقاتلات من طرازات متنوعة، إذ لا تجد هذه الدول والكيانات حظوظاً مرتفعة لمواجهة إيران عبر مجالي البري والبحري، فتلجأ غالباً إلى تهديدها بالهجمات الجوية.
وقد تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني غانتس قبل أشهر عن خطةٍ لشن هجوم وقائي ضد المواقع النووية الإيرانية بالاعتماد على القوة الجوية للكيان المحتل.
تحالف عسكري واسع قد يغير وجه المنطقة
كذلك، عبّر عدد من المسؤولين الأميركيين عن قلق واشنطن العميق تجاه تطور العلاقات الأمنية والعسكرية بين طهران وموسكو وتحول ذلك إلى شراكة دفاعية كاملة.
وفي وقت سابق، وصف مدير وكالة الإستخبارت الأميركية، ويليام برنز، التقارير بشأن تزويد إيران روسيا بالطائرات المسيرة في الحرب الأوكرانية بأنها المرحلة الأولى من تحالف واسع النطاق بين الطرفين سينعكس سلباً على السلم والأمن الدوليين، بحسب تعبيره.
ولا يمكن تجاهل دور المسيّرات الإيرانية في تشجيع روسيا على عقد صفقات عسكرية أكثر أهمية مع إيران، قد تتحول لاحقاً، وخلال مراحل، إلى تحالف عسكري شامل، إذ تجد الدولتان المعرضتان للضغوط الاقتصادية والعسكرية من جانب الولايات المتحدة أن بإمكانهما أن تغطيا ثغرات بعضهما البعض عبر مجموعة من الصفقات والمعاهدات التي ستسد الطريق أمام الغطرسة الأميركية.
ويأتي الملف السوري شاهداً على قدرة البلدين على إدارة التحديات الإستراتيجية، باعتباره تجربة ناجحة في دحر الإرهاب والحفاظ على الأمن الإقليمي.
وإذا كانت روسيا مترددة في السابق بشأن التنسيق الأمني والعسكري الشامل مع إيران، إلا أنّها اليوم، وفي ظل الحصار الذي فرضته عليها أميركا وحلفاؤها، أكثر استعداداً للتعاون مع الدولة التي اختارت أن تبقى إلى جانبها بالدعم العسكري والأمني.
ولا شكّ في أن زيادة التعاون العسكري بين طهران ومسكو ستعني قلب الموازين لمصلحة خصوم واشنطن في الكثير من الملفات الإقليمية.