بسبب واشنطن.. هل يخرج سباق التسلح في شرقي آسيا عن السيطرة؟
نشر موقع شبكة "سي إن إن" الأميركية مقالاً، اليوم الأحد، يناقش فيه الكاتب براد ليندون سباق التسلح في منطقة شرقي آسيا، وطبيعة المواجهة التي تخوضها الولايات المتحدة مع حليفتيها اليابان وكوريا الجنوبية، في مقابل خصومها الكبار الصين وروسيا وكوريا الشمالية، محذّراً من انفلات الوضع بسبب سباق التسلح الخارج عن أي ضوابط وقيود.
وأشار الموقع إلى أنّ هذا السباق من التسلّح يعدّ "أكبر من أيّ شيء شهدته آسيا على الإطلاق"، لأنّ "ثلاث قوى نووية كبرى بالإضافة إلى بلد سريع التطور، وأكبر ثلاثة اقتصادات في العالم مع تحالفات عمرها عقود ، تتنافس جميعها من أجل التفوق في واحدة من المناطق البرية والبحرية الأكثر تنازعاً في العالم".
وأوضح مقال "سي إن إن" أنّه "في أحد الطرفين، توجد الولايات المتحدة وحليفتاها اليابان وكوريا الجنوبية، وفي زاوية أخرى تحضر الصين وشريكتاها روسيا وكوريا الشمالية"، مشيراً إلى أنه "مع رغبة كل منهما في أن تكون متقدمة بخطوة عن أخرى، يقع الجميع في دائرة مفرغة تخرج عن نطاق السيطرة، فالردع من جهة يعني تصعيداً من الجهة المقابلة".
وتوقع أنكيت باندا، خبير السياسة النووية في "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي"، أن "نستمرّ في رؤية هذه الديناميكيات تتصاعد في شرقي آسيا، حيث لا توجد لدينا تدابير ضبط النفس، وليس لدينا سيطرة على التسلح".
الصين وكوريا الشمالية: اليابان تتحمل مسؤولية تأجيج التوتر
وأشار الخبير إلى الزيارة التي قام بها القادة اليابانيون لواشنطن خلال الأسبوع الماضي، مؤكداً أنها تسلّط الضوء على هذه النقطة، لا سيما عقب اجتماع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، الجمعة مع الرئيس الأميركي جو بايدن.
وقال كيشيدا إنه "من الضروري للغاية بالنسبة إلى اليابان والولايات المتحدة وأوروبا أن نقف متحدين بشأن الصين".
ووفقاً لكوريا الشمالية والصين، فإنّ اليابان هي المعتدية، إذ تعهدت طوكيو مؤخراً بمضاعفة إنفاقها الدفاعي، مع الحصول على أسلحة قادرة على ضرب أهداف داخل الأراضي الصينية والكورية الشمالية.
وتخطط اليابان، في صلب إستراتيجيتها للأمن القومي الجديدة، لمضاعفة ميزانيتها الدفاعية السنوية التي تبلغ حالياً نحو 1% من إجمالي ناتجها المحلي، لتصبح 2% بحلول 2027، متبنيةً بذلك التزاماً مماثلاً قطعته الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي.
وتشير السياسة الدفاعية اليابانية، التي جاءت في ثلاث وثائق، بوضوح إلى الصين وكوريا الشمالية وروسيا، وهي تعتمد لهجة أكثر صرامة مما كانت عليه عند نشر إستراتيجية الأمن القومي لليابان للمرة الأولى في 2013.
كما تمّ، بحسب الموقع، الإعلان قبل أيام فقط عن خطط جديدة لنشر قوات مشاة البحرية الأميركية في الجزر الجنوبية لليابان، بما في ذلك صواريخ متحركة جديدة مضادة للسفن، تهدف إلى إحباط أيّ ضربة أولى من بكين.
فما تسميه الولايات المتحدة واليابان تحركات مرتبطة بالردع، تصفه بكين وكوريا الشمالية ودول أخرى بأنه تصعيد عسكري غربي.
وتؤكد الصين أنّ مخاوفها تستند إلى أسباب تاريخية، إذ تخشى عودة طوكيو إلى التوسع العسكري كما كان حقبة الحرب العالمية الثانية، عندما سيطرت القوات اليابانية على مساحات شاسعة من آسيا وتحملت الصين العبء الأكبر من التبعات مع نحو 14 مليون قتيل صيني و100 مليون لاجئ خلال 8 سنوات من الصراع مع اليابان، الذي استمرّ من عام 1937 إلى عام 1945".
كما تصرّ بكين على أنّ الخطط التي تشمل حصول اليابان على أسلحة "هجوم مضاد" بعيدة المدى مثل صواريخ توماهوك، التي يمكن أن تضرب قواعد داخل الصين، تظهر أنّ "طوكيو تهدّد السلام في شرق آسيا مرة أخرى".
اقرأ أيضاً: طوكيو تتبنى استراتيجية واشنطن: دفع ثمن استعداء بكين من أمنها واقتصادها
الصين تعزز حضورها
وفي المقابل، ترفض بكين بشدة المخاوف الأميركية واليابانية بشأن قوتها العسكرية المزدهرة، وتعمل على زيادة قواتها البحرية والجوية في مناطق بالقرب من اليابان، كما تطالب بجزر سينكاكو غير المأهولة، التي تسيطر عليها اليابان شرق الصين.
وفي أواخر الشهر الفائت، قالت اليابان إنّ "سفناً صينية رُصدت في المنطقة المتاخمة حول الجزر في 334 يوماً في عام 2022، وفي 22 إلى 25 كانون الأول/ديسمبر، أمضت السفن الحكومية الصينية ما يقرب من 73 ساعة متتالية في المياه الإقليمية اليابانية قبالة الجزر ، وهو أطول توغل من نوعه منذ عام 2012".
الشراكة الصينية - الروسية في المحيط الهادئ
كما تعمل الصين على تعزيز شراكتها مع روسيا، إذ أشار مقال "سي إن إن" إلى أنّ الحرب في أوكرانيا "حركت الأمور" بشكل أكبر، مذكراً بالطريقة التي أظهر بها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ علاقاتهما الوثيقة خلال أولمبياد بكين العام الفائت.
وتصرّ روسيا على إظهار قدراتها العسكرية في المحيط الهادئ، بما في ذلك المناورات المشتركة الشهر الفائت، عندما انضمت سفن موسكو الحربية إلى السفن والطائرات الصينية في مناورة بالذخيرة الحية لمدة أسبوع في بحر الصين الشرقي.
أزمة تايوان
ويذكر الموقع بأنّ الرئيس الصيني "شي استبعد استخدام القوة العسكرية لإخضاع الجزيرة لسيطرة بكين"، ولكنه زاد من أنشطة بلاده العسكرية حول الجزيرة بشكل خاص، منذ زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركية آنذاك نانسي بيلوسي في آب/أغسطس.
ففي الأيام التي أعقبت زيارة بيلوسي، أجرت الصين تدريبات عسكرية غير مسبوقة حول الجزيرة، حيث أطلقت صواريخ متعددة بالقرب من مياهها وأرسلت طائراتها الحربية لمضايقتها.
وبحسب "سي إن إن"، فخلال الأسبوع الماضي فقط، أرسلت الصين 28 طائرة حربية عبر الخط المتوسط لمضيق تايوان، بما في ذلك مقاتلات J-10 و J-11 و J-16 و Su-30 وقاذفات H-6 وثلاث طائرات بدون طيار وطائرة إنذار مبكر واستطلاع، وفي يوم عيد الميلاد، أرسل الجيش الصيني 47 طائرة عبر خط الوسط.
اقرأ أيضاً: بكين تتوعد واشنطن بإجراءات مضادة إذا باعت أسلحة لتايوان
بيونغ يانغ: واشنطن تريد تسليح سيؤول
ولكنّ تصميم الولايات المتحدة على تسليح تايوان يبقى قوياً، بحسب الموقع الأميركي، فقد واصلت واشنطن الموافقة على قائمة متزايدة من المبيعات العسكرية للجزيرة، بما يتماشى مع التزاماتها بموجب قانون العلاقات مع تايوان.
وعلى بعد ألف ميل شمالي تايوان، يبدو أنّ الحديث عن التعاون في شبه الجزيرة الكورية بات ضوءاً خافتاً وباهتاً.
إذ أقرّ الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون نيته تحقيق زيادة كبيرة في ترسانة الأسلحة النووية لبلاده لأهداف ردعية، بدءاً من عام 2023 ، بينما يقوم ببناء أسطول من قاذفات الصواريخ المتنقلة "الكبيرة جداً" التي يمكن أن تضرب أي نقطة في الجنوب برأس حربي نووي .
وأشار الكاتب إلى أنّ معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) قدّر عام 2022 أنّ لدى كيم "20 سلاحاً نووياً مُجمَّعاً، وما يكفي من المواد المشعة لتكوين 55 سلاحاً".
لكنّ كوريا الشمالية تؤكد أنّ سيؤول، التي تفتح بلادها أمام الحضور الأميركي المتزايد عسكرياً وأمنياً وسياسياً، هي التي تجلب التصعيد إلى المنطقة التي شهدت تاريخياً نزاعات كبرى.
إذ ذكرت خدمة "يونهاب" الإخبارية، نقلاً عن مسؤولين في بيونغ يانغ، أنّ "بناء قدرة عسكرية تسمح لنا بالردّ بـ 100 مرة أو 1000 مرة أكثر إذا تعرّضنا للهجوم، هو أهم وسيلة لمنع الهجمات".
كما أثارت "يونهاب" احتمال قيام كوريا الجنوبية ببناء ترسانتها النووية، مشيرةً إلى أنّ كوريا الشمالية يمكن أن "تنشر أسلحة نووية تكتيكية أو تمتلك أسلحة نووية خاصة بها".
الولايات المتحدة حاضرة بقوة خلف التوتّرات شرقي آسيا
وبحسب المقال في "سي إن إن"، أكّدت الولايات المتحدة أنّ دعمها لكوريا الجنوبية سيكون "حديدياً"، وأن جميع القدرات العسكرية الأميركية مطروحة على الطاولة لحمايتها.
وأضافت أنه "لن تتردد الولايات المتحدة في الوفاء بالتزام الردع الموسع تجاه كوريا الجنوبية، باستخدام مجموعة كاملة من القدرات الدفاعية الأميركية، والتي تمتدّ إلى الدفاع النووي والتقليدي وكذلك الصاروخي"، بحسب ما أوضح الأدميرال مايك جيلداي قائد العمليات البحرية في الجيش الأميركي، في منتدى افتراضي لمعهد الدراسات الأميركية الكورية الخميس.
وذكّر جيلداي بزيارة حاملة طائرات أميركية إلى ميناء بوسان الكوري الجنوبي العام الماضي، قائلاً إنه "مجرّد عرض لواحدة من أقوى السفن الحربية لواشنطن في الفناء الخلفي لكوريا الشمالية".
ويختم الكاتب مؤكداً أنه "مع تسارع سباق التسلح في آسيا، فإن الشيء الوحيد الذي أصبح واضحاً هو أنّ الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية ستكون في جبهة واحدة"، مشيراً إلى كلمة لجيلداي بأنه "لا ينبغي لنا أن نرتدع، ولا ينبغي لنا أن نفقد أعصابنا فيما يتعلق بما يتطلّبه الأمر لنا جميعاً لنكون متحدين".