كوخافي المضطرب في واقعٍ إسرائيلي مأزوم.. كيف تكشف تهديداته مكامن الضعف؟
في أسبوعه الأخير كرئيس أركان لـ"جيش" الاحتلال الإسرائيلي، عمل أفيف كوخافي على توديع منصبه بسلسلة لقاءاتٍ وتصريحاتٍ للوسائل الإعلام الإسرائيلية، طغى عليها الحديث عن إيران، وعن خطط "الجيش" المستقبلية المزعومة لضربها، والبرامج الموضوعة لتحقيق ذلك وفق قوله، لكونها هدفاً أساسياً ودائماً في رأس أهداف "جيش" الاحتلال.
كوخافي تحدّث كذلك، عن تجهيزات قوّات الاحتلال للحالة التي قد تتطلب الهجوم العسكري على إيران، مشيراً إلى إجراء مناورات بشأن ذلك، وإنشاء شعبة "إيران"، التي ستُكثّف من نشاطها ومهمّاتها، قائلاً إنّه "في اللحظة التي يقرر فيها المستوى السياسي تفعيل هجمةٍ ضد إيران، سيعرف الجيش تنفيذ المهمة جيداً".
تصريحات كوخافي هذه، وفي معرض قراءةٍ في خباياها ورسائلها، لا يمكن فصلها عن توقيت الإدلاء بها، وعن الظروف المُحيطة بالداخل الإسرائيلي، وكذلك لا يمكن فصلها عن واقع قدرات "جيش" الاحتلال الإسرائيلي، ليبقى السؤال: هل "إسرائيل" مستعدّة حقاً لشنّ هجوم ضد إيران؟
انقسامات سياسية عميقة
بدايةً، يؤكّد كوخافي أنّ هجوماً كهذا يحتاج إلى قرارٍ على المستوى السياسي، لكنّه يُدلي بتلك التصريحات، على الرغم من أنّه يعلم، أنّ "إسرائيل" تمرّ بأزمةٍ حادّة على المستوى السياسي، ومن انقساماتٍ، ازداد تصدّعها مع تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو.
بالعودة شهر إلى الوراء، كانت الخلافات تعصف بين كوخافي ورئيس الحكومة المكلّف، بنيامين نتنياهو، إذ وبّخ كوخافي نتنياهو بسبب نقل صلاحيات من وزارة الأمن والجيش إلى تيار الصهيونية الدينية، وتعيين زعيمي حزبي الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش وزيراً للأمن، والقوة اليهودية إيتمار بن غفير وزيراً للأمن الداخلي.
وفي أجدد تصريحاته، انتقد كوخافي تعيين وزيرين في وزارة الأمن بشدة، قائلاً إنّه "اذا أعطى وزيران أوامر، فلن ينجح الجيش في أداء مهامه".
وصرّح كذلك بأنّ "من المرجح أن تُسبب حكومة نتنياهو أضراراً بـالجيش، وستؤثّر سلباً في استعداده للحرب"، ليتلقّى كذلك ردوداً تهاجمه وتنتقد أداءه.
اقرأ أيضاً: اتصال ناري بين كوخافي ونتنياهو: توبيخٌ وصراخٌ بشأن صلاحيات المؤسسة العسكرية
انتقاد أداء كوخافي ليس أمراً جديداً من قبل المسؤولين الإسرائيليين والإعلام الإسرائيلي كذلك. قبل أيّام، نقل موقع "كيبا" الإسرائيلي عن مسؤول عسكري كبير انتقاده خطة كوخافي، لتحويل قوات الاحتلال إلى "جيش فتّاك وفعّال ومبتكر"، مشيراً إلى أنّ خطته ستؤدي إلى "إلحاق أضرار جسيمة بالقوات البرية وبعديد القوات وباحتياط الجيش".
وقال المسؤول العسكري: "نحن على حافة الحد الأدنى من عديد القوات، في مواجهة تهديدات أكثر تعقيداً من تلك التي واجهناها في السنوات الأخيرة"، معقباً بأنّ "إسرائيل قد تواجه معركة ثقيلة مستقبلاً مصحوبة بتحديات داخليّة قد تشعر كل مقاتل بنقصه".
وكان أقرّ كذلك، اللواء احتياط في "جيش" الاحتلال الإسرائيلي، إسحاق بريك، بفشل رؤساء الأركان الإسرائيليين على مدار سنوات طويلة في مواجهة إيران، قائلاً إنّه في وقتٍ عملت "إسرائيل" منذ عام 2008 لشن هجوم عسكري على البرنامج النووي الإيراني، وبالرغم من إنفاقها 11 مليار شيكل إسرائيلي كميزانية تهدف إلى تعزيز قدرات سلاح الجو الإسرائيلي للهجوم المباشر على إيران، فهي تقف عاجزةً عن الإقدام على مثل هذه الخطوة (ضرب إيران عسكرياً).
وعزا بريك ذلك إلى ارتفاع وتيرة الهواجس وكلفة الفاتورة الكبيرة التي قدّر خبراء إسرائيليون أنها باهظة، وبسبب ميزان الرعب الذي أصبحت إيران وأذرعها تشكله في المنطقة، وحال التخوف من اندلاع حرب إقليمية متعددة الساحات بعد نجاح إيران في بنائها نفوذاً ممتداً لها على مدى 20 عاماً، عدا عن آلاف الصواريخ التي ستسقط في قلب "تل أبيب"، وستخلف آلاف القتلى الإسرائيليين.
"الجيش" المأزوم في حقل ألغام السياسة الداخلية
إذاً، في الشقّ السياسي، فإنّ "إسرائيل" تعاني من أزمة داخلية، ومن انقسامات سياسية عميقة بين الحكومة و"الجيش"، ومن إقرارٍ بفشل المؤسسة الأمنية في الوقوف بوجه القدرات الإيرانية الأمنية المتنامية، الأمر الذي يؤثّر في "الجيش" المأزوم أصلاً، والذي تحوّل إلى "كيس ملاكمة بين السياسيين، وأصبح "يرزح في حقل ألغام السياسة الداخلية التي باتت تضغط على عنقه وتعيق تنفيذ مهامه"، وفقاً للإعلام الإسرائيلي.
وبمعزلٍ عن تأثّره بالانقسامات السياسية، فإنّ "جيش" الاحتلال يعاني من وضع كارثي يجتاحه، خصوصاً في الفترة الأخيرة، وفق الإعلام الإسرائيلي الذي أكّد أنّه ليس جاهزاً للحرب، متحدّثاً عن الأزمات التي يمرّ بها "الجيش"، من نقصٍ في التجنيد، وتراجع في العتيد، وفي ثقة الجنود بمسؤوليهم.
ويمكن التطرق هنا، إلى نتائج استطلاع للرأي، أجراه ائتلاف الحركات الشبابية في كيان الاحتلال، ونقلته "القناة الـ12" الإسرائيلية، التي أظهرت أنّ "ثلث الشبان الإسرائيليين لا يريدون أن يجري تجنيدهم"، وأكدت القناة أنّ "هذه المعطيات خطرة وتدمي القلوب".
ونقل الإعلام الإسرائيلي أيضاً عن مسؤول أمني قوله، في هذا السياق، إنّ "الجيش غير قادر على تنفيذ أي هجوم، فهو يعاني من نقصٍ في العديد، ومن عدم جهوزية مخازن الطوارئ"، غير أنّ "التدريبات أوقفت، والكتائب لا تتدرب على مدى سنوات، بحيث لا يوجد تدريب وتعليم على الأسلحة".
وذكّر أنّه "قبل سنة أجري استطلاع بشأن مدى المعارضة في "جيش" الاحتلال، وأظهر أنّ "جيش" الاحتياط "فقد الثقة بالقيادة العليا، وهو يقول إنه لا يتدرب ولا يتعرف على الأسلحة الجديدة"، معقباً بأنّ "كوخافي يسلم هرتسي هليفي جيشاً يعاني من مشاكل فظيعة، وإذا لم يتحرك هليفي ويعمل على حلّها، فإننا أمام فجوةٍ عميقة".
اقرأ أيضاً: "هآرتس": القيادة الأمنية فشلت في الاستعداد لحربٍ محتملة
"إسرائيل" ليست صاحبة قرارها
ناهيك بالحديث عن الداخل الإسرائيلي في الأمن والسياسة، فإنّ مسألة اتخاذ "قرارٍ" بشأن هجومٍ ضد إيران، يتجاوز "إسرائيل"، لما يمكن أن يؤدّي هذا القرار من حرب واسعة وشاملة في المنطقة.
"إسرائيل" ليست صاحبة قرارها في هذا الشأن، القرار تتخذه الولايات المتحدة. ولا يمكن لـ"إسرائيل" أن تتحرك في وجه إيران من دون ليس فقط غطاء أميركي، بل وأيضاً مشاركة أميركية، فواشنطن، تعتمد في الآونة الأخيرة سياسة الحذر أمنياً، خصوصاً في منطقة غرب آسيا، في ظل الحرب في أوكرانيا.
والدليل على ذلك، ما حصل في مسألة ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، إذ خضعت "إسرائيل" في النهاية، لتهديدات حزب الله الذي استغلّ اللحظة التاريخية التي يمرّ بها العالم، بسبب الحرب في أوكرانيا، والتداعيات الاقتصادية والأمنية والسياسية، وأجبر الولايات المتحدة على التسريع في حلّ هذه المسألة كوسيط في تلك المحادثات، ليتم توقيع اتفاق غير مباشر مع لبنان يضمن حقوقه البحرية والتنقيب عن النفط في تلك المنطقة.
إذاً، وفي المحصّلة، فإنّ كوخافي يرفع من مستوى تهديداته لإيران، وقد انتهت مهمّته كرئيس أركان لـ"الجيش"، وفي وقتٍ تطاله انتقاداتٍ حادة من المؤسسة العسكرية، وكذلك في وقتٍ يعلم هو، والجميع في الداخل الإسرائيلي، أنّ "إسرائيل" تعاني من انشقاقات وانقساماتٍ على المستوى السياسي، لا تخوّلها اتخاذ قرارات كهذه، وأنّ قراراً كهذا لا يمكن اتخاذه من دون الرجوع إلى الإدارة الأميركية.
وتبعاً لذلك، يمكن القول إنّ هذه التهديدات، تأتي في سياق "بروباغندا" إعلامية، يحاول كوخافي اعتمادها لتبييض سمعته، لدخوله الملعب السياسي في المستقبل، وأيضاً في سياق استعراضي، لا سيما أنّ هناك اتهامات متبادلة بين فريق نتنياهو وفريق كوخافي بشأن إضعاف "إسرائيل" في مواجهة إيران.
غير أنّ هذه التصريحات كذلك، تعبّر في طيّاتها عن قلقٍ "إسرائيلي" من تنامي القدرات العسكرية الإيرانية، في وقتٍ أفقد الانقسام السياسي الإسرائيلي والأزمات الكارثية والاستراتيجية التي يمرّ بها "الجيش"، قوة الردع الإسرائيلية في وجه إيران... وهنا، فإن التصريحات التي أطلقها كوخافي وإن كانت تحمل تهديداً، لكنها تكشف عمق الأزمة الإسرائيلية، على صعيد القرار والاستعداد، وحتى المناورة السياسية.