شتاء غزة.. تداعيات حصار الاحتلال الإسرائيلي على الزراعة والبنى التحتية
أصبح قدوم الشتاء محملاً بالأمطار مصدراً لإثارة قلق كبير لكثير من سكان قطاع غزة ولا سيما سكان المناطق الشرقية فيه والتي تتميز بكونها مناطق زراعية تشكل الفلاحة مصدر الدخل الرئيسي فيها لكثير من العائلات.
أصبح قدوم الشتاء هاجساً هناك -وهو الذي من المفترض أن يكون مدعاة للفرح وتأمل الخير والرزق المتوقع قدومه مع موجات الأمطار التي ينتظرها أي مزارع في هذا العالم لضمان محصول وفير في الموسم الزراعي-، فالوضع في قطاع غزة لطالما كان مغايراً عندما يرتبط توقع الأمطار بإجراءات الاحتلال الصهيوني الرامية إلى زيادة الضغط على القطاع وتكريس معاناة أهله وتنغيص معيشتهم.
تعرّض قطاع غزة المحاصَر مؤخراً لمنخفض جوي مصحوب بأمطار غزيرة على مدار أيام بمعدلات هطول عالية، هذه الأمطار سببت كوارث إنسانية بدلاً من أن تكون سبباً للخير وجلب الرزق لمئات المزارعين وأصحاب الأراضي الذين ينتظرون قدومها بفارغ الصبر.
هذه الحالة جاءت نتيجة استغلال الاحتلال مجيء المنخفض الجوي لينجح في زيادة إثقال كاهل سكان القطاع ومعاناتهم بتحويل مناطق واسعة من شرق قطاع غزة الواقعة على تماس مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 إلى مستنقعات مياه أغرقت معها مئات الدونمات الزراعية والبيوت والممتلكات.
لقد عمل الاحتلال على إغراق أراضي المواطنين وممتلكاتهم في مناطق شرق قطاع غزة على طول خط التماس مع أراضي الداخل المحتل وغمرها بمياه عبّارات وقنوات مياه الأمطار المتساقطة على أراضي الداخل المحتل باتجاه قطاع غزة ولا سيما مناطق "وادي السلقا" و "وادي المصَدَّر" و "المشاعلة" التابعة لبلدية دير البلح في وسط القطاع، والتي عانت من كارثة إنسانية كاملة الأوصاف ومأساة حقيقية بكل المقاييس.
عائلات بأكملها تفاجأت بسيول جارفة من المياه تقتلع بيوتها وتجرف كل ما في طريقها وتلقي به في الشوارع التي غدت مسارات لتجمع المياه، وقد أدت هذه السيول إلى وفاة المواطن الفلسطيني "عبد الله أبو اقطيفان" الذي تسبب غمر منزله نتيجة الأمطار وفتح سدود مياه الاحتلال إلى حدوث تماس كهربائي أدى إلى قتله، كما دمّرت سيول المياه عشرات البيوت البلاستيكية الزراعية والتي تمثل مشاريع صغيرة عائدة لبعض مواطني المنطقة وتمثل في حالات منها مصدر الدخل الوحيد.
لقد أطلق السكان في المناطق المتضررة نداءات استغاثة عديدة كما حذروا من تزايد المعاناة وتحولها إلى كارثة كاملة الأوصاف إنسانياً، ولا سيما أن هذا الإجراء الوحشي للاحتلال لا تتحمله بنية وتجهيزات قطاع غزة التحتية. ودعا الأهالي إلى وضع حد لممارسات الاحتلال الذي يتعمّد فتح الممرات المائية في كل عام وإلى محاسبته وتعويضهم عن خسائرهم الكبيرة.
سلطات الاحتلال بفعلها الوحشي هذا ارتكبت جريمة جديدة ليست الأولى من نوعها وضربت بها عرض الحائط من دون أي التفاتة إلى قانون دولي إنساني أو أي محاسبة أو حتى رأي عام عالمي، فخلّفت غرقاً كاملاً لعشرات المنازل ومئات الدونمات الزراعية في مناطق عديدة شرق القطاع المحاصر ووسطه بسبب حالة السيول الجارفة التي سببها الفتح الفجائي للعبَّارات المقامة خلف الشريط الحدودي، الأمر الذي كبّد العديد من المزارعين خسائر مادية فادحة وأضراراً مباشرة في أراضيهم ومحاصيلهم وممتلكاتهم.
كما كشفت الأمطار الغزيرة التي رافقت المنخفض الجوي الأخير الذي ضرب قطاع غزة عن حالة البنية التحتية المتضررة والمتهالكة من جرّاء الحصار الإسرائيلي المتزايد والمفروض منذ قرابة الخمسة عشر عاماً والذي يمثل المانع الرئيسي لإدخال الكثير من تجهيزات ومواد البناء.
فقد أدت كميات الأمطار التي هطلت في الأيام الماضية إلى غمر وإقفال عدة شوارع في مدن القطاع وقطع حالة سير المركبات والأشخاص، كما أغرقت عشرات المنازل خصوصاً في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في القطاع والتي تعاني أصلاً من تردي حالة المساكن والشوارع وتداعيها ومن حالة عدم وجود بنية تحتية حقيقية وشبكة تصريف مياه للتعامل مع وضع طارئ مشابه، فشُردت عدة عائلات من مساكنها لتزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية المتداعية أصلاً نتيجة عدة موجات تصعيد حربي صهيوني استهدف القطاع المحاصَر.
-
قطاع غزة منكوب بسبب المنخفضات الجوية