العنف في المجتمع الإسرائيلي: ظاهرة متجذرة وليست طارئة
ظاهرة العنف، التي تتفشى في الآونة الأخيرة داخل المجتمع الإسرائيلي، وتنعكس على حدوث سلسلة أحداث عنيفة، أكدتها معطيات متعددة نشرتها الصحف الإسرائيلية، بيّنت أنه يوجد خلال العام الحالي ارتفاعٌ بنسبة 42 % في عدد حوادث العنف، التي وقعت في مؤسساتٍ تربوية مقارنة بالعام الماضي، وأن المراجعات بشأن العنف الأسري ازدادت بنسبة 36 % بين العامين الحالي والسابق.
وتصدّى خبراء ومعلقون إسرائيليون لمواجهة ظاهرة العنف في المجتمع الإسرائيلي، وأعربوا عن قلقهم من تداعياتها، وحذّروا من غياب الحوكمة في كل أنحاء "إسرائيل"، ولفتوا إلى أن حوادث العنف ليست أحداثا موضعية، بل هي "ظاهرة واسعة".
وبشأن أسباب هذه الظاهرة، أشار خبراء ومعلقون إلى أن سلسلة الأحداث العنيفة التي اجتاحت "إسرائيل" لم تظهر من العدم، فالعنف في "إسرائيل" له "جذور تاريخية وثقافية عميقة"، وأضافوا أن التوثيق والتقارير والأفلام القصيرة، والتي تُشاهد في كل مكان من "إسرائيل" مؤخراً، هي ليست فقط لأن الجميع يقوم بالتصوير، بل بسبب وجود ارتفاع ملحوظ في أحداث العنف، في الطرقات والشوارع وداخل العائلة والمدارس. العنف أصبح ظاهرة تصيب "إسرائيل"، التي تعيش في ظلّه.
الأرقام تتكلّم: "عنف بلا حدود"
تزداد في "إسرائيل"، في الآونة الأخيرة، أحداث العنف التي تحدث داخل المجتمع، إلى درجة أن صحيفة "يديعوت أحرونوت" كتبت، في إحدى مقالاتها، أن العنف في إسرائيل بلا حدود. وتصديقا لهذه المقولة، قام، يوم الخميس الماضي، متظاهرون من "الحريديم" (المتشددين الدينيين اليهود)، بتخريب محالّ هواتف خلوية وإحراقها في مدينة القدس المحتلة، بالإضافة إلى تخريب محل للنظارات الطبية، "بسبب إعلان تظهر فيه صورة امرأة"، بحسب ما أفادت به "القناة الـ 12" الإسرائيلية. وقام المتظاهرون أيضاً بـ"دحرجة" حاوية نفايات في أثناء مشاركتهم في تظاهرة عنيفة في مدينة القدس المحتلة، الأمر الذي أدى إلى إصابة امرأة بجروح خطيرة، بحسب موقع "والاه".
وأضاف موقع "والاه" أن التظاهرة تضمنت إشعال حاويات قمامة، وإغلاق طرقات، ورشق رجال الشرطة وحرس الحدود، وإلحاق أضرار بسيارة تابعة للشرطة، على خلفية اعتقال أحد الشبان "الحريديم" بسبب إضرامه النار في متجر للهواتف المحمولة.
وفي دلالة واضحة على ازدياد حالات العنف في المجتمع الإسرائيلي خلال العام الحالي، بينت معطيات نشرتها صحيفة "معاريف"، اليوم الإثنين، أنه يوجد ارتفاعٌ كبير بلغ نسبة 42% في عدد أحداث العنف التي وقعت في مؤسساتٍ تربوية في عام 2022، مقارنة بعام 2021. وكان آخرها تعرض تلميذ لحادثة طعن، أمس الأحد، خلال مواجهة مع مجموعة من الشبان في إحدى المؤسسات التربوية، في مستوطنة "نتانيا".
وكانت معطيات إضافية، مصدرها شرطة الاحتلال الإسرائيلي، نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، كشفت أنه، منذ مطلع هذا العام، فُتح في "إسرائيل" 54,572 ملفاً تتعلق بالعنف الجسدي، و31,285 ملفاً بشأن العنف الأُسري، و7,871 ملفاً لها صلة بالعنف الجنسي. وأفادت المعطيات أيضاً أنه، منذ بداية العام الحالي، فتحت الشرطة 7,871 ملفَ تحقيق بتهمة اقتراف تحرّش وجرائم جنسية، في مقابل 6,922 ملفاً خلال العام الماضي. كما أن المراجعات بشأن العنف الأُسري ازدادت بنسبة 36 % خلال الأشهر العشرة الأولى من هذا العام، مقارنة بالفترة الموازية لها من العام الماضي. وأصبحت 5,712 مراجعة، بحسب وزارة الرفاه.
بالإضافة إلى ذلك، بيًنت المعطيات، التي نشرتها "يديعوت أحرونوت"، أنه، منذ مطلع العام الحالي، تم تسجيل 5,316 حادثة عنف في المستشفيات، وتم توجيه 4,835 تهمة إلى قاصرين بالعنف. كما لفتت "القناة الـ 12" إلى أن عدد حوادث العنف في الطرقات في "إسرائيل" بلغ في العام الحالي 2,894حادثاً، في مقابل 2,450 حادثاً خلال العام الماضي، بزيادة بلغت 18 %.
شرطة الاحتلال: لتطبيق عقوبات تُترجَم ردعاً
دفع ارتفاع عدد حوادث العنف في "إسرائيل" شرطة الاحتلال الإسرائيلي إلى التحذير من خطورتها، فقالت جهات في "لواء القدس" التابع لشرطة الاحتلال، وفقا لموقع "والاه"، إن "التخريب، وإيذاء المدنيين وضباط الشرطة، وقطع الطرقات، ليست احتجاجاً قانونياً".
وأشار رئيس وحدة الشكاوى في شعبة التحقيقات والاستخبارات في الشرطة، العميد دادو زمير، في حديث إلى "القناة الـ 12"، إلى أنه يوجد ارتفاع في قوة العنف، وانخفاض في أعمار المتورطين، لافتا إلى أن قاصرين يتورطون في العنف، وسط سهولة في استخدام السلاح.
وأفاد المفوض العام للشرطة، يعقوب شبتاي، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، بأنه سيتم إنشاء هيئة متخصصة بمعالجة حالات العنف في الطرقات، لافتا إلى أن "شرطة إسرائيل تعمل، بحزم تام، على معالجة العنف في كل أنواعه". وأضاف شبتاي أن شرطة الاحتلال تطالب بعقوبات شديدة "تُترجَم ردعاً".
جذور تاريخية وثقافية عميقة
تصدّى خبراء ومعلقون إسرائيليون للحديث عن مواجهة ظاهرة العنف في المجتمع الإسرائيلي، والتحذير من تداعياتها. وفي هذا السياق، قال المحامي إلداد يانيف لـ"القناة الـ 13"، إن العنف بدأ في جنوبي "إسرائيل"، وانزلق إلى وسطها، قبل أن يصل إلى الشمال. وأصبح منتشراً في كل مكانٍ في "إسرائيل". وأضاف يانيف أنه يوجد غياب للحوكمة في كل أنحاء "إسرائيل"، داعيا إلى إعادة بناء الشرطة من جديد، فهي "ليست موجودة ولا تعمل".
ولفتت مراسلة "القناة الـ 12"، أدفا دادون، إلى أن "إسرائيل" تعيش موجة من العنف، فتقرير يتبعه تقرير، وهجوم يليه هجوم. ومع ذلك، فإن "الدولة لم تحدد هذه الحرب على أنها هدف قومي، والردع غير كاف والعقوبة خفيفة".
وأعرب اللواء احتياط، أفيغدور كهلاني، لقناة TOV عير الإنترنت، عن تشاؤمه لجهة فقدان الحوكمة في "إسرائيل"، محذّراً من أن عدم إحلال النظام داخل "إسرائيل" سيؤدي، بعد خمسة أعوام، إلى أن يسير الناس في شوارع "تل أبيب" مع مسدسات، محذراً من أن الأمر يتعلق بوجود "شعب إسرائيل".
وبينما وصف رئيس بلدية بيت يام، تسبيكا بروت، العنف في المجتمع الإسرائيلي، بأنه "إرهاب بكل معنى الكلمة"، بحسب موقع "واينت"، قال رئيس مجلس الطلبة والشبيبة القُطري، ران شاي، لصحيفة "معاريف"، إن "حوادث العنف" لدى الشبان ليست أحداثاً موضعية، بل "ظاهرة واسعة".
وفي سياق مواز، قالت المحللة السياسية دانييل روت أفنيري لـ"القناة الـ 13"، إن الناس يتصرفون وفق ما تربّوا أو لم يتربوا عليه، مشيرة إلى أن مواجهة العنف تكون عبر الردع. ودعت أفنيري إلى بناء مزيد من السجون، ليوجد فيها من يستحقها، عوضاً من أن يتجول في الطرقات.
ورأت مديرة صندوق "رشاي" حالياً، والمديرة العامة لوزارة التربية سابقاً، ميخال كوهين، إن القصة هي قصة مجتمع عنيف على مدى أعوام لا تتمّ معالجته، مضيفة أنه يوجد فجوات اقتصادية تُنتج ألماً كبيراً جداً، وشعوراً مفاده أنه لا يوجد ما يخسروه.
وبشأن أسباب هذه الظاهرة، أشار الدكتور نثنائيل فولوخ لموقع "واينت" إلى أن سلسلة الأحداث العنيفة التي اجتاحت "إسرائيل" في الأسابيع الأخيرة لم تظهر من العدم، لافتاً إلى أن العنف الذي يمثل جزءاً مركزياً من التجربة الإسرائيلية له جذور تاريخية وثقافية عميقة.
وأضاف فولوخ أن "اليهودي القوي وقع في حب قوته، وأصبح بلطجياً لا يميز كثيراً بين ضحاياه"، لافتا إلى أن الذين يرون أن الاحتلال هو مصدر فساد الثقافة الإسرائيلية مخطئون، فالاحتلال هو نتيجة العنف الإسرائيلي، وليس سببه. ورأى فولوخ أن هذا الأمر يجعل من الصعب جداً، وربما من المستحيل، معالجة العنف بصورة ناجعة، مضيفاً أنه لا يوجد حلول سحرية تجعل العنف يختفي.
بدوره، عدّد البروفسور في البيولوجيا العصبية الطبية في الجامعة العبرية، يورام يوفال، لـ"القناة الـ 12"، أسباب العنف في المجتمع الإسرائيلي، فتحدث عن فيروس كورونا، والضغط الذي سببه نتيجة الحجز في المنزل والإغلاق، بالإضافة إلى المعارك الانتخابية الخمس، التي أدت إلى استقطاب كبير في المجتمع، بحيث أصبح من السهل رؤية الشخص الآخر عدواً. وأضاف يوفال أنه يوجد أشياء أُخرى تزيد في العنف، كألعاب العنف، والحديث العنيف، ووسم أشخاص خونةً وعملاء.