"نهب ثروات وفشل أمني".. عن أسباب طرد فرنسا من أفريقيا

تشهد فرنسا تراجعاً متتالياً في نفوذها في القارة الأفريقية، بات ملحوظاً بشكل كبير، فما أسباب ذلك؟
  • جنود فرنسيون يغادرون وسط إفريقيا على متن طائرة شحن C130 ، في 15 الشهر الجاري

عرفت فرنسا في القارة السمراء تدهوراً كبيرا في السنوات الأخيرة، وخسرت العديد من المناطق التي كانت تستعمرها لسنوات طويلة هناك.

وبالأمس القريب، أعلنت هيئة الأركان العامة الفرنسية خروج آخر جندي فرنسي من أفريقيا الوسطى كان يعمل ضمن المهمة اللوجيستية في هذه الدولة الأفريقية، بعد انسحابها بفترة قليلة من غرب أفريقيا.

وقالت هيئة الأركان الفرنسية في بيان أنّه "اليوم 15 كانون الأول/ديسمبر غادر آخر جندي فرنسي ضمن المهمة اللوجستية في جمهورية أفريقيا الوسطى على متن طائرة عسكرية متجهة إلى باريس".

وفي آب/ أغسطس الماضي، خرج آجر جندي فرنسي من مالي، التي بدورها عززت التعاون العسكري مع روسيا، كما أعلنت باريس العام الماضي، تعليق تعاونها العسكري مع أفريقيا الوسطى.

وتسعى العديد من الدول الأفريقية الآن إلى التخلص من الفرنك الأفريقي، وهي العملة التي أنشأتها باريس لمستعمراتها السابقة، وترتبط بالفرنك الفرنسي، ويجري تداولها اليوم في نحو 14 دولة أفريقية، 12 منها من مستعمرات فرنسا السابقة.

وفي الإطار، قال أكاديميون وباحثون في الشؤون الأفريقية إنّ فرنسا "فقدت نفوذها بشكل شبه كامل في المنطقة الأفريقية"، وأن "انسحابها من غرب أفريقيا ووسط أفريقيا جاء بعد فشلها في العمليات الأمنية هناك، ورغبة الشعوب هناك في إنهاء الوجود الفرنسي".

اقرأ أيضاً: الفرنك الأفريقي في خدمة فرنسا.. عن آخر عملة استعمارية في العالم

تراجع ملحوظ

ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة باماكو، محمد أغ إسماعيل، إنّ "السياسة الأفريقية لفرنسا تعاني بكلّ تأكيد تراجعاً ملحوظاً في ظلّ حكم ماكرون".

وأضاف، في حديثه لـ"سبوتنيك"، أنّ "فشل فرنسا في ملف "الأمن والاستقرار" في أفريقيا الفرنكفونية، أسفر عن مناهضة شعبية لسياسة باريس".

وأشار إسماعيل إلى أنّ "التراجع الفرنسي تزامن مع تنامي أدوار قوى أخرى كروسيا والصين وتركيا والولايات المتحدة في القارة، كما يدلّ انسحابها من أفريقيا الوسطى وقبلها الساحل الأفريقي على التراجع هذا التراجع بدرجة كبيرة".

وأوضح أنّ "التراجع الفرنسي في أفريقيا انعكس على الجانبين الاقتصادي والثقافي، حيث نجحت الشركات الصينية في التضييق على نظيراتها الفرنسية في القارة، وباتت معظم الدعوات تنادي بتدريس اللغة الانجليزية أو اللغات المحلية، متخلية عن الفرنسية التي أصبحت ترمز للإمبريالية الجديدة"، حسب قوله.

وأكّدت سبوتنيك أنه "رغم الاستقلال، الذي منح 14 دولة أفريقية استقلالها عام 1958، إلّا أنّه ظلّ صورياً، حيث أبقى على نفوذ باريس في الاستحواذ على أيّ مواد خام تُكتشف هناك، واحتكار الأنشطة الأمنية والتدريب العسكري".

كما أنّ الدول المستعمرة من قبل فرنسا سابقاً تضخ 50% من احتياطاتها النقدية الأجنبية إلى باريس، وتطبع باريس العملات لـ12 بلداً أفريقياً.

اقرأ أيضاً: بعد سنة على الانقلاب العسكري ضدّها: لماذا انسحبت فرنسا من مالي؟

تدخل في الشؤون الداخلية

وقال مدير مركز رصد الصراعات في الساحل الأفريقي في باريس، الدكتور محمد علي كيلاني، إنّ "الفرنسيين أنهوا عمل قواعدهم لأنّ الأوروبيين تساءلوا كثيراً عن دور قواتهم في أفريقيا، والتي تتدخل في الصراعات السياسية والمسلحة".

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أنّ "تدخل أوروبا لدفع الثمن المترتّب على ذلك كان أحد الأسباب أيضاً، بالإضافة إلى الدخول الأميركي للمنافسة في أفريقيا، بعد أن رأت عدم قدرة فرنسا على الاستمرار في ذلك، الأمر الذي اتضح جلياً في التدخل الأميركي في الأزمة التشادية، بالإضافة لمطالبة البرلمان الأوروبي ببقاء باريس على الحياد من الصراعات الأفريقية".

ويرى كيلاني أنّ "الغارة الجوية التي شنّها طيران مجهول في أفريقيا الوسطى، تشير بقدر كبير إلى محاولات باريس للانتقام لخروجها، خاصّة في ظلّ عدم قدرة أيّ طيران على شنّ هجمات هناك سوى الطيران الفرنسي".

ونوّه كيلاني إلى أنّ فرنسا "قد لا تبقى كثيراً في بعض الدول الأفريقية بناءً على المعطيات الدولية الجديدة"، وأنّ "باريس تفسح المجال لواشنطن، والقمة الأفريقية الأميركية الأخيرة تعتبر بمثابة المسمار الأخير في نعش نفوذ باريس في أفريقيا".

اقرأ أيضاً: الانقلابات العسكرية في أفريقيا: خارطة تراجع نفوذ فرنسا التاريخي

فشل أمني

وقال الدكتور إسماعيل محمد طاهر، الأكاديمي التشادي، إنّ انسحاب فرنسا من أفريقيا الوسطى "يأتي بعد انسحابها من غرب أفريقيا، خاصة من مالي، وإنهاء "عملية برخان"، وكذلك تعليق نشاطها العسكري في المنطقة منذ 2021، ما يشير إلى توجهها نحو تعزيز تواجدها في منطقة الساحل".

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أنّ "فرنسا تسعى إلى تعزيز استراتيجيتها الجديدة التي تتضمن التواجد بشكل أكبر في النيجر وتشاد لمواجهة المنافسة الدولية في منطقة الساحل، وحماية ما تبقى من مناطق موالية لها".

وشدد الأكاديمي التشادي على أنّ فرنسا "سجّلت الكثير من الفشل في العمليات العسكرية في غربي ووسط أفريقيا، لكنها تحاول تعزيز استراتيجيتها الجديدة في منطقة الساحل عوضاً عن الخسائر التي سجلتها طوال الفترة الماضية".

اقرأ أيضاً: الأزمة في مالي.. جزء من الصراع الغربي الروسي على النفوذ في أفريقيا

المصدر: الميادين نت + "سبوتنيك"