الاستثمارات الصناعية: أوروبا تركض خلف الصين والولايات المتحدة

صحيفة "لوموند" الفرنسية تتحدث عن الأزمة الصناعية في الدول الأوروبية، وتعتبر أنَّ من الطبيعي أن يتوجّه المزيد من الصناعيين الأوروبيين إلى عبور المحيط الأطلسي.
  • عمّال يصنعون كرات قدم في مصنع في نانتونغ شرقي الصين (أرشيف).

أكّدت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن آسيا وأميركا الشمالية تستحوذان على الجزء الأكبر من الاستثمار في قطاعات تكنولوجيا المستقبل. وتستند الصحيفة إلى دراسة تقول: "يمكن لخطة الحماية الأميركية الجديدة أن تزيد من تخلّف أوروبا".

وبحسب الصّحيفة، فإنّ "في الدوائر الداخلية لبروكسل، كما في محيط المصانع الفرنسية أو الألمانية أو الإيطالية، يتزايد القلق نفسه بشأن قانون خفض التضخم (IRA) الذي تبنته الولايات المتحدة. هذا القانون خصص له 370 مليار دولار (352 مليار يورو) من الإعانات والإعفاءات الضريبية المخصصة للصناعات الخضراء الأميركية التي ستزيد من قدرتها التنافسية بشكل كبير".

من جهته، قال المفوض الأوروبيّ للسوق الداخلية تيري بريتون، في مقابلة مع صحيفة "لوديمانش" في 4 كانون الأول/ديسمبر الحالي، إن "الأمر يتعلق بالحمائية"، وأشار إلى أن "المخاطرة تتمثل بجذب أجزاء من صناعتنا إلى الولايات المتحدة أو حتى الاستثمارات الإستراتيجية التي تخطط شركات من دول ثالثة للقيام بها في أوروبا".

وتضيف الصحيفة نقلاً عن شركة "Trendeo" للأبحاث ومعهد إعادة التصنيع وماكينزي والمجموعة الهندسية "Fives": "إذا لم نتفاعل، فسوف تُؤكل الصناعة الأوروبية الباقية على قيد الحياة"، وتشير إلى أنّ "الاحتمال الذي يبعث على القلق أكثر منذ السنوات الخمس الماضية، أن القارة القديمة كانت متقدمة على الولايات المتحدة -وحتى أكثر من آسيا- من حيث الاستثمار الصناعي".

ويكشف "المقياس العالمي للاستثمارات الصناعية 2022" عن مجموعة من المؤشرات التي تؤكّد هذه الملاحظة. ويوضح مسؤول في مؤسسة "Trendeo" أن "استباقية الولايات المتحدة في المسائل الصناعية كانت لها تأثيرات واضحة جداً، فقد زادت الحصة الأميركية من الاستثمارات العالمية من 20 إلى 30% بين عامي 2019 و2022".

وبقيت النسبة في أوروبا مستقرة بنحو 13%، فيما تراجعت النسبة في آسيا قليلاً خلال تفشي وباء كورونا، وبقيت إلى حد بعيد على قمة المنصة، مع ما يزيد قليلاً على نسبة 50%.

وفي هذا السياق، يقول جوينيل غيليمو، مدير معهد إعادة التصنيع، وهو جمعية أنشأتها مدرستان للهندسة واتحادان مهنيان: "هذا التأخير الأوروبي يتم تأكيده عندما ننظر إلى تفاصيل القطاعات التكنولوجية الرئيسية".

ويضيف: "بين عامي 2016 و 2022، استحوذت أوروبا على 7% فقط من استثمارات أشباه الموصلات العالمية، أو ما قيمته 59 مليار دولار (56 مليار يورو)، تلقّت أميركا الشمالية 30% منها (248 مليار دولار) وآسيا 63% (533 مليار دولار)".

ويكشف المقياس أيضاً عن ترتيب المبالغ التي استثمرتها شركات أشباه الموصلات الكبيرة خلال الفترة نفسها: احتلت كوريا الجنوبية عبر شركة "SK Inc" المرتبة الأولى (138 مليار دولار)، تلتها الولايات المتحدة عبر شركة "Intel" (135 ملياراً)، ثم تايوان عبر شركة "TSMC" (111 ملياراً)، ولكن لا وجود لأي دولة أوروبية في المراكز العشرة الأولى.

وتقول الصحيفة إنَّ "هذا الاكتشاف ليس أقل إثارة للقلق بالنسبة إلى البطاريات، وهي ضرورية لتصنيع السيارات الكهربائية. بالتأكيد، أصدرت الشركات الأوروبية 13% من الاستثمارات في القطاع بين عامي 2016 و2022، وهذه المرة أكثر من نظيراتها الأميركية (5%)"، مشيرة إلى أن "حصة الشركات الآسيوية تبلغ 81%، ما يدل على الريادة الكبيرة للصين في هذه التكنولوجيا".

وتؤكد الدراسة أن هذه الهيمنة تنطبق على معظم المنتجات الصناعية، لتترك أوروبا وفرنسا بعيداً. وبالمثل، استحوذت آسيا على 60% من "الاستثمارات الضخمة" منذ العام 2016، أي تلك التي تزيد على 5 مليارات بالدولار، في مقابل 2% فقط للاتحاد الأوروبي، و14% للولايات المتحدة.

وترى الدراسة أن الوضع "لن يتحسن في الأشهر المقبلة، فإضافة إلى خطة خفض التضخم الأميركية، تتحمل مصانع القارة القديمة أيضاً وطأة الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة المرتبط بالحرب في أوكرانيا".

وتضيف: "بالنسبة إلى الصناعات الثقيلة الأوروبية، ارتفع سعر الغاز بمقدار 10 أضعاف مقارنة بمستويات ما قبل كوفيد، وتضخمت تكاليف الإنتاج المتعلقة بالطاقة بنسبة 50%".

يُشار إلى أنَّ النقاط التنافسية أقل بكثير مقارنة بالولايات المتحدة، حيث فواتير الطاقة أقل بخمس مرات.

كذلك، ترى الصحيفة أنّه ليس من المستغرب أن المزيد والمزيد من الصناعيين الأوروبيين يفكرون في عبور المحيط الأطلسي. شركة "Northvolt" السويدية مثلاً، التي أعلنت في آذار/مارس 2022 أنه سيتم تركيب مصنعها العملاق الثالث للبطاريات في ألمانيا (بعد السويد وبولندا)، تخطط الآن لبنائه في الولايات المتحدة، وستعمل مجموعات السيارات "فولكس فاغن" و"بي إم دبليو" أيضاً على تعزيز قدراتها الإنتاجية هناك.

وفي مواجهة ذلك، يقدّم الأوروبيون، بحسب "لوموند"، حالياً رداً خجولاً. وخلال زيارته لواشنطن في مطلع كانون الأول/ديسمبر الحالي، أقنع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الأميركي جو بايدن بإجراء "تعديلات" على خطته، لكن يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الخطوة مهمة.

وقبل كل شيء، وخوفاً من بدء حرب تجارية يُخشى أن يخرج الجميع منها خاسرين، فإن الأوروبيين غير قادرين على الاتفاق على خطة بالحجم نفسه لحماية صناعاتهم، تقول الدراسة.

وتوصلت أيضاً إلى نتيجة أخرى غير مفاجئة: توقف الانتعاش السريع في الاستثمار الصناعي بعد أزمة كوفيد بسبب الحرب الروسية الأوكرانية"، إذ قفز من 659 مليار دولار إلى 1164 مليار دولار بين عامي 2020 و2021 (+ 77%)، ومن المفترض أن ينخفض إلى 934 مليار دولار في عام 2022 (-20%)، وفقًا لـ"Trendeo".

والأكثر إثارة للدهشة، بحسب الصحيفة،ـ هو أن الحرب في أوكرانيا عززت "انكماش سلاسل الإنتاج" في العمل منذ عام 2018، وهي حركة إعادة الهيكلة الإقليمية للتجارة في شبه القارة الهندية. وبالتالي، فإن 80% من الاستثمارات في شرق آسيا (بما في ذلك الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان)، وهي المنطقة الأكثر انغلاقاً في العالم، تأتي من شرق آسيا. هذا أكثر من أميركا الشمالية (70% من أميركا الشمالية)، وأوروبا الغربية (59%) أو شمال أفريقيا (51%).

في المقابل، تعد أميركا اللاتينية المنطقة الأكثر انفتاحاً: 70% من الاستثمارات هي نتيجة شركات من خارج القارة.

اقرأ أيضاً: أوروبا تحاول إيجاد التوازن بين العملاقين الصيني والأميركي

المصدر: صحيفة "لوموند" الفرنسية