حركة اليمين المتطرف "مواطنو الرايخ": قنبلة ألمانيا الموقوتة؟

أعضاء حركة "مواطني الرايخ" يجمعون على فكرة أن حدود الإمبراطورية الألمانية المقررة عام 1871 لا تزال هي حدود البلاد الشرعية، وأن قوات الحلفاء التي هزمت النازيين في الحرب العالمية الثانية تحتل أجزاء من ألمانيا.
  • حركة مواطنو الرايخ تهدد مستقبل ألمانيا

أحبطت السلطات الألمانية صباح الأربعاء "محاولة انقلاب واسعة" خططت لها حركة "مواطني الرايخ" التي تنتمي لليمين المتطرف، وأعلنت الشرطة على إثرها اعتقال 25 شخصاً يشتبه بهم في تنفيذ المحاولة التي وصفتها السلطات بالإرهابية، وشمل المعتقلين ضباط سابقين في الجيش و3 أجانب، في وقتٍ قامت قوات الشرطة بالعديد من المداهمات والهجمات المتفرقة لملاحقة المتهمين في 11 ولاية من أصل 16 ولاية.

محاولات الانقلاب هذه فتحت باب السؤال بشأن هوية حركة "مواطني الرايخ"، وحجم خطورتها في التوقيت الحالي.

"مواطنو الرايخ" يواجهون "ألمانيا الحديثة"

"مواطنو الرايخ "، حركة تنتمي لليمين المتطرف تأسست في العام 1949، وبدأت في التطور منذ ثمانينيات القرن الماضي، ويتبنى بعض منتسبيها أفكار "النازيين الجدد"، الذين يسعوا إلى إحياء الأيديولوجيا النازية. كما يتبنى البعض نظرية المؤامرة، حيث يُجمع أعضاؤها على أن "ألمانيا الحديثة" هي مستعمرة أميركية، أو مجرد منطقة إدارية تابعة لقوى غربية هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، إضافةً إلى المتحمسين للسلاح الذين يرفضون شرعية الجمهورية الألمانية الحديثة.

الحركة نُظِّمَت بشكلٍ فضفاض مع مجموعات مستقلة متعددة، فيما لا يوجد إحصائية رسمية بعدد أنصارها، لكن السلطات الأمنية تقدرهم بنحو 20 ألف شخص، يتغلغلون في مؤسسات الدولة، خاصة الأمن والدفاع.

ويعترف أغلب المنتسبين لحركة "مواطني الرايخ" بحدود ألمانيا عام 1937، أي قبل الحرب العالمية الثانية، والتي تضم أجزاءً من بولندا وفرنسا حالياً، ولا يعترف أعضاء الحركة بالدولة الألمانية الحديثة التي تأسست في العام 1949 بعد انهيار النازية، ولا بقوانينها، ويمتنعون عن دفع الضرائب والمخصصات الاجتماعية، ويصرون على أن "الإمبراطورية الألمانية" لا تزال قائمة، وذلك على أساس دستور عام 1871.

وعلى الرغم من أن الحركة حتى يومنا هذا هي بلا قيادة، إلا أن اللافت في هذه المحاولة الانقلابية هو أن الأمير هنري الثالث عشر، والذي كان من بين الموقوفين أمس الأربعاء، هو المتهم الرئيسي في قضية الانقلاب. فالأمير هنري ينحدر من عائلة رويس الملكية الألمانية، ويبلغ من العمر 71 عاماً، وهو رجل أعمال نشط في مجال العقارات ومقيم في مدينة فرانكفورت وسط ألمانيا، ويعرف أيضاً باسم الأمير هاينريش رويس. 

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

وفي خطاب ألقاه في عام 2019 يندد بالهياكل السياسية الحديثة، قال هاينريش رويس إنّ سلالة عائلته يمكن إرجاعها إلى عام 900 بعد الميلاد. ويرى أن ألمانيا الحديثة "ليست دولة ذات سيادة"، كما اعتبر أن الحرب العالمية الأولى حدثت بتحريض من الماسونيين الأجانب، ويشتهر بتبنيه الأفكار المتطرفة المعادية للدستور الذي يعتبر أنه كُتب على يد الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية للسيطرة على ألمانيا.

ولطالما كان ينظر إلى أعضاء الحركة على أنهم مجرد مجموعة من الأشخاص غريبي الأطوار. إلا أنه في السنوات الأخيرة بدأت هذه الحركة بلفت انتباه السلطات الألمانية بسلوك أعضائها الأكثر عنفاً وعدوانية، واعتناقهم أفكاراً يمينية متطرفة ومعادية للسامية، ويمتلكون كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات، ولديهم قدرة على تصنيع العبوات الناسفة، حسبما رصدته الشرطة، إضافةً إلى قدرتهم على تنفيذ عمليات متعددة لسرقة الأسلحة من مخازن الحكومة.

ونفذ أتباع الحركة في الأعوام الأخيرة هجمات ضد الشرطة خلال مداهمات لمنازلهم، مبررين ذلك بأن من حقهم الدفاع عن ممتلكاتهم. وففي عام 2016، أطلق فولفغانغ ب. عضو بحركة مواطني الرايخ النار على ضباط شرطة فقتل أحدهم وأصاب 3 آخرين بجراح، خلال مداهمتهم منزله لمصادرة ترسانته المكونة من 30 سلاحاً نارياً، كان قد جمعها بطريقة غير شرعية.

وتُعتبر قضية فولفغانغ ب.، الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 2017 بعد إدانته بقتل ضابط شرطة، هي المنعطف الذي دفع السلطات الألمانية إلى التعامل بشكلٍ أكثر جدية مع متطرّفي هذه المجموعة. 

وفي عام 2020، كان هناك عدد من أعضاء حركة مواطني الرايخ ضمن المتظاهرين ضد القيود المفروضة في البلاد لمنع تفشي وباء كوفيد-19 والذين حاولوا اقتحام مبنى البرلمان الألماني.

اليوم ومع محاولة الانقلاب الأخيرة، أفاد رئيس الاستخبارات الداخلية الألمانية، توماس هالدينوانغ، بأنّ "المجموعة التي خططت للانقلاب لديها شبكة كبيرة في جميع أنحاء البلاد، وكان لديهم خطط محددة، وكانوا مستعدين لاستخدام العنف، حتى لو كان ذلك يعني قتل الناس".

وما يثير القلق بشكلٍ خاص، هو أن تحقيقات المدعي العام الاتحادي تشمل ضابطاً في القوات الخاصة في الجيش الألماني والعديد من جنود الاحتياط، ونائبة سابقة في البرلمان الاتحادي عن حزب البديل اليميني الشعبوي أيضاً بين المشتبه بهم.

فيما أكّد مكتب المدعي العام الاتحادي الألماني أن السلطات قررت إطلاق عملية لمكافحة الإرهاب بعد أن أصبح من الواضح أن المجموعة لديها "خطط ملموسة للإطاحة بالحكومة بوسائل عنيفة"، خاصةً وأن المجموعة "خضعت في الشهرين الماضيين لمراقبة أجهزة الأمن".

وترى تقارير إعلامية أن الحركة تسعى اليوم إلى توظيف الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لإحداث فوضى في البلاد وتنفيذ أجندتها في تفكيك الدولة.

وقد أعلن المكتب، وهو بمثابة وكالة الاستخبارات الداخلية في ألمانيا، أن عدد أعضاء الحركة يقدر بنحو 21 ألف عضو، من بينهم 5% مصنفون بوصفهم يمينيين متطرفين - وهي زيادة ضخمة تبلغ أكثر من الضعف مقارنةً بتقديرات عام 2016 التي أشارت آنذاك إلى أن العدد كان يبلغ حوالي 10 آلاف.

اليمين المتطرف يزيد من هيمنة "مواطنو الرايخ"

يتّفق المحللون الأوروبيون على أن أحزاب اليمين المتطرّف باتت تشكّل تهديداً للبلاد وديمقراطيتها، وتتصاعد بأجنحته الفاشية والنازية المتغلغلة في أكثر من بلد أوروبي، كما أفرزت الانتخابات الأخيرة، وسط تساؤلات كيف تمكّن اليمينيون من الوصول إلى هذه المناصب، وأن يبقوا فيها إلى الآن، في وقت تراجعت الأحزاب اليسارية بشكلٍ لافت، خصوصاً مع تعاظم المشاكل الاقتصادية، وهي الوقود الحقيقي لليمين الذي نسج منها خطاباته الشعبوية التي تهاجم الأقليات والتعددية الثقافية.

وأعادت عملية تفكيك الخلية الانقلابية اليمينية في ألمانيا، صباح الأربعاء، إلى الواجهة مسألة تغلغل أنصار اليمين المتطرف ودعاة النازية الجدد في صفوف المؤسسة العسكرية والأمنية في ألمانيا، لا سيما أن عدداً كبيراً من أعضاء المجموعة التي ألقي القبض عليها هم جنود في الجيش، أحدهم لا يزال في الخدمة داخل القوات الخاصة، بينما يخدم آخرون في قوات الاحتياط، وآخرون جنود وضباط متقاعدون.

ويسعى اليمين المتطرف لاستغلال الإحباط الشعبي من حكومة أولاف شولتس بسبب التضخم وارتفاع أسعار الطاقة، ومخاطر شح مواردها، مع توقف إمدادات الغاز والنفط الروسيين بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

يتهم متتبعو ألمانيا بأنّها لم تأخذ لمدة طويلة التهديد الذي تمثله هذه المنظمة على محمل الجد، ففي 2017 فقط بدأت الأجهزة الأمنية الألمانية لأول مرة بتوثيق الجرائم ذات الخلفية المتطرفة بين المجموعة. ومنذ ذلك الحين، تكرّرت المداهمات الأمنية لأهداف الحركة، فيما صنّف عنف اليمين المتطرف باعتباره من التهديدات الأولى للنظام العام قبل الخطر الإرهابي، مع توسع نفوذه واستغلاله للأزمات الاقتصادية المتتالية. 

المصدر: الميادين نت + وسائل إعلام ألمانية