كيف بات "الجيش" عنواناً للانقسام بين مؤسسات الاحتلال الإسرائيلي؟

"السلوك غير المنضبط"، وفق الإعلام الإسرائيلي، لجنود من "الجيش" الإسرائيلي، الذي انعكس من خلال عدة أحداث في القدس المحتلة والضفة الغربية، يثير سجالاً ساخناً وصل إلى رأس الهرم في المؤسّستين السياسية والعسكرية.
  • كيف أصبح "الجيش" عنواناً للانقسام بين مؤسسات الاحتلال الإسرائيلي؟

منذ أن أظهرت نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة فوز أحزاب يمينية صِرفة، بالأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة، لم يهدأ النقاش في "إسرائيل" حول انعكاسات هذه النتائج على المؤسسات وأدائها في المرحلة المقبلة. ومن أهم هذه المؤسّسات التي يدور السجال حولها، هي مؤسّسة "الجيش الإسرائيلي" التي يُنظر إليها كآخر ما تبقّى من مؤسّسات الصهر الاجتماعي الجامعة.

وفي هذه الأجواء، أثار "السلوك غير المنضبط"، وفق الإعلام الإسرائيلي، لجنود من "الجيش الإسرائيلي"، الذي انعكس من خلال عدة أحداث في القدس المحتلة والضفة الغربية، سجالاً ساخناً في "إسرائيل"، وصل إلى رأس الهرم في المؤسّستين السياسية والعسكرية - الأمنية، على خلفية مواقف وتصريحات عُدّت تحريضاً ضدّ قادة "الجيش الإسرائيلي"، ودعوة للجنود لمخالفة أوامر قادتهم. الأمر الذي دفع برئيس هيئة الأركان العامة في "الجيش الإسرائيلي"، الفريق أفيف كوخافي، إلى القول إنه لن يسمح باستغلال "الجيش" لتقديم أجندات سياسية.

رسالة تحذير من "الجيش" الإسرائيلي للحكومة

وأفادت تقارير إسرائيلية بأنّ رئيس هيئة الأركان العامة في "الجيش الإسرائيلي"، الفريق أفيف كوخافي، أجرى محادثات مع قائد لواء غفعاتي، العقيد أليعاد مواتي ومع قائد كتيبة تسابار، المقدم أفيران ألفسي، قدم خلالها الدعم لهما، وانتقد أعضاء الكنيست الذين هاجموا "الجيش الإسرائيلي" لمعاقبته الجندي الذي هدد ناشطي اليسار بـ "بن غفير"، وقال كوخافي: "لن نسمح لأي رجل سياسي، لا من اليمين ولا من اليسار، بالتدخل في قرارات قيادية واستغلال الجيش لتقديم أجندة سياسية... التدخل السياسي في الجيش يضر مباشرة بقدرة الجيش على تنفيذ مهامه، وفي شرعيته. إهانة قادة على خلفية سياسية هو منحدر زلق ممنوع علينا كمجتمع أن نتدحرج إليه. الجنود، القادة وكذلك عائلاتهم لديهم حقوق كثيرة، ويجب إبقاؤهم بعيداً عن أي خطاب سياسي".

وأكّد كوخافي أن "القادة، وفقط القادة، يحددون المعايير وطريقة معالجة الأحداث في وحداتهم"، وأضاف أن "مهاجمة قائد الكتيبة هو أمر مرفوض، وكل تدخل سياسي في قرارات القادة هو أمر مرفوض". وكان كوخافي قد أصدر رسالة إلى جنود "الجيش الإسرائيلي" أدان فيها مسلكية الجنود في الخليل، وأكّد فيها أن "الجيش الإسرائيلي هو المؤسسة الذي لا مكان فيه للتعبير عن موقف سياسي أو أعمال تنبع من اعتباراتٍ سياسية".

في هذا السياق، تطرّق رئيس حكومة الاحتلال، يائير لابيد إلى الانتقادات التي وجّهها أعضاء كنيست من اليمين لقادة "الجيش الإسرائيلي"، ورأى أن "الحكومة الجديدة لم تتولّ مهامها بعد، ووزراءها يحرّضون جنود الجيش الإسرائيلي ضد قادتهم". وأضاف لابيد أن التحريض ضد قادة "الجيش الإسرائيلي" خطر ومدمّر، لافتاً إلى أنه لا يُعقل أن يطلب وزراء وأعضاء كنيست من الجنود مخالفة أوامر قادتهم. 

رئيس هيئة الأركان العامة السابق، وعضو الكنيست الحالي من "المعسكر الدولتي"، غادي آيزنكوت، حذّر، من جهته، من أن "تصرّف الائتلاف (الحكومي) المستقبلي قد يؤدي الى تفكيك الجيش الإسرائيلي".

وفي الجهة المقابلة، صدر عن رئيس الحكومة المكلف، رئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، موقف من السجال، قال فيه إن "الجيش الإسرائيلي هو جيش الإسرائيليين، وأنا أدعو الجميع من اليمين واليسار إلى إبقائه خارج أي نقاش سياسي". ويأتي موقف نتنياهو بعد أن امتنع حتى الآن، عن الخوض في السجال حول تصرفات جنود "الجيش الإسرائيلي"، في الوقت الذي هاجم ابنه، يائير، كوخافي أكثر من مرّة، خلال الأيام الأخيرة. 

"الجيش الإسرائيلي" يحذّر من مستقبل قاتم

تزايد العمليات الفدائية في الضفة الغربية، دفع "الجيش الإسرائيلي" إلى تمرير رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية، مفادها بأن الوضع في الضفة الغربية يتفاقم. محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشع، قال إنهم في "الجيش الإسرائيلي" متشائمون جداً في التوقعات للساحة الفلسطينية في الأشهر القادمة، في ظل الأحداث الأخيرة والتطورات السياسية، التي تتضمن إعلانات غير مألوفة عن تغييرات متوقعة في عمل المنطقة الوسطى والإدارة المدنية وحرس الحدود في الضفة الغربية. لذلك، وضع "الجيش الإسرائيلي" إنذاراً استراتيجياً أمام المستوى السياسي، من إمكانية تدهور في الضفة الغربية، القدس، وقطاع غزة، بحسب يهوشع، الذي قال إن وجوه الضباط الذين أوصلوا الرسالة تشبه المعطيات التي عرضوها، بحيث أنبأت عن تشاؤم.

الرسالة أتت عبر كشف معطيات تُفيد بأن عدد الشهداء الفلسطينيين مرتفع، إذ بلغ 134 شهيداً منذ بدء السنة الحالية (مقارنةً بـ 76 في السنة الماضية بأكملها)، وفقاً لمراسلة الشؤون العسكرية في صحيفة "إسرائيل هيوم"، ليلاخ شوفال، التي نقلت أنهم في قيادة المنطقة الوسطى في "الجيش الإسرائيلي"، يصفون الأحداث الأخيرة في الخليل، التي تواجه فيها جندي مع متظاهرين من اليسار، بأنها خطيرة جداً، ويعترفون بأنه يجب إيجاد سبيل لمنعها مسبقاً.

شوفال أضافت أن توقّع المؤسستين الأمنية والعسكرية للمستقبل المنظور قاتم جداً، كون الساحة عنيفة جداً، إذ يتزايد استخدام الأسلحة النارية (من قبل الفلسطينيين)، بينما السلطة الفلسطينية تواصل فقدان حاكميتها. ونقلت شوفال أيضاً أنهم في المؤسستين الأمنية والعسكرية قلقون من "جماعات محلية لمخلّين عنيفين بالنظام" في الضفة الغربية، قد تحاول تقليد "عرين الأسود". وأضافت شوفال أن القلق في المؤسستين الأمنية والعسكرية يعود أيضاً إلى الارتفاع المهم في عدد الجرائم على خلفية قومية من يهود ضد فلسطينيين، وضد قوات الأمن الإسرائيلية.

ولفتت شوفال إلى أن المؤسستين الأمنية والعسكرية غير متفائلة حيال المستقبل، بسبب العنف المرتفع على الأرض، وغياب قدرة أو إرادة السلطة الفلسطينية على إحلال النظام في مناطقها. وأضافت شوفال أنهم في المؤسستين الأمنية والعسكرية يلحظون منذ مدة طويلة غياب حاكمية السلطة الفلسطينية، ويشدّدون على أن "اليوم التالي" لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أصبح هنا.

ومع ذلك، رأى محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئِل، أن التنسيق الأمني مع "إسرائيل" لا يزال يعمل جيداً، لا سيما في الأماكن التي يوجد للسلطة الفلسطينية مصلحة فيها لضرب أنشطة خصوم البيت -حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

وتحدث هرئل أيضاً عن جهوزية "الجيش الإسرائيلي" للحرب، بعد أن تمت دعوة عشرات كتائب الاحتياط إلى الخدمة، خلال السنة الحالية، بطريقة غير مخططة، وخلافاً للأهداف المعلنة لهيئة الأركان العامة بتخفيف عبء الأمن الجاري عن عناصر الاحتياط.

"الجيش الإسرائيلي" سيُصبح جيشاً لنصف الإسرائيليين

حالة القلق من قتامة المستقبل في الساحتين الفلسطينية والداخلية، والتي عبّر عنها "الجيش الإسرائيلي"، وجدت أيضاً صدى لها لدى المستوى الإعلامي في "إسرائيل"، الذي أشار بعض معلقيه إلى أن الأحداث الأخيرة، كحادثة الخليل، تدل على انقسام في المجتمع الإسرائيلي. 

ميليشيات داخل "الجيش": حذّر المراسل السياسي في موقع "والاه"، باراك رابيد من أن الحملة الداعمة للجندي الذي هاجم ناشطاً يسارياً في الخليل هي وصفة مضمونة لتفكيك "الجيش الإسرائيلي" من الداخل، وتحويله الى مجموعة من الميليشيات. وأضاف مراسل الشؤون العسكرية في القناة الـ 12، نير دفوري، أن رمي جنود عبوة ناسفة على منزل فلسطيني، هو حادثة خطيرة، وتدل على وجود ميليشيا أو جهة داخلية، تعمل داخل "الجيش الإسرائيلي"، وضد الأوامر الصادرة عن قيادته.

ضعف كوخافي: وجه الكاتب في صحيفة "هآرتس"، روغل آلفر، انتقادات قاسية لكوخافي، وقال إن الرسالة التي وجهها كوخافي لجنود "الجيش الإسرائيلي"، والتي أدان فيها الحادثة في الخليل، تثبت أنه فشل مهنياً وأخلاقياً بشكلٍ كامل.

آلفر أشار إلى أن "الجيش الإسرائيلي" يتصرف في الضفة الغربية بخلاف القيم والأخلاق التي صاغها كوخافي في الرسالة، لافتاً إلى أن كل سلسلة القيادة تحت كوخافي، تبث روحاً مختلفة، روحاً بن غفيرية. وأضاف آلفر أنّ رسالة كوخافي تُثبت أنه لا يسيطر على مسلكية الجنود على الأرض، الذين يعملون بخلاف أوامره علناً.

مزاج "بن غفير": أعادت حادثة الخليل تأجيج السجال حول واقع وانعكاسات تسييس "الجيش الإسرائيلي"، ومخاطر إدخاله في المرجل السياسي، وإلى جانب ذلك، برز نقاش حول مدى سريان نموذج "بن غفير" في "الجيش الإسرائيلي" والتحديّات التي سيواجهها الجيش في ظلّ حكومة يمينية صرفة يكون فيها بن غفير (وهو المدان جنائياً ومن الأكثر تطرفاً ضد العرب) وزيرا للأمن القومي الإسرائيلي، كما "يُعدّ بنيامين نتنياهو الأكثر يسارية فيها".

وفي أجواء هذا النقاش، أظهر استطلاع رأي مُحدّث -للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية- أن المزاج الجماهيري الإسرائيلي العام يزداد عنفاً وتطرفاً تجاه الفلسطينيين، إذ أظهر أن أكثر من نصف الإسرائيليين (55%) يعتقدون أن على "الجيش الإسرائيلي" قتل "الإرهابيين" (الفلسطينيين من منفذي العمليات) حتى ولو أنهم لم يعودوا يشكلون خطراً. وتمثل هذه النسبة - برأي معلقين - قفزة عن عام 2018 عندما أيد 37 % فقط من الإسرائيليين قتل "الإرهابيين" بعد أن لم يعودوا يشكلون أي تهديد.

كما تبين أن أغلبية واسعة (71%) من الإسرائيليين تؤيّد فرض عقوبة الإعدام على "الإرهابيين" إذا أدينوا بالقتل، مقارنةً مع 63 % في عام 2018. في المقابل، يعتقد 63 % فقط من الإسرائيليين أن على "الجيش الإسرائيلي" التأكّد من أن العمليات العسكرية لـ"الجيش" يجب ألا تنتهك القانون الدولي، أقلّ من نسبة الـ 80 % في عام 2018.

مستقبل التجنيد الإلزامي: لفت محلل الشؤون السياسية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، إلى أن عمل "الجيش الإسرائيلي" كشرطي في المناطق الفلسطينية، يمزّقه من الداخل، وحادثة الخليل هي رأس جبل الجليد، فالتعامل مع السكان المدنيين في المناطق الفلسطينية، عرباً ويهوداً، هو ضرر متواصل.

ورجّح برنياع أنه في فترة ولاية الحكومة الجديدة، سينقضّ الملزمون بالخدمة العسكرية على الخدمة في الوحدة 8200، سلاح الجو، سلاح البحر، والوحدات الخاصة، وسيتجنبون الخدمة في ألوية "غفعاتي"، "غولاني"، "الناحال" والمدرعات، لأنها تعني أشهراً طويلة من الأمن الجاري، وأمام هذا الوضع، حذّر برنياع من أن موضوع الخدمة القتالية سيسقط، و"الجيش الإسرائيلي" سيصير من اليوم "جيش" نصف الإسرائيليين عوضاً عن "جيش" الإسرائيليين.

المصدر: قسم الشؤون الإسرائيلية في الميادين