أوروبا والبديل من الغاز الروسي.. استمرار العوائق مع اقتراب الشتاء الأصعب
تُعاني دول الاتحاد الأوروبي، من تزايد أسعار الغاز بشكلٍ مُتسارع، منذ بدء العملية العسكرية الروسية، ومع غياب الغاز الروسي لاحظت أوروبا نقصاً في الطاقة.
هذا النقص أدى إلى زيادة فواتير التدفئة، والربط بينها وبين سعر الكهرباء وارتفاع الأسعار هدد إنتاجية الشركات الأوروبية، وكذلك رفع نفقات المعيشة بنسبة 7% في العام 2022، وفق صندوق النقد الدولي.
ووفق المنتدى الاقتصادي العالمي، فإنّ أزمة الطاقة سابقة للعملية العسكرية الروسية، ففي العام 2021، لم يتمكّن ما يقرب من 7% من سكان الاتحاد الأوروبي من تدفئة منازلهم بشكلٍ صحيح.
ووفقاً لبيانات "يوروستات"، كانت بلغاريا الدولة الأكثر تضرراً من فقر موارد الطاقة، إذ يوجد ما يقرب من واحد من كل أربعة أشخاص (23.7%) لم يستطيعوا تدفئة منازلهم، تلتها ليتوانيا (22.5%) وقبرص (19.4%)، وسجّلت سويسرا أدنى المعدلات (0.2%)، وبالتأكيد عندما تصدر بيانات العام 2022 يمكن أن نتوقع أرقاماً أسوأ لأوروبا.
2023 عام التحديات بالنسبة إلى أوروبا
بالرغم من أنّ الاتحاد الأوروبي نجح في ملء خزانات الغاز بنسبة 95.5% قبل الشتاء الحالي، تبقى تحذيرات وكالة الطاقة الدولية حاضرة، فالوكالة تصرّح بأنّ التحدي الأكبر لأوروبا يكمن في العام المقبل أي في العام 2023، وهناك خطر آخر من أن يؤدي الطقس المعتدل إلى الشعور بالرضا عن النفس عند دول الاتحاد.
ويبيّن رئيس وكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، في أثناء تقديمه تقريراً عن ميزان العرض والطلب في أوروبا لعام 2023/2024 أنّ الوكالة تدق أجراس الإنذار للحكومة والمفوضية الأوروبيتين للعام المقبل.
ويُقدّر التقرير أنّ أوروبا قد تواجه فجوة تصل إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي خلال فترة الصيف، والتي ينخفض فيها الطلب، وهو أمرٌ بالغ الأهمية لإعادة ملء مواقع تخزين الغاز في عام 2023. وقد تؤدي هذه الفجوة إلى تخزين 65% من الغاز فقط.
وتشير الوكالة إلى أنّ إمدادات الغاز المعطلة بالفعل قد تنخفض أكثر في العام المقبل، وذلك إذا توقفت تدفقات الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية بشكلٍ كامل، ومن المرجّح أيضاً، أن تزداد المنافسة على الغاز مع ارتفاع واردات الصين العام المقبل، بموجب سلسلة من العقود الجديدة التي أُبرمت منذ بداية العام 2021، وكذلك نمو الطلب الصيني بعد الحد من قيود كورونا.
اقرأ أيضاً: الدول الأوروبية تنفق نحو 100 مليار دولار لملء منشآت تخزين الغاز
ارتفاع أسعار الطاقة مُربح للبعض ومُكلف للكثيرين
اعتادت أوروبا أن تؤمّن حاجاتها من الغاز المُسال من خلال خطوط الأنابيب الأرخص مقارنةً بالسفن، والآتي من روسيا والنرويج وشمال أفريقيا، وغالباً ما يذهب الغاز المسال بشكلٍ أساسي إلى الدول الآسيوية مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية.
كل ذلك تغيّر خلال العام الماضي، فأوروبا التي عملت على ملء خزانات الغاز لدرء برد الشتاء كانت مُستعدّة لدفع أي ثمنٍ تقريباً للحصول على الغاز المُسال.
وعن الحاجة الأوروبية إلى الغاز الطبيعي المُسال، يقول نائب رئيس الطاقة والسلع في شركة "كايروس" للأبحاث، أوغستين برات: "في الوقت الحالي، لا يمكننا الاستغناء عن الغاز المُسال، لقد كان صعود سوق الغاز الطبيعي في أوروبا سريعاً، ولم ينته حتى الآن".
ووفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإنّ أسعار حمولة شحنة الغاز الطبيعي المُسال التي بيعت بنحو 20 مليون دولار قبل عامين، ارتفعت إلى 200 مليون دولار في الصيف الماضي، والآن ومع دخول فصل الشتاء، وصلت إلى نحو 100 مليون دولار تقريباً.
وتكشف الصحيفة أنّ 40 ناقلة غاز مُسال قبالة سواحل أوروبا وآسيا بقيمة مليارات الدولارات، تنتظر حتى يصبح الطقس أكثر برودة لبيعها للدول التي تدفع الثمن الأعلى.
وزادت ناقلات الغاز المتجه إلى أوروبا بأكثر من 50% مقارنةً بالعام الماضي لتعويض انقطاع الغاز الروسي، وجاء الجزء الأكبر من هذه الناقلات من الولايات المتحدة الأميركية، إذ أصبحت من أكبر المصدّرين العالميين للغاز المُسال، إلى جانب قطر وأستراليا.
ووفقاً لشركة "كايروس" للأبحاث ومقرّها باريس، فإنّه في العام 2022 زادت الشحنات إلى أوروبا من الولايات المتحدة بأكثر من الضعف، كما وزادت الشحنات من قطر بنحو 20%، كما أنّ روسيا، وبالرغم من اختناق الغاز في خطوط الأنابيب، رفعت صادراتها بنحو 10%.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يفشل في الاتفاق على قرار للحدّ من ارتفاع أسعار الغاز
اقرأ أيضاً: "بلومبيرغ": أوروبا تمتص الغاز من الدول النامية
الأزمة في أوكرانيا، كانت مُربحة للغاية بالنسبة إلى شركات الغاز الكبرى، والتي تتمتع بقوّة مالية للاستثمار في تكلفة بمليارات الدولارات لبناء مرافق تسييل (يجب تبريد الغاز إلى 260 درجة فهرنهايت تحت الصفر لتحويله إلى سائل) واستلام المحطات، وكذلك لتمويل التكاليف المرتفعة الحالية لشراء البضائع وتداولها.
كانت "شل" الشركة الأميركية التي تمتلك أكبر محفظة للغاز الطبيعي المُسال العام الماضي، بينما كانت كل من شركة "توتال إنرجي" و"تشينيير" و"إكسون موبيل" من القوى الرئيسية أيضاً. ووفقاً لـ"شل" الأميركية، فخلال الأشهر الـ 9 الأولى من العام 2022 حققت الشركة 10.1 مليارات دولار من الأرباح، أي ضعف أرباح الفترة نفسها من العام 2021.
كما ارتفعت الأرباح الصافية لأكبر شركة لنقل الغاز الطبيعي المُسال في العالم (قطر)، في الربع الثالث من العام 2022 بنسبة 10.3% على أساس سنوي.
اضطرابات أزمة الطاقة الأوروبية كانت مُربحة للغاية للبعض ومُكلفة للكثيرين، فالمستهلكون والشركات الأوروبية يدفعون ثمن الغاز الطبيعي من خلال فواتير الخدمات المرتفعة التي أجبرت بعض الشركات على الإغلاق مؤقتاً، وأثارت احتجاجات في الشوارع الأوروبية، أما الشركات العالمية فتزيد أرباحها أرباحاً.
كما تبدي كل من فرنسا وألمانيا استياءهما من الأسعار الخيالية التي تطلبها الدول الصديقة (الولايات المتحدة) لتوريد الغاز إليهما.
اقرأ أيضاً: "بوليتكو": شولتس وماكرون يهددان بالانتقام التجاري من بايدن
هل تستطيع موزمبيق والجزائر تعويض أوروبا عن الغاز الروسي؟
العقوبات الأوروبية طالت قطاعي النفط وشركات الغاز الروسية، لذلك تتطلع القارة الأوروبية إلى جلب إمدادات من الغاز المسال الذي يتم شحنه عادةً عن طريق السفن، كبديلٍ للغاز الروسي، وبالرغم من توجّه أوروبا إلى الولايات المتحدة وقطر وغيرهما من الدول فإنها إلى الآن لم تسدّ تلك الحاجة، وبدأت تبحث عن مصادر للطاقة في أفريقيا والشرق الأوسط، مثل موزمبيق والجزائر.
قبل أيام، بدأت موزمبيق تصدير الغاز الطبيعي المُسال لأول مرّة، وتوجهت أولى الشحنات في تاريخ البلاد إلى أوروبا المتعطشة للطاقة، في خطوةٍ وصفها رئيس البلاد فيليبي نيوسي بـ"التاريخية".
وأنتجت موزمبيق الغاز في محطة بحرية تديرها شركة الطاقة الإيطالية "إيني"، وغادر الغاز في سفينة شحن بريطانية إلى أوروبا، لكن وجهتها النهائية، لا تزال غير معروفة.
ووفق إدارة معلومات الطاقة الأميركية، تأمل موزمبيق التي تمتلك 100 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي إلى أن تصبح واحدة من أكبر مصدري الغاز الطبيعي في العالم، بعد اكتشافها احتياطيات الغاز في مقاطعة كابو ديلجادو الشمالية في عام 2010.
موزمبيق ثالث أكبر مالك لاحتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في أفريقيا بعد نيجيريا والجزائر أنتجت 212 مليار قدم مكعب، وصدّرت 148 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي في العام 2018.
ولكن، الأمر الذي يمكن أن يُعطّل جهود موزمبيق بأن تكون بديلاً من الغاز الروسي هو تفاقم الأزمة الداخلية فيها، وكذلك غياب القدرة على إنتاج الغاز المسال،وهذا الأمر أوقف جهود استثمار الغاز منذ 5 سنوات.
وبالانتقال إلى الجزائر، أكّد رئيس سوناطراك التنفيذي، توفيق هكار، أنّ شركته مستعدة لتزويد أوروبا بكمياتٍ إضافية من الغاز، من الفائض المتوفر لديها عبر خط أنابيب "ترانزميد" الذي يربط الجزائر بإيطاليا.
وتبلغ الطاقة الاستيعابية لخط أنابيب "ترانزميد"، الذي تديره الشركة بشكلٍ مشترك مع شركة "إي أن آي" الإيطالية، نحو 32 مليار متر مكعب في السنة، ويستحوذ السوق الطبيعي للغاز الجزائري على نحو 11% من واردات الغاز الأوروبية.
ووسط هذه الأزمة، هناك من يُشكك في قدرة الجزائر على تعويض إمدادات الغاز الروسي، نظراً إلى الفرق الهائل في إنتاج الدولتين. وزير الطاقة الجزائري السابق، عبد المجيد عطار، يصرّح لوكالة "فرانس برس" أنّ الجزائر تصدر 22 مليار متر مكعب من الغاز كحدٍ أقصى عبر خط أنابيب "ترانزميد"، وهو ما يترك قدرة استيعاب لعشرة مليارات متر مكعب أخرى.
وقال العطار، الذي عمل في السابق أيضاً رئيساً تنفيذياً لسوناطراك، إنّ الجزائر لا يمكنها "تعويض التراجع في واردات الغاز الروسية" منفردةً، قائلاً: "الجزائر يُمكنها أن تقدّم مليارين أو ثلاثة مليارات متر مكعب إضافية كحدٍ أقصى إلى أوروبا، مع العلم أنها تحتاج إلى تطوير احتياطيات جديدة من الغاز الصخري".
اقرأ أيضاً: مسؤول إيطالي للميادين: العقوبات على روسيا أدّت إلى الانكماش في أوروبا