قمة العشرين.. انقسامات أكبر من التحديات

قمة العشرين التي من شأنها مُناقشة السياسات المُتعلقة بتعزيز الاستقرار المالي الدولي، تجمع دولاً متناحرة ومتنافسة اقتصادياً وسياسياً، فكيف لها أن تفضي إلى حلول؟
  • الانقسامات الجيوسياسية تحتل القمة: مشاركة ضعيفة لروسيا ومحاولات لاحتواء الصين

لا صورة جماعية لزعماء قمة العشرين في إندونيسا. اللا صورة، هي انعكاس لواقع القمة التي تجمع دولاً متناحرة اقتصادياً وسياسياً.

تنطلق غداً الثلاثاء في جزيرة بالي الإندونيسية قمة مجموعة العشرين بمشاركة 17 رئيس دولة. تهدف هذه القمة إلى بحث أزمة الطاقة في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، ويتوقع أن تتبنى اتفاقاً يعزز مبادئ التحول إلى الطاقة النظيفة.

تشكل مجموعة العشرين، التي تتكوّن من 19 دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، ما يقرب من ثلثي سكان العالم، و85% من الناتج الاقتصادي العالمي و75% من التجارة العالمية.

يشارك 20 عضواً في المجموعة: الأرجنتين، أستراليا،  البرازيل، كندا، الصين، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، إيطاليا، كوريا الجنوبية، اليابان، المكسيك، روسيا، المملكة العربية السعودية، جنوب أفريقيا، تركيا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

بدأت مجموعة العشرين بالانعقاد عام 1999، في شكل اجتماع لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية، لتتطور لاحقاً إلى قمة سنوية يشارك فيها رؤساء الدول.

تعد قمة العشرين هذا العام، أكبر تجمع للقادة منذ بداية جائحة كورونا، وقد وضعت إندونيسيا، الدولة المضيفة، أجندة تركز على التعافي الاقتصادي من الوباء والتدابير الصحية العالمية والطاقة المستدامة.

لكن أهداف القمة تتناقض مع الخطوات العقابية التي قامت بها الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى تشارك في القمة ضد روسيا، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض تغذية أوروبا بالغاز، ودخولها في أزمة طاقة. 

وإضافة إلى الكلمات الرئيسية التي يلقيها قادة العالم، ستعقد مجموعة من المحادثات الثنائية على خلفية التوتر في دول العالم من جراء الحرب في أوكرانيا، وما أعقب ذلك من تداعيات اقتصادية عالمية، وأزمة المناخ، والبرنامج النووي لكوريا الشمالية.

الانقسامات الجيوسياسية تحتل القمة.. مشاركة ضعيفة لروسيا ومحاولات لاحتواء الصين

في حين أن شعار قمة هذا العام هو "تعافوا معاً، وبشكل أقوى"، تحتل الانقسامات الجيوسياسية مركز الصدارة.

أمِل رئيس القمة، الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، توفير قمة العشرين فرصة لبعض أكبر القوى في العالم لتنحية خلافاتهم جانباً من أجل التركيز على معالجة التحديات العالمية الملحة للمخاطر الصحية المستمرة لـجائحة كورونا، والركود الاقتصادي الذي يلوح في الأفق، والتنمية المستدامة، إلا أنّ الحرب في أوكرانيا، وما نتج منها من أزمات اقتصادية وغذائية، ألقت بظلالها على مجموعة العشرين، إضافة إلى التوتر المتصاعد بين الصين والولايات المتحدة.

وأشارت وزيرة خارجية إندونيسيا ريتنو مارسودي، في وقت سابق، إلى "صعوبة عقد القمة وسط هذا الوضع الجيوسياسي المشحون"، وقالت: "قد تكون أصعب قمة تعقدها مجموعة العشرين".

وفي السياق نفسه، أفادت صحيفة "بوليتيكو" نقلاً عن مصادر بأنّ إندونيسيا طالبت الغرب بتخفيف خطابه تجاه روسيا في قمة العشرين، لتجنب فشل التوافق على بيان ختامي.

الرئيس الإندونيسي رفض المطالبات باستبعاد روسيا عن الدعوات، وأمل في أن تكون القمة فرصة للحوار الشامل، فقام أيضاً بتوجيه دعوة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي غير العضو في القمة، إلا أن الأخير امتنع عن المشاركة حضورياً، وسيكتفي بخطاب عبر الإنترنت، أمّا روسيا فاكتفت بمشاركة وزير خارجيتها سيرغي لافروف عوضاً عن بوتين.

وقبيل انطلاق أعمال قمة العشرين، دعت روسيا المجموعة إلى وقف الحديث عن الأمن، والتركيز على المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الأكثر إلحاحاً في العالم. وقال بيان لوزارة الخارجية الروسية إنّ من المهم أن تركز مجموعة العشرين جهودها على التهديدات الحقيقية وليس الوهمية.

أصبحت قمة مجموعة العشرين والاجتماعات المرتبطة بها، في وقت سابق من هذا العام، منتدى للدول الأعضاء الأخرى للتعبير عن شكواهم ضد روسيا. في اجتماع لمجموعة العشرين في نيسان/أبريل، نظم وزراء المالية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا انسحاباً في أثناء حديث المبعوثين الروس.

في اجتماع آخر لمجموعة العشرين في تموز/يوليو لوضع الأساس لقمة هذا الأسبوع، فشل الدبلوماسيون الحاضرون في إصدار بيان جماعي معتاد. وفي أيلول/سبتمبر، انهارت أيضاً الجهود المبذولة للتوصل إلى قرارات متعددة الأطراف بشأن التعليم والمناخ بسبب إدانات الحرب في أوكرانيا.

تقارب دولي مع الصين في قمة العشرين

وفي حين تم إيلاء الكثير من الاهتمام للحضور الروسي والأوكراني، فإنّ الوجود الشخصي للرئيس الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينغ ولقاءهما اليوم الاثنين تفوق على الحدث الرئيسي. 

والتقى زعيما القوتين العظميين المتناحرتين وجهاً لوجه للمرة الأولى خلال ولاية بايدن قبل القمة اليوم، وجاء اجتماعهما وسط توتر متزايد في العلاقات بين الحكومتين بسبب الخلافات بشأن السياسة التجارية وأوكرانيا وتايوان.

أعطت قمة العشرين فرصة لبايدن وشي للقاء. اللقاء جاء في أعقاب انتخابات التجديد النصفي التي سارت بشكل مدهش بالنسبة إلى الحزب الديمقراطي، فيما حصل شي للتو على فترة ولاية ثالثة تاريخية على رأس الحزب الشيوعي الحاكم قبل أسابيع.

ورأت وكالة أنباء "بلومبيرغ" الأميركية أنّ بايدن سيسعى، خلال المباحثات مع شي، لوضع أساس لتنمية العلاقات بين واشنطن وبكين ومنع تدهور الاتصالات بين الجانبين.

ونقلت "بلومبيرغ" عن مسؤولين أميركيين قولهم إنّ بايدن "يسعى لمنع زيادة تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، كما يسعى لتقليل مخاطر الأخطاء والتفسيرات المغلوطة في التواصل بين البلدين، إذ يدرك أنّ العلاقات بين الولايات المتحدة والصين هي الأهم في نواح كثيرة بالنسبة إلى الولايات المتحدة".

إضافة إلى لقائه بايدن، سيجري الرئيس الصيني محادثات مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد أقل من أسبوعين على استضافته المستشار الألماني أولاف شولتس في بكين.

وستجري أستراليا محادثات مع الرئيس الصيني بعد فتور في العلاقات دام سنوات، على الرغم من أن بكين تشكل أكبر شريك تجاري لأستراليا.

قمة العشرين تعقد في ظل اقتصاد عالمي متأرجح

تأتي قمة هذا العام، في الوقت الذي يتجه العالم نحو ركود عالمي. البنوك المركزية في البلدان ترفع أسعار الفائدة للحد من التضخم، لكن الأسعار تكافح للعودة إلى مستويات ما قبل الوباء. 

وأفاد البنك الدولي بأن هذه الزيادات، إلى جانب ضغوط الأسواق المالية، يمكن أن تؤدي إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 0.5% العام المقبل، الأمر الذي من شأنه زعزعة استقرار الاقتصادات الكبرى، وإبطاء تخفيف حدة الفقر بشكل كبير في البلدان النامية.

وأدت الاضطرابات المتعلقة بجائحة كورونا، خصوصاً في الصين، إلى تعقيد سلاسل التوريد الدولية، ما تسبب في اختناقات في التجارة وإعاقة النشاط الاقتصادي العالمي. ويتجه العالم نحو أزمتين في الغذاء وأمن الطاقة ناجمتين عن الصراعات الإقليمية، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا، والكوارث الطبيعية التي تفاقمت بسبب تغير المناخ.

المصدر: الميادين نت