التحديات الداخلية والخارجية التي تنتظر الحكومة الإسرائيلية الجديدة
مع اقتراب رئيس حزب "الليكود"، بنيامين نتنياهو، من الحصول على مهمة تشكيل حكومة جديدة في "إسرائيل"، بعد فوز المعسكر المؤيد له في انتخابات الكنيست، التي جرت في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، تطرق خبراء إسرائيليون إلى التحديات الداخلية والخارجية التي تنتظر الحكومة الإسرائيلية الجديدة في مجالات مختلفة. وفي هذا السياق، سلّط الخبراء الضوء في قراءاتهم وكتاباتهم على هذه التحديات، التي برز منها في الساحة الداخلية، الاستقرار الحكومي ووحدة المجتمع؛ وفي الساحة الفلسطينية، المخاطر في قطاع غزة والضفة الغربية؛ وفي الساحة الخارجية، التهديد الإيراني، إضافة إلى التحديات على الساحتين اللبنانية والسورية ، والعلاقات بواشنطن، والموقف من الحرب في أوكرانيا.
1) التحديات الداخلية
الحفاظ على استقرار حكومي: أشار رئيس هيئة الأمن القومي سابقاً، والباحث الكبير في معهد أبحاث الأمن القومي مئير بن شبات، في مقال كتبه في صحيفة "إسرائيل هيوم"، إلى أنّ الحكومة المستقرة هي فرصة لـ"إسرائيل" كونها تقلل من عدم اليقين في العديد من المجالات وتسمح بالتخطيط وتوفير ميزانيات للمدى الطويل، وتثبيت عمليات التعاون والعلاقات الخارجية والحفاظ على روتين مستقر.
وأضاف بن شبات أنّ الاستقرار الحكومي له معنيان مهمان، الأول هو الإضاءة على مكانة "إسرائيل" في عيون أعدائها الذين استمدوا التشجيع من عدم الاستقرار، ورأوا فيه علامة على عملية تفكك داخلي؛ والثاني، السماح بتطوير علاقات سياسية جديدة مع دول مختلفة.
تطوير عمل الكابينيت: بحسب بن شبات، سيكون على الحكومة الجديدة تطوير عمل المجلس الوزاري المُصغّر للشؤون السياسية والأمنية - الكابينيت، وبلورة آليات على المستوى الوزاري، والتي من شأنها أن تسمح بمعالجة مروحة من القضايا التي ستواجهها الحكومة الجديدة، كالعلاقات بين الجيش والمجتمع؛ بناء قوة الجيش الإسرائيلي؛ الحفاظ على التفوق الأمني والتكنولوجي لـ"إسرائيل"؛ الاستعداد لسيناريوهات الطوارئ المدنية بما في ذلك الأوبئة؛ صياغة رؤية واستراتيجية طويلة الأمد؛ اقتصاد الطاقة الإسرائيلية والفضاء والأقمار الصناعية. ودعا "بن شبات" إلى إجراء دراسة متعمقة لنموذج "وزراء الكابينيت"، بحيث يعمل وزير أو وزيران في مكتب رئيس الحكومة، ويكونان متفرغين فقط لشؤون الكابينيت ومتابعة القضايا التي يقرر الكابينيت بشأنها.
المجتمع الإسرائيلي: أشار بن شبات إلى أنّ نتائج الانتخابات الأخيرة تدل على المكانة العالية التي يضع فيها الجمهور الإسرائيلي قضية "الحوكمة والأمن الداخلي"، وعلى التوقعات التي ينتظرها لتنفيذ خطوات تُعيد الحوكمة وتعزز الأمن الشخصي في "إسرائيل". ودعا بن شبات إلى تعزيز الخطوات الفورية لتعزيز الأمن الشخصي، عبر تسريع بناء "الحرس الوطني الإسرائيلي" وتشغيله، وإعطاء سلطات شرطية محددة لأفراده، وإضفاء الطابع المؤسساتي وتوسيع برنامج "الطريق الآمن" لمحاربة الجريمة، وتعظيم القدرات العملياتية للشاباك من خلال توسيع تفسير وظيفته التي حددها القانون، وتعزيز قدرات الشرطة ووجودها في مراكز الجريمة والعنف. وأضاف بن شبات أنّ المجتمع الإسرائيلي منقسم، والتوترات تزداد بين معسكراته، لذلك "احتمال نشوب صراع داخلي عنيف لم يعد يتم التعامل معه على أنه وهم".
التحدي الاقتصادي: لفت محلل الشؤون الاقتصاديّة في القناة الـ13 ، متان حودوروف، إلى وجود تحدٍّ آخر أمام الحكومة الجديدة هو وقف ارتفاع الأسعار. وأضاف أنّ "الامتحان الاقتصاديّ الأوّل" الذي سيواجهه نتنياهو، والذي قد يصل في وقتٍ مبكر جداً، بعد أن أعلنت مصلحة المياه رفع التعرفة في المنازل بنسبة 3.5%، وهذا الإجراء يخالف أحد وعود نتنياهو الانتخابية الأساسيّة، وهو منع رفع أسعار الكهرباء والمياه وضريبة الأملاك.
القضاء: أشارت العديد من التقارير في وسائل إعلام إسرائيلية، إلى أنّ المحكمة العليا في "إسرائيل" قد تكون في رأس أولويات الحكومة الجديدة، فهي كانت دائماً مصدر قلق لليمين الإسرائيلي والأحزاب الدينية، ويرجع ذلك إلى قراراتها بنقض أو إبطال تشريعات حكومية، أو منع تنفيذ قرارات حكومية في السابق. ولفتت التقارير إلى أنّ أعضاء الحكومة الجديدة سيسعون لتمرير "فقرة التغلب"، التي ستمكن الأغلبية في الكنيست من تجاوز قرارات المحاكم. وهذه خطوة يرى معارضوها أنها بمنزلة ضربة للديمقراطية الإسرائيلية.
وثمة نقطة إضافية ستكون موضع سجال في "إسرائيل" في الساحة القضائية، وفقاً للقناة الـ 12 في التلفزيون الإسرائيلي، هي تغيير التوازن القائم في لجنة انتخاب قضاة، إذ يُنتظر أن يسعى أعضاء الائتلاف الجديد لتغيير تشكيلة لجنة انتخاب قضاة، بشكل يعطي وزناً أكبر لرجال السياسة في اللجنة. وأضافت القناة الـ 12 أنه توجد قضايا قانونية كثيرة مُدرجة في جدول أعمال الحكومة، منها: إلغاء تهمة خيانة الأمانة (بشكل يسمح لنتنياهو إقفال ملفاته في المحاكم)؛ وإجراءات فتح النار، التي تواجه مطالب بتليينها وتخفيف القيود عليها.
2) الساحة الفلسطينية
الضفة الغربية: في مقال كتبه في صحيفة "إسرائيل هيوم"، تحدث رئيس شعبة الاستخبارات سابقاً، والمدير الحالي لمعهد أبحاث الأمن القومي اللواء احتياط، تامير هايمن، عن ضرورة الحفاظ على الواقع الحالي في الضفة الغربية بالاعتماد على وجود السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، لأنّ تفككها سيؤدي إلى إزالة الإطار الذي يفصل بين السكان، وإلى إعادة إدارة الحياة اليومية للفلسطينيين إلى "إسرائيل"، وهذا قد يؤدي إلى واقع الدولة الواحدة التي ستكون إما غير يهودية أو غير ديمقراطية.
وحذّر هايمن من أنّ استمرار سياسة عدم اتخاذ القرارات في هذه القضية، سيُزيد من عوامل تقويض السلطة الفلسطينية من الداخل. وأضاف هايمن أنه يوجد أمران يمكن أن يشعلا النار: الأول هو تغيير الوضع الراهن في الحرم القدسي؛ والثاني هو الضم الأحادي الجانب لأراض، وكلاهما يجب تجنّبه من قبل الحكومة الجديدة.
بدوره، دعا بن شبات، الحكومة الجديدة إلى "تحصين الدفاع على طول خط التماس في الضفة الغربية، وتشديد الإجراءات المضادة"، بالإضافة إلى "الاستعداد لاحتمال إجراء عملية واسعة النطاق في الضفة الغربية".
قطاع غزة: رأى بن شبات أنّ "إسرائيل" ستستمر في مواجهة معضلة كيفية الحفاظ على الهدوء في قطاع غزة من جهة، وعدم السماح بتعاظم حركة حماس من جهة أخرى. وأشار بن شبات إلى أنه يمكن للبنية التحتية التي تمّ إنشاؤها نتيجة "اتفاقات ابراهام" أن تنتج حلولاً لبعض المشاكل الأساسية في قطاع غزة، والتي لا تنطوي على إضافة مخاطر أمنية إلى "إسرائيل". ودعا بن شبات الحكومة الجديدة إلى وضع "خط أحمر" غير معلن بشأن مستوى الحد الأقصى لتعاظم ما سمّاه "العناصر الإرهابية" في قطاع غزة.
2) التحديات الخارجية
إيران: رأى بن شبات أنّ التهديد الإيراني هو أهم تحدٍ سياسي - أمني للحكومة الإسرائيلية الجديدة، وهو تهديد وجودي يتطلب المصادقة على أهداف السياسة الإسرائيلية أو تحديثها، وإدارة حملة سياسية وأمنية منسقة وحازمة لتحقيقها. وبحسب بن شبات، فإنّ تورط إيران في الحرب في أوكرانيا يوفّر فرصة للضغط على الإدارة الأميركية وأوروبا لتغيير نهجهما تجاه إيران. وأضاف أنّ مثل هذا الأمر يُمهد الطريق لاستعادة العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية ودول الخليج؛ وسيؤدي أيضاً إلى إعطاء دفعة للاحتجاجات الداخلية ضد النظام في إيران.
بدوره، اعتبر هايمن أنه نتيجة دعم إيران لروسيا، تتعزز (برأيها) حصانتها من العقوبات الغربية، وتتعطل إمكانية شنّ هجوم عسكري عليها، في الوقت الذي تواصل فيه التقدم نحو قدرات دولة عتبة نووية.
لبنان: أشار هايمن إلى أنّ لبنان يمر بأزمة تاريخية ويعيش اضطرابات يوجد في داخلها حزب الله الذي يقدم نفسه على أنه العامل الأقوى والأكثر فائدة للمجتمع اللبناني. وأضاف هايمن أنّ تقوية مكانة حزب الله الداخلية يمكن أن تقوّض ميزان الردع بين "إسرائيل" وحزب الله، الأمر الذي قد يؤدي إلى تقدير خاطئ. ولفت هايمن إلى أنه في حال جدّد حزب الله تهديداته، فسيكون على الحكومة الإسرائيلية الردّ بطريقة تعيد الردع، من دون اللجوء إلى الحرب.
سوريا: في الساحة السورية، حذّر خبراء، من أنّ "إسرائيل" مطلوب منها الاستعداد لوضع تعطي فيه روسيا إيران ثمناً في سوريا مقابل مساعداتها في حربها في أوكرانيا. لذلك، على "إسرائيل" أن تستعد وتُنسق مع الولايات المتحدة، لضمان حرية عملها الجوي، طالما أنّ إيران تواصل جهودها للتمركز في سوريا.
الحرب في أوكرانيا: أشار خبراء إلى أنّ الضغوط على نتنياهو ستزداد بعد تشكيل حكومته للتخلي عن موقف الحياد في الحرب الروسية – الأوكرانية، واتخاذ موقف واضح من هذه الحرب. وأضاف بن شبات أنه سيُطلب من نتنياهو دراسة السياسة الإسرائيلية فيما يتعلق بتقديم المساعدة إلى أوكرانيا.
الحلف مع الولايات المتحدة الأميركية: شدّد خبراء على أنّ العلاقة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية، ودعم الحزبين الأميركيين لـ"إسرائيل" هما رصيد ومصلحة عليا للأمن القومي لـ"إسرائيل". ومع ذلك، قد تحصل اختلافات في المقاربات والمواقف بين إدارة بايدن والحكومة الإسرائيلية المقبلة، حيال قضايا أساسية. ولهذا السبب بالتحديد، من المهم توثيق الخطاب والحوار الاستراتيجي بينهما.
وفي هذا السياق، دعا هايمن إلى ضرورة وضع "إسرائيل" كقضية فوق الأحزاب في الولايات المتحدة الأميركية، وفي الوقت نفسه، التأكيد على أنّ "إسرائيل" دولة مستقلة وذات سيادة، ولها هوية فريدة - يهودية وديمقراطية، وهي تستطيع أن تستخدم قوتها للدفاع عن نفسها، ولا تسمح بتعريض وجودها وأمنها للخطر.
التعاون الإقليمي: تحدث بن شبات عن تحدٍّ هام ينتظر الحكومة الجديدة، هو إمكانية إنشاء إطار إقليمي للتعاون، يضم "إسرائيل"، أساسه "اتفاقيات ابراهام"، وبالتعاون مع مصر وتركيا وقطر والسعودية. وأضاف أنّ هذا الإطار يمكن أن يؤدي إلى التخفيف من مشاكل الطاقة، وأزمة الغذاء العالمية، ومشكلة المياه ومجالات أخرى.