بالأرقام.. كيف تستغلّ شركات النفط والسلاح الأميركية الحرب الأوكرانية؟
إنّ الحرب هي أسلوب حياة الأميركيين. لقد وُلدت أميركا ونشأت لتصبح قوَة عظمى وسط الحرب والعبودية والمذابح". مقولة المؤرخ الأميركي، بول أتوود،في وصف بلاده، كفيلة في أن تسلّط الضوء على السياسة الأميركية، لكن السؤال المطروح هو: كيف تستفيد الولايات المتحدة، اقتصادياً، من هذه الحروب؟
أكثر من 200 مليار دولار أرباح منتجي النفط الأميركيين، منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفقًا لتقديرات قدمتها مؤخراً مؤسسة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، والتي كشفت جانباً من حجم المكاسب التي تحققها الشركات الأميركية من الحرب الأوكرانية، وعلى رأسها شركات النفط والسلاح.
أرباح خيالية للشركات النفطية
وصلت عائدات شركات الطاقة الأميركية، المسجَّلة في البورصة، إلى مستويات قياسية في الربعين الأخيرين، وفقاً للأرقام التي أعدتها مؤسسة "ستاندرد أند بورز". وحققت تلك الشركات، في الربعين الثاني والثالث من هذا العام، أي في الأشهر الستة التالية لبدء الحرب في أوكرانيا، عائدات بقيمة 200.24 مليار دولار،مقارنة بـ174 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، بعد أن دفعت الاضطرابات الجيوسياسية إلى ارتفاع أسعار الطاقة، وتوجه المستهلكين في أوروبا إلى تعويض انخفاض واردات النفط والغاز الروسية.
تقول الصحيفة البريطانية، إنّ هذه المؤشرات تدل على أن "الشركات العاملة في مجال استثمار النفط والغاز الصخري، تُعَدّ الأكثر ربحية في هذا القطاع". فشركة إكسون موبيل - أكبر شركة نفط في الولايات المتحدة - على سبيل المثال، حققت أرباحاً تُقدّر بنحو 43 مليار دولار في الأشهر الـ9 الأولى من العام الجاري، بارتفاع قدره 19% عن المدة نفسها من عام 2008.
والمتتبّع للتصريحات الأميركية، منذ بداية الحرب الأوكرانية وقبلها، يلاحظ السعي الأميركي الحثيث لإخراج الغاز الروسي من السوق الأوروبية، ليحل محله الغاز الأميركي المسال. فالمتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، قال صراحة، في تصريح له بداية العام، إن "مشروع خط أنابيب نورد ستريم - 2 (التيار الشمالي 2) بين روسيا وألمانيا لن يمضي قُدُماً إذا غزت روسيا أوكرانيا". وهو ما يكشف عن حرب الطاقة الدائرة بين أميركا وروسيا، وسعي كل طرف للهيمنة على السوق العالمية.
وفي قراءة سريعة للأرقام، يتبين جيداً كيف استفادت أميركا من الحرب، إذا زادت صادراتها من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا إلى مستوى قياسي. ففي الأشهر الأربعة الأولى من عام 2022، قفزت صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بنسبة 18%، من المتوسط السنوي لعام 2021. وصدّرت الولايات المتحدة 74% من إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا على مدار الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، مقارنة بـ 34% في المتوسط لعام 2021 بكامله.
ووفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإنّ أغلبية صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركية إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، مثّلت 71%، أو 8.2 مليارات قدم مكعب/اليوم، من إجمالي صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركية، بعد أن كانت تشكل 34% في العام الماضي.
وبحسب "رويترز"، فإنّ 6.4 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال صدّرتها الولايات المتحدة إلى أوروبا في شباط/فبراير الماضي، أي ما يعادل 307 مليارات قدم مكعبة من الغاز، بلغت قيمتها نحو 17.2 مليار دولار في أسواق أوروبا، بعد أن كانت ستُباع في آسيا بنحو 13.5 مليار دولار.
قفزة في الصناعات العسكرية
في الوقت الذي تطالب فيه دول أوروبا الولايات المتحدة الأمريكية بخفض أسعار الغاز باعتبارها تبيعه للقارة العجوز بأكبر من سعره بنحو 4 أضعاف، حققت شركات الطاقة الأمريكية مليارات الدولارات منذ بداية الأزمة.
وفي هذا السياق، تقول عضو الكونغرس السابقة عن ولاية هاواي، تولسي غابارد، إنّ "أرباب المجمع الصناعي - العسكري في أميركا سيربحون أموالاً في أوكرانيا، أكثر كثيراً مما ربحوا من قتالهم ضد تنظيم القاعدة"، وفق تعبيرها.
فمنذ بدء الحرب الأوكرانية، رفعت واشنطن موازنتها الدفاعية بنسبة 8%، كما طلب البنتاغون للعام المقبل رَصْدَ 133 مليار دولار من أصل 773 ملياراً، من أجل تطوير الصناعات العسكرية، وتحديداً برنامج الطائرات المسيّرة.
وشهدت أكبر 5 شركات دفاعية في الولايات المتحدة ارتفاعاً هائلاً في أسعار أسهمها. وقفز سهم شركة لوكهيد مارتن، أكبر مصنّع للأسلحة في العالم، بنسبة 28%، من 354 دولاراً أميركياً، في أوائل كانون الثاني/يناير الماضي، إلى 453 دولاراً في 25 آذار/مارس الفائت، بينما ارتفع سعر سهم شركة رايثيون تكنولوجيز أكثر من 20%. وفي الوقت نفسه، شهدت شركات مصنِّعة للسلاح، مثل نورثروب غرومان وجنرال دايناميكس، ارتفاعاً في أسعار أسمهما أيضاً.
وتقول مجلة "فيرست بوست" البريطانية إن هاتين الشركتين أصبحتا الأكثر استفادة خلال الحرب القائمة. فارتفاع منسوب التوتر في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية سيؤدي إلى ازدياد المبيعات دولياً، وفقاً للرئيس التنفيذي لـ"ريثيون"، غريغ هايز.
وفي الأسبوع الأول للحرب، باعت أميركا لأوكرانيا ما يقرب من 17 ألف صاروخ، من طرازَي "ستينغر"، المضاد للطائرات، و"جافلين"، المضاد للدبابات، وفق ما كشفت "نيويورك تايمز".
ومع مواصلة الأزمة، استغلَّت الولايات المتحدة الفرصة، وأعلنت إرسال 2000 من تلك الصواريخ إلى أوكرانيا، إلى جانب 6000 من منظومة "أ - تي 4"، السويدية الصنع، والمضادة للدروع. ثم، بعد ذلك، أتت الصفقة الأهم المتعلقة بمنظومة "ستينغر" الأميركية، المضادة للطائرات. وإلى جانب الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات، قدَّمت الولايات المتحدة إلى أوكرانيا أسطولاً من الطائرات من دون طيار، تجاوز 100 طائرة.
وقبل أيام، كشفت الولايات المتحدة تقديم حزمة مساعدات عسكرية جديدة إلى أوكرانيا، قيمتها 400 مليون دولار، بينما تشير تقارير إلى تقديم أكثر من 18.9 مليار دولار من المساعدات العسكرية إلى كييف، منذ بداية الأزمة.
أرباح خيالية تحققها الشركات الأميركية من الحرب الأوكرانية. وإطالة أمد الأزمة، بطبيعة الحال، سيصب في مصلحتها، وخصوصاً أنّ الحرب لا تجري في أراضي الولايات المتحدة. ولم يُخْفِ المستشار السابق لوزير الدفاع الأميركي، دوغلاس ماغريغور، في حديثه عن الحرب الأوكرانية، الرغبةَ الأميركية في إطالة أمدها، عبر قوله إن "واشنطن ترفض بشدة أيَّ تسوية سلمية هناك، وتريد مواصلة القتال".
بناءً عليه، فإنّ استغلال أميركا للأزمة الأوكرانية، بهدف جني الأرباح الاقتصادية، ليس سوى استكمال لباعٍ طويل في تاريخ تصدير الأزمات ومشاريع الفوضى إلى مختلف دول العالم، انطلاقاً من مبدأ "أميركا أولاً".