الانتخابات النصفية الأميركية: التفاعل بين الأزمات الاجتماعية والانقسام السياسي
عادةً ما ينظر صانعو السياسات إلى انتخابات التجديد النصفي التي تحدث بالتزامن مع منتصف فترة ولاية الرئيس التي تبلغ أربع سنوات، على أنها استفتاء على حزب الرئيس.
وفي حين أن الاقتصاد كان العامل الأكثر إلحاحاً لدى المواطنين الأميركيين، إلا أن المشاكل الاجتماعية أعادت تشكيل الموسم السياسي، مع توقعات بنتائج غير مؤكدة.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته "كوينيبياك" الشهر الماضي أن 34% من جميع الناخبين صنفوا التضخم على أنه القضية الأكثر إلحاحاً التي تواجه البلاد اليوم. وصنف الناخبون العنف المسلح في المرتبة الثانية (12%)، في الوقت الذي لم تصل أي مشكلة أخرى إلى رقمين.
ومع ذلك، إذا أخذ الأمر بشكل منفصل، فإن أولويات الديمقراطيين والجمهوريين تتغير. ويظهر الاستطلاع أنه بين الجمهوريين، يحتل التضخم (48%) المرتبة الأولى، يليه الهجرة (16%)، مع عدم وجود قضية أخرى تصل إلى خانة العشرات.
اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة: خطر "الكذبة الكبيرة" يخيم على انتخابات التجديد النصفي
أما من جهة الديمقراطيين، يحتل العنف المسلح (22%) المرتبة الأولى، يليه الإجهاض (14%)، والتضخم (14%)، وقوانين الانتخابات (12%)، وتغير المناخ (11%).
وبين المستقلين، يحتل التضخم (41%) المرتبة الأولى دون أن تصل أي قضية أخرى إلى رقمين.
ويظهر استطلاع حديث أجرته مؤسسة "غالوب" أيضاً أن الاقتصاد سوف يؤثر بشكل كبير على عقول الناخبين في صناديق الاقتراع. ووفقاً للمؤسسة، يقول 85% من البالغين في الولايات المتحدة إن الاقتصاد مهم للغاية. ومع ذلك، فإن العنف المسلح ليس بعيداً عن الركب. فوفقاً لنفس الاستطلاع، يقول 80% من البالغين الأميركيين إن القضية مهمة للغاية لتصويتهم.
وفي الوقت الذي تسير فيه الولايات المتحدة نحو 8 تشرين الثاني/نوفمبر موعد الانتخابات، تتصدر العناوين الاجتماعية التي تطال المواطن أولاً عناوين الحملات الانتخابية المعلنة وغير المعلنة، وتلقي نظرةً على ثلاث قضايا رئيسية: تقيّد الولايات أو تحظر الوصول إلى الإجهاض، ارتفاع جرائم الكراهية بشكل كبير، والاستفادة من استخدام العنصرية لمصلحة كل حزب.
الإجهاض مادة للاستقطاب
كان لقرار المحكمة الأميركية العليا في منع حقّ المرأة في الإجهاض "وقع مزلزل" على الشارع الأميركي إذ تعتبر واحدة من أكثر القضايا إثارةً للانقسام في المشهد السياسي الأميركي.
وألغت المحكمة القرار التاريخي المعروف باسم "رو ضد وايد"، والذي صدر عام 1973 ليكرّس حق المرأة في الإجهاض. وقالت إنّ "في إمكان كل ولاية أن تسمح بالإجراء أو أن تقيّده كما ترى"، كما كان سائداً قبل سبعينيات القرن الماضي.
سريعاً، وبعد القرار وجَّه بادين، كلمةً إلى الأميركيين، وهو اجراء لا يحدث الا في قضايا مهمة. أكّد على إثرها أنّه "على الكونغرس أن يتدخّل في تشريع قانون يحمي حقوق المرأة في الاختيار. والطريقة الوحيدة لحماية حق المرأة في الاختيار هي عبر الكونغرس، ولا يمكن للرئيس أن يقوم بذلك عبر قرار رئاسي".
اقرأ أيضاً: هل يتحول "قانون الإجهاض" في الولايات المتحدة مادة للاستقطاب السياسي؟
في المقابل، اعتبر دونالد ترامب الجمهوري، قرار المحكمة أكبر انتصار للحياة، والذي أصبح ممكناً بفضل قراره ترشيح 3 من أصل 9 قضاة في المحكمة العليا، أمّا بايدن فاعتبر أن معركته المقبلة ستكون في "الكونغرس الجديد" بشأن هذا الأمر، وأن هذا الموضوع سيكون من بين أهم القضايا لجذب ناخبيه، خصوصاً في 3 ولايات تحتدم فيها معركة الانتخابات: بنسلفانيا وأريزونا وجورجيا.
وأعطى الحكم الديمقراطيين زخماً، كما حدث هذا الصيف، عندما رفض الناخبون في كانساس إجراء اقتراعاً لتجريد حماية الإجهاض على مستوى الولاية.
وجاءت هذه الخطوة غير المتوقعة في ولاية ذات ميول جمهورية، بعد أقل من شهرين من قرار المحكمة العليا، وعكست نسبة الإقبال المرتفعة بشكل غير عادي على التصويت، ما يأمل الديمقراطيون أن يكون مؤشراً على ما سيحدث في الشهر المقبل. وفي الواقع، يقول الديمقراطيون إن تسجيل الناخبين الجدد في جميع أنحاء البلاد قد ارتفع منذ هذا الصيف، وخاصةً بين النساء، المعنيين بشكل مباشر بهذه القضية.
وفي الولايات المتحدة بشكل عام، هناك عدد أكبر من النساء مقارنةً بالرجال. 167.500.000 امرأة مقارنة ب 164.380.000 رجل. وعلى سبيل المثال، في ولاية بنسلفانيا، بلغ عدد المشاركين في انتخاباتها الأخيرة ها 6.924.558، وهو ما يعد إقبالاً قياسياً. كما أنه وفقاً لاستطلاعات الرأي، كان 52٪ من هؤلاء الناخبين من النساء. ومن شأن تحول 3٪ فقط من أصوات النساء أن يساوي 108.025 صوتاً، وهو ما قد يغير النتيجة النهائية بين بايدن وترامب.
ووفقاً لـ "أوبن سيكرتس" (OpenSecrets)، ونظراً لأهمية الملف لدى الديمقراطيين، شهدت ولاية بنسلفانيا، أكثر من 121 مليون دولار من إجمالي المساهمات التفصيلية خلال انتخابات التجديد النصفي لهذا العام. وهذه واحدة من أعلى الأرقام في البلاد.
ولأن هذا الملف بلغ أشده لدى حزب بايدن، أغرق الديمقراطيون بأموالهم الإعلانات المتعلقة بالإجهاض في السباقات في جميع أنحاء البلاد. ووفقاً لتحليل أجرته وكالة "أسوشيتد برس" في منتصف أيلول/سبتمبر، أنفق الحزب 124 مليون دولار فقط في إعلانات تلفزيونية تشير إلى الإجهاض. هذه زيادة كبيرة عن عام 2018. وقتها، أنفقوا حوالي 6 ملايين دولار فقط في الإعلانات التلفزيونية المتعلقة بهذا الموضوع.
وقد أدَّت هذه القضية إلى ارتفاع أمل الديمقراطيين في أن تساعدهم على عكس الاتجاه الواقع حالياً، خصوصاً مع خسارة شعبية بايدن، وارتفاع التضخم.
اقرأ أيضاً: الانقسام الديني في الولايات المتحدة: لا علاقة للدّين!
الجرائم تفتك.. بشعبية بايدن
قال أكثر من ثلاثة أرباع الناخبين إن جرائم العنف تمثل مشكلة رئيسية في الولايات المتحدة، وفقاً لاستطلاع أجرته "بوليتيكو/مورنينج كونسلت"، مما يوضح لماذا أصبحت القضية مفتاحاً للمعركة من أجل السيطرة على الكونغرس هذا الخريف.
وتثبت الجريمة والسلامة العامة، أنهما مزيج قوي من القضايا في انتخابات التجديد النصفي، حيث يعتبر الجمهوريون أن الديمقراطيين يتحملون مسؤولية ارتفاع نسب الجريمة.
ومن بنسلفانيا إلى نيو مكسيكو إلى أوهايو، يبث الجمهوريون إعلانات من مبنىً إلى آخر تهاجم الديمقراطيين لكونهم "ليبراليين بشكل خطير بشأن الجريمة".
هذه الإعلانات تدور بشكل مكثف في مناطق الضواحي، كجزء من استراتيجية الحزب الجمهوري التي تهدف إلى تحويل المحادثة بعيداً عن سياسات الإجهاض، والتي وضعت الجمهوريين في الدفاع منذ أن ألغت المحكمة العليا قضية "رو ضد ويد". وبدلاً من ذلك، يميل الجمهوريون إلى المخاوف التي تتجلى في الاستطلاع. قال حوالي ثلاثة أرباع المستطلعين إن جرائم العنف تتزايد على المستوى الوطني، في حين قال 88% إن جرائم العنف إما أن تزداد أو تبقى كما هي في مجتمعاتهم.
وفي الاستطلاع، قال 60% إن الجريمة ستلعب دوراً رئيسياً في تحديد من سيصوتون له، ولا تتجاوزها سوى المخاوف الاقتصادية والوصول إلى الإجهاض. وعليه، فإن هذه القضية تصب في مصلحة الجمهوريين، الذين عرفوا، من خلال حملات مكثفة، كيفية استفادتهم منها، وبأرقام رسمية.
فوفقاً للبيانات الصادرة عن مكتب التحقيقات الفيدرالي، زاد عدد جرائم القتل هذا العام بأكثر من 4٪ مقارنةً بعام 2021. وشهدت بعض المدن الأميركية الكبرى ارتفاعاً حاداً. كما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز" أن 37 مدينة في جميع أنحاء الولايات المتحدة زادت نسبة جرائم القتل فيها بـ18٪ مقارنةً بالفترة الزمنية نفسها من عام 2020.
اقرأ أيضاً: "ذا غارديان": الولايات المتحدة مبنيّة على عقد اجتماعي عنصري
العنصرية يُستفاد منها.. انتخابياً
في حين أن الحزبية والأيديولوجية لا تزالان لهما أهمية قصوى عندما يتعلق الأمر باختيار التصويت، إلا أنه لا يمكن التغاضي عن تأثير المواقف العرقية داخل الولايات المتحدة.
فالصراع العنصري هناك، يتم استغلاله بشكل كبير بين الحزبين، حسب ما قال كريستوفر ستاوت، الأستاذ بجامعة ولاية أوريغون ومؤلف كتابين عن السياسة العرقية، والذي اعتبر أن "هناك طريقة خفية لتحويل الناخبين بعيداً عن الديمقراطيين، حيث ينظر الجمهوريون إلى ذلك كوسيلة لاستعادة بعض الناخبين المقنعين".
ومع احتدام الحملة في الأسابيع الأخيرة، ارتفعت النداءات العلنية التي تروج للعنصرية. ويبدو أن "التصريحات السامة" تلقى معارضةً أقل من الجمهوريين مقارنةً بالسنوات الماضية، مما يشير إلى أن بعض المرشحين في الدورة الانتخابية الأولى قد تأثروا بمثال ترامب الذي كسر المعايير في هذا النحو تحديداً. ومثال على ذلك، ما قاله السيناتور الجمهوري تومي توبرفيل، من ولاية ألاباما أمام تجمع حاشد "أن السود مجرمون".
تصريح توبرفيل أخذ ضجةً كبيرة على وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. وحسب المحللين، فإن اللعب على وتر القوميات الموجودة، هو طريقة "شنيعة وغامضة لجذب الناخبين" الذين يلومون الأقليات العرقية على الجريمة، أو مثلاُ لا يريدون شخصاً "أسوداً" يمثلهم في واشنطن.
"عندما يقول ديمقراطي شيئاً عنصرياً أو معادياً للسامية، فإننا نحاسب الديمقراطيين"، قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير. ثم عقبَّت: "عندما يقول جمهوري شيئاً عنصرياً أو معادياً للسامية، يتم احتضانه من قبل حشود مبتهجة". بهذا التصريح تحديداً، لم تنف جان بيير عن حزبها تهم العنصرية، بل عززته، وأكدت أنه هناك محاسبة بعد هذا الفعل.
ففي وقت سابق من هذا الشهر، استخدم ترامب لغة عنصرية في الإشارة إلى إلين تشاو، وزيرة النقل السابقة المولودة في تايوان وزوجة زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، إذ وصفها بـ "كوكو تشاو". هذا الكلام، قوبل بصمت نسبي من قبل الجمهوريين الحريصين على تجنب معركة مع الرئيس السابق بسبب انتخابات التجديد النصفي. واستخدم ترامب ومعه الجمهوريون هذا النهج، ومن المتوقع استخدامه مرةً أخرى.
والآن، مع وجود صعوبات في حل الأزمة الاقتصادية الحالية، سيزداد تصدر الأزمات الاجتماعية وبشكل مقصود للواجهة، من قبل الخصمين "الجمهوري" و"الديمقراطي"، وهذا ما يهدد بتعميق تلك الأزمات وتحولها إلى اشتباك أهلي مع الانقسام العامودي، ومن خلال الحشد والحشد المقابل.
اقرأ أيضاً: "الغارديان": الولايات المتحدة قد تكون على شفا حرب أهلية