كيف يكون زر الإعجاب وإعادة النشر طريقاً إلى السجون السعودية؟
قررت محكمة سعودية سجن الطبيبة التونسية مهدية المرزوقي 15 عاماً بتهمة "الإساءة إلى نظام الحكم"، بعدما أبدت تفاعلها بفيديو منشور في موقع "تويتر" لمسيرات مؤيدة لـ"حزب الله" في العاصمة التونسية.
عمل الطبيبة 15 عاماً في السعودية لم يشفع لها ولم يخفّف الحكم عليها، إذ كانت التهمة جاهزة وهي "التعدي على نظام الدولة"، وبحسب شقيقها نضال المرزوقي فإنّ الطبيبة مهدية (قابلة قانونية)، اعتقلت في 25 تموز/يوليو 2020، فقد سجّلت أول مكالمة لهم معها في 21 آب/أغسطس من العام نفسه.
— Chiheb Boughedir (@ChihebDidi) October 21, 2022
ما تعرّضت له الطبيبة التونسية بات خبز السلطات السعودية اليومي، لناحية تبني سياسة تغليظ الأحكام على الناشطين والمغردين؛ وفي هذا السياق نذكّر بقضية سعد إبراهيم الماضي البالغ (72 عاماً) الأميركي من أصل سعودي الذي عوقب بالسجن في السعودية، بسبب تغريدات تحدّث فيها عن الحرب على اليمن واغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وحُكم على الماضي، في مطلع هذا الشهر، بالسجن 16 عاماً مع منعه من السفر بعدها مدّةً مماثلة، وفق ما أوضح ابنه إبراهيم الذي كشف عن قضية والده هذا الأسبوع، منتقداً إخفاق المسؤولين الأميركيين في الإفراج عنه.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فإنّ الماضي اعتقل بسبب 14 تغريدة نُشرت على حسابه في تويتر على مدار السنوات السبع الماضية، وأشارت إحدى التغريدات المستشهد بها إلى الصحافي السعودي جمال خاشقجي، الذي قتل في قنصلية بلاده بإسطنبول التركية عام 2018. وانتقدت تغريدات أخرى سياسات "الحكومة السعودية" والفساد في النظام السعودي.
وكشف ابن سعد إبراهيم الماضي أنّ "الحكومة السعودية" عذّبت والده في السجن، ووجهت السعودية إلى الماضي اتهامات باعتناق أيديولوجية إرهابية ومحاولة زعزعة استقرار المملكة ودعم الإرهاب وتمويله. كما وُجِّهَت إليه تهمة عدم الإبلاغ عن الإرهاب وهي تهمة تتعلق بتغريدات نشرها إبراهيم عبر حسابٍ منفصل.
ضحية جديدة من ضحابا بطش نظام ابن سلمان
— mo zm (@mozm76680518) October 20, 2022
سعد إبراهيم الماضي مواطن سعودي أمريكي يعمل في أمريكا جاء لزيارة أهله في الرياض لتعتقله السلطات بسبب تغريدات سابقة له على تويتر، وحُكم عليه بالسجن 16 عامًا ومثلها منعًا من السفر!
عمره الآن 72 عامًا، سيتمكن من الرجوع لأمريكا بعمر 104 سنة! pic.twitter.com/mtYg7GRnQM
أطول مدّة محكومية في حق الناشطين
وصدر عن محكمة الاسئناف الجزائية المتخصصة حكم بسجن المعتقلة نورة القحطاني 45 سنة ومثلها منعاً من السفر. والقحطاني، امرأة تبلغ من العمر 49 عاماً، اعتقلت في الـ4 من تموز/يوليو 2021، وحكمت عليها "المحكمة الجزائية المتخصصة" في شهر شباط/فبراير 2022 بالسجن 13 سنة، وبعد إطلاق سراحها حُكم عليها بالسجن 13 سنة أخرى منعاً من السفر.
واستندت المحكمة في هذا الحكم إلى التهم المزعومة التي وُجّهت إلى نورة القحطاني بما في ذلك التحريض على المشاركة في نشاطات مَن يسعون للإخلال بالنظام العام وزعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة، ونشر تغريدات كاذبة ومغرضة، وتأييد فكر مَن يسعون للإخلال بالنظام العام وزعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة وتعريض وحدتها للخطر ومتابعتهم ونشر مشاركاتهم، والانضمام إلى مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" تسعى إلى الغرض نفسه، ومتابعتهم على يوتيوب، والمطالبة بإطلاق سراح معتقلين وحيازتها كتاباً ممنوعاً.
ولكن محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة في الـ9 من آب/أغسطس الماضي أيّدت الأحكام السابقة، وأضافت تهماً أخرى هي: إعداد وإرسال وتخزين ما من شأنه المس بالنظام العام عبر الشبكة المعلوماتية، والسعي لزعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية والإخلال بتماسك المجتمع ونظامه العام.
وزادت الاستئناف الحكم إلى 45 سنة سجناً، ومثلها (45 سنة) منعاً من السفر بعد إطلاق سراحها، وهذه الأحكام أتت كالآتي: 43 سنة استندت إلى مواد مختلفة من نظام مكافحة الإرهاب وتمويله، وسنة استناداً إلى المادة الـ6 من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، وسنة تعزيراً.
مفوضية حقوق الإنسان تشعر بالهلع إزاء حكم بسجن الطالبة سلمى الشهاب
ويأتي الحكم الجديد على القحطاني بعد 3 أسابيع من الحكم بسَجن طالبة الدكتوراه في جامعة ليدز البريطانية، سلمى الشهاب 34 عاماً، وحظر السفر 34 عاماً أخرى، بسبب إدانتها في الاستئناف بتهم "تقديم الإعانة" إلى معارضين يسعون "لزعزعة استقرار الدولة"، بسبب تغريدات وإعادة تغريدات في تويتر.
حكم السلطات السعودية على الشهاب دفع المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة، ليز ثروسيل إلى مطالبة المملكة بإلغاء الإدانة بحق الشهاب والإفراج عنها فوراً، من دون قيدٍ ولا شرط، مشيرةً إلى أنّه "ما كان ينبغي القبض عليها واتهامها في المقام الأول بمثل هذا السلوك".
وأضافت ثروسيل أن هذا الحكم يُعدّ "مثالاً آخر على قيام السلطات السعودية باستخدام قوانين مكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية في البلاد كسلاح بغرض الاستهداف والترهيب والانتقام من المدافعين عن حقوق الإنسان والأصوات المعارضة".
ودعت الأمم المتحدة الحكومة السعودية لوضع إطار تشريعي قوي يتماشى وشرعة حقوق الإنسان لدعم الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات.
وقع 400 أكاديمي وباحث وطالب من الجامعات البريطانية، على رسالة تدعو فيها الحكومة البريطانية، لاتخاذ خطوات جادة وعاجلة للإفراج عن الناشطة السعودية “سلمى الشهاب”.
— معًا من أجل العدالة (@taj_rights) October 14, 2022
تعرف أكثر: https://t.co/S1RvVdyDES pic.twitter.com/qBlEH1SlSy
رئيسة قسم الرصد والتواصل في منظمة "القسط" لحقوق الإنسان، ومقرّها في لندن، لين الهذلول قالت إنّ "هذا الحكم الفظيع بالسجن يكشف استهزاء السلطات السعودية، وعدم جديتها في ادعاءات الإصلاح وتغيير الأنظمة والقوانين لمصلحة النساء، ويبين عزمها على إنزال أشدّ العقوبات بمَن يعبّرون عن آرائهم بحرّية".
ولا تُعدّ الشهاب ناشطة بارزة، ويتابع حسابها على تويتر نحو 2600 متابع، وكانت تغريداتها تتعلق بالدفاع عن حقوق النساء في المملكة.
واشنطن تتغاضى عن الانتهاكات تحقيقاً لمصلحتها
وفيما يتعلق بالأحكام السعودية على الناشطين، وصمت الولايات المتحدة عن هذه الانتهاكات، قالت الناشطة في مجال حقوق الإنسان الدكتورة حصة الماضي في مقابلة مع الميادين نت إنّ "محاكم ناشطي الرأي تفتقر إلى أدنى معايير المحاكمة العادلة، فالقضاة يُعينون من الملك، لذلك نحن كناشطين في حقوق الإنسان لا نعترف بهذه الأحكام".
وأشارت الماضي إلى أنّه في الأشهر الأخيرة ازداد قمع الناشطين وكذلك عدد سنوات السجن مقارنة بها في السنوات السابقة، وكان لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للسعودية ولقاء ولي العهد محمد بن سلمان أثر في ذلك، وكأنّ بايدن أعطى ابن سلمان الشرعية في قمع الناشطين.
ولفتت الناشطة في مجال حقوق الإنسان إلى أنّ "الصمت الأميركي سببه أن واشنطن تفضّل مصلحتها على مصلحة حقوق الإنسان في السعودية"، مضيفةً أنّ "ازياد القمع هو لترهيب وإخافة الشعب".
وعن دور المنظمات الحقوقية، أوضحت الماضي أنّ "المنظمات لا تستطيع أن تدافع عن أي معتقل إلا بعد أن تأخذ تفويضاً ومعلومات مؤكدة من ذوي المعتقل، فهذه المنظمات تكون صلة وصل بين ذوي المعتقل والأمم المتحدة التي بدورها تخاطب السلطات السعودية"، متابعةً: السلطات السعودية يمكن أن ترد أو أن تتغاضى عن الرد للأمم المتحدة.
في خضمّ الانتقاد الدولي لسجلها الحقوقي، حاولت السعودية تلميع صورتها بإعلان بعض الإصلاحات في الأعوام الأخيرة، فقد أصدرت السلطات عام 2020 أمراً ملكياً عنوانه العريض إنهاء تطبيق حكم الإعدام، ولكن ضمنه ثغراتٌ تترك للقضاة منافذ عدّة لفعل ذلك، إذ أعدمت 81 شخصاً دفعةً واحدة في آذار/مارس عام 2022 بتهم متعددة.