آليات الرأسمالية أسقطت تراس وكوارتنغ .. هل يكونان آخر "التاتشريين"؟
ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، في مقال، أنّ رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس ووزير ماليتها السابق، كواسي كوارتنغ، "قد يكونان آخر أتباع تاتشر (نسبةً إلى رئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر)، الذين هُزموا من قبل النظام نفسه الذي اعتقدوا أنهم كانوا مخلصين له".
وقالت الصحيفة إنّه "بدافع من الإيمان بنسخة خيالية من السوق الحرة، أطلقت تراس سلسلة من الإجراءات التي أجبرتها على إقالة وزير الخزانة كواسي كوارتنغ، وقادتها إلى حافة الإطاحة بها".
اقرأ أيضاً: بريطانيا: برلمانيون من المحافظين يعتزمون إطاحة رئيسة الوزراء
وأشارت الصحيفة إلى أنّ هذه الإجراءات أدّت إلى"انخفاض الجنيه الإسترليني إلى أدنى قيمة له مقابل الدولار، واضطر بنك إنكلترا إلى التدخل"، مضيفةً أنّ "مخاطر الأزمة كانت بحجم عالمي، والأغرب من ذلك كله، أنّ ذلك جرى بشكل مقصود، في عمل متهور لسياسة متعمدة".
وبحسب الصحيفة، فإنّ "هناك شيئاً مأساوياً، بشأن الثوريين الرأسماليين، فتراس وكوارتنغ، أسقطتهما آليات الرأسمالية نفسها"، معتبرةً أنّه "قد تكون تراس وكوارتنغ آخر التاتشريين الذين هزمهم النظام الذي اعتقدوا أنهم كانوا يتصرفون بإخلاص تجاهه".
اقرأ أيضاً: بريطانيا أمام خطر انتكاسة اقتصادية أسوأ من أزمة عام 2008
وأوضحت أنّ " نشأة الأيديولوجية التي عُرفت بالتاتشرية بدأت في السبعينيات.. تم تعريف التاتشرية في وقت مبكر بأنها الإيمان بـالاقتصاد الحر والدولة القوية، وقد دانت اقتصاد الرفاهية البريطاني في فترة ما بعد الحرب، وسعت إلى استبداله بفضائل المشروع الفردي والأخلاق الدينية".
وتابعت: "على مدى العقود الأربعة اللاحقة، وصف التاتشريون في مراكز الفكر النضال ضد كل من حزب العمال والتوسع الاشتراكي في العالم الشيوعي وغير الشيوعي بأنه حرب أفكار".
وأشارت إلى أنّ "الاختراق في حرب الأفكار حدث عام 1979 مع انتخاب تاتشر، تلاه انتخاب رونالد ريغان في العام التالي"، لافتةً إلى أنّ "الأفكار التي أنتجتها مؤسسات الفكر والرأي، من الخصخصة إلى تفكك النقابات، حصلت على ربيع للتطبيق في الثمانينيات، لكن التاتشرية لم تتحقق بالكامل أبداً، وظلت ممزقة بالتناقضات".
وأضافت: "عزا العديد من المؤمنين الحقيقيين بتاتشر انحراف مشروعها عن مساره إلى صعود الاتحاد الأوروبي، الذي أدى في نظرهم إلى تشابك موطن الليبرالية الكلاسيكية في الشريط الأحمر للقانون الأوروبي".
وبيّنت الصحيفة أنّه "بعد أن فقدت تاتشر القيادة في عام 1990، استمرت في التذمر من المقاعد الخلفية، ومعاداة الاتحاد الأوروبي ووجدت الراحة مع مجموعة من المحافظين المتشددين".
ولفتت إلى أنّ "هؤلاء التاتشريين اكتسبوا دماءً جديدة في عام 2010 بمجموعة من ضمنهم تراس، وحاولوا إعادة تمهيد أيديولوجية تاتشر للألفية الجديدة"، معتبرةً أنّهم "اتّبعوا معبودتهم ليس فقط في عدائها للعمل المنظم، ولكن أيضاً في افتتانها بالرأسمالية الآسيوية".
وأضافت "نيويورك تايمز": "يبدو أنّ تراس وكوارتنغ قد اعتقدا أنه من خلال ترقيع كل السياسات الأكثر تطرفاً في التاتشرية سيخلقان نوعاً من التعويذة السحرية".
وأردفت قائلةً: "كانت هذه لحظة ريغان الخاصة بهما، لكنّها بعد كل شيء كانت لحظة ريغان بدون الدولار، وبدون الثقة الممنوحة لعملة الاحتياط العالمية.. انخفض الجنيه الإسترليني".
وخلُصت الصحيفة بالقول إنّه "من السابق لأوانه الحكم على ما إذا كانت التاتشرية نفسها قد ماتت.. الأديان السياسية لها حياة طويلة".
اقرأ أيضاً: سياسة بريطانيا في عهد تراس: تخبّط داخلي وتصدير أزمات إلى الخارج
يُشار إلى أنّ تراس، عيّنت في 15 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، وزير الصحة والخارجية السابق جيريمي هانت وزيراً للمال في بريطانيا، بعد إقالتها وزير المال كواسي كوارتنغ من منصبه.
وفي مطلع الشهر الجاري، أسقطت الحكومة البريطانية خططاً لخفض ضريبة الدخل المرتفع، كجزء من حزمة من التخفيضات غير الممولة التي أثارت اضطرابات في الأسواق المالية، ودفعت الجنيه الإسترليني إلى مستويات منخفضة قياسية.