احتجاجات فرنسا ضد "رئيس الأثرياء".. أزمة اقتصادية بمفاعيل سياسية

وسط تضخم هو الأعلى منذ عقود في فرنسا، تبدأ النقابات العمالية إضراباً عاماً في البلاد، احتجاجاً على الغلاء المعيشي وللمطالبة بزيادة الرواتب. إلى أي درجة تعكس احتجاجات فرنسا حجم الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمتين؟
  • احتجاجات فرنسا ضد "رئيس الأثرياء".. أزمة اقتصادية بمفاعيل سياسية

تتواصل التظاهرات في المدن الفرنسية بمشاركة عشرات آلاف الأشخاص، احتجاجاً على "المعيشة الباهظة الثمن"، ومن أجل "رفع الأجور". وبدعوة من اليسار الفرنسي، على رأسه زعيم حزب "فرنسا الأبية"، جان لوك ميلينشون.

وبدأت النقابات العمالية، اليوم الثلاثاء، في فرنسا إضراباً عاماً، للمطالبة بزيادة الرواتب، وسط التضخم الأعلى الذي تواجهه البلاد منذ عقود، ليواجه الرئيس إيمانويل ماكرون أحد أصعب التحديات منذ انتخابه لولاية ثانية في أيار/مايو الماضي.

وسيشمل الإضراب في المقام الأول  القطاعات العامة مثل المدارس والنقل، امتداداً لإضراب مستمر منذ أسابيع، والذي عطّل مصافي التكرير الرئيسية في فرنسا، وعرقل الإمدادات لمحطات الوقود.

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

ويأمل زعماء النقابات العمالية من خلال الإضراب أن يتحرك الموظفون بسبب قرار الحكومة إجبار بعضهم على العودة إلى العمل في مستودعات البنزين، لمحاولة إعادة تدفّقات الوقود، وهي خطوة يقول البعض إنّها تعرّض الحق في الإضراب إلى الخطر.

ودعت "الكونفدرالية العامة للشغل" بشكل خاص، إلى إضراب مستمر للأسبوع الرابع في منشآت لشركة "توتال إنرجيز"، بالرغم من توصّل شركة النفط إلى اتفاق مع نقابات عمالية أخرى، يوم الجمعة، يشمل زيادة الرواتب بنسبة 7% ومكافأة.

فيما تطالب "الكونفدرالية العامة للشغل" بزيادة الأجور بنسبة 10%، مشيرةً إلى التضخم والأرباح الضخمة للشركة.

إقرأ أيضاً: رئيسة حكومة فرنسا: مشكلة انخفاض إمدادات الوقود مستمرة بسبب الإضراب

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

موفد الميادين إلى باريس أكد أنّ "النقابات الفرنسية لا تستبعد اللجوء الى احتجاجات واسعة وتظاهرات شعبية ضد السياسات الاقتصادية الحكومية"، مشيراً إلى أنّ "المتظاهرين طالبوا برفع الرواتب لتتماشى مع مستوى التضخم حفاظاً على القدرة الشرائية للفرنسيين".

وتأتي هذه التحركات غداة تظاهرة ضد "غلاء المعيشة" نظمتها الأحزاب اليسارية ومنها "فرنسا الأبية" في باريس. وبلغ عدد المشاركين فيها 140 ألف شخص.

إقرأ أيضاً: تباطؤ نمو إجمالي الناتج المحلي في فرنسا للربع الثالث من العام

ماكرون "رئيساً للأثرياء"

رئيس العلاقات الدولية لـ "فرنسا الأبية"، وعضو مكتب زعيم الحزب جان لوك ميلينشون، كريستيان رودريكيز ألفاريس، أوضح للميادين نت أنّه "في فترة ولاية ماكرون الأولى، وجد الحزب نفسه مع حركة السترات الصفراء كتعبيرٍ عن رفض السياسة النيوليبرالية التي بدأت الحكومة في تنفيذها، ثمّ جاء استفزاز إصلاح المتقاعدين، حين تشكلت حركة رفض ضخمة لسياسات ماكرون، ثمّ وباء كورونا".

وأضاف ألفاريس أنّ "السترات الصفر، تشكلت مع بداية ولاية ماكرون الثانية، بالتزامن مع ارتفاع الأسعار، للمطالبة  بزيادة الأجور، وتوزيع الأرباح، نظراً إلى  الفوائد الضخمة التي يجنيها، كما هي الحال مع توتال حيث يكسب الرئيس والمساهمون فيها آلاف اليورو من دون مشاركة أي أحد".

إقرأ أيضاً: "حرب داخلية".. فرنسا أمام موجة من الإضرابات والاحتجاجات

وعند سؤاله عن حاجة فرنسا إلى خيارات بديلة في الحكم بشكل كامل، لفت المستشار في مكتب ميلينشون إلى أنّ "الاتحاد الشعبي الإيكولوجي والاجتماعي الجديد هو البديل الحقيقي لسياسة ماكرون".

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

وفند ألفاريس الواقع على الشكل التالي: "هناك 3 قوى في فرنسا، الليبرالية لإيمانويل ماكرون، واليمين المتطرف العنصري والمعادي للأجانب لمارين لوبان، وغالباً ما تصوت هاتان القوتان معاً، على سبيل المثال، معارضتهما إعادة فرض ضريبة على الأغنياء أو زيادة الأجور".

أما القوة الثالثة بحسب ألفاريس، فهي "البديل أي اليسار البيئي والاجتماعي، الذي جاء في المرتبة الأولى في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الأخيرة".

وعن سياسة ماكرون في الداخل وكيفية معالجته للأزمات، يجيب رئيس العلاقات الدولية لـ"فرنسا الأبية" أنّه "لأكثر من 5 سنوات، كان ماكرون رئيساً للأثرياء، وسياسته هي تقديم الهدايا للأثرياء، من دون مراعاة الأفقر".

وبيّن أنّ "الأغنياء الذين تقدر نسبتهم بـ 1% في فرنسا جنوا الكثير من المال في عهده"، مضيفاً أنّه "في الوقت نفسه هناك 9 ملايين فقير و8 ملايين شخص يتلقون مساعدات غذائية".

وأكد ألفاريس للميادين نت، أنّ "الفرنسيين يعرفون جيداً أنّ هناك مشكلة، وهم يطالبون بذلك في الغالب"، وما مطالب الاحتجاجات الأخيرة برفع الحد الأدنى للأجور، وفرض ضرائب على الأرباح الفائقة، وإعادة الخدمات العامة "إلا دليل على وعيهم بهذه المشكلات".

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

خضوع للاقتصادين الألماني والأميركي

المستشار السابق في العلاقات الدولية في وزارة الخارجية الفرنسية، آلان كورفيز،  أوضح للميادين نت  أن الأزمة الفرنسية الحالية، ترتبط بسياسات الرئيس الفرنسي، وليس بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

وذكر كورفيز أنّ "بعض النقابات الفرنسية يريد استغلال استياء الناس من انخفاض الدخل، وارتفاع أسعار السلع الأساسية والحياة بشكل عام".

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

وتابع: "بعض قادة النقابات متواطئ مع الحكومة لصرف انتباه الناس عن المشكلات الحقيقية: وهي إلغاء التصنيع، والخروج من الكهرباء النووية، والخضوع للاقتصادين الألماني والأميركي".

إقرأ أيضاً: "كهرباء فرنسا" تمدد إغلاق 4 مفاعلات نووية في ظل ارتفاع أسعار الكهرباء

وعن الدور الخارجي لفرنسا، ألمح المستشار السابق في العلاقات الدولية في وزارة الخارجية الفرنسية إلى أنّ الدبلوماسية الفرنسية لم تعد "ذات سيادة وهي خاضعة تماماً للاتحاد الأوروبي، تحت قيادة واشنطن"، معتبراً أن "فرنسا لم تعد أولوية لماكرون بل الاتحاد الأوروبي، وهذا هو السبب في أن المزيد والمزيد من البلدان الصديقة تبتعد عنا، في أفريقيا وغيرها".

وأكد أنّ "الدبلوماسية الفرنسية لم تعد ذات مصداقية لأنّها تتماشى تماماً مع الأطلسية ولم يعد أحد مهتماً بها". وأشار كورفيز أنّ الحكومات الفرنسية المتعاقبة تخلّت عن التصنيع "وعلينا الآن شراء كل شيء بسعر غالٍ من الخارج".

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

وشدد المستشار الفرنسي للميادين نت على أنّ "الأزمة الداخلية خطرة، لأنّ الناس لا يدعمون الحكومة ولا يعرفون ماذا يفعلون لتغيير السياسة".

إقرأ أيضاً: فرنسا تدخل "اقتصاد الحرب".. ما هي الأولويات؟

فرنسا تشهد صدمة مزدوجة في العرض والطلب

ويعاني الاقتصاد الفرنسي مؤخراً بسبب عجز مزدوج في حساباته الخارجية والعامة، وعلى الرغم من التباطؤ في النشاط، سجّلت التجارة الخارجية اختلالاً قياسياً بلغ 31 مليار يورو في الربع الأول و 100 مليار خلال اثني عشر شهراً متداولاً.

ووفق صحيفة "لو فيغارو" فإنّ فرنسا "تشهد صدمة مزدوجة في العرض والطلب، لم يسبق لها مثيل منذ الصدمات النفطية في السبعينيات"، مؤكدةً أنّ "المالية العامة الفرنسية هي الأكثر هشاشة في منطقة اليورو بسبب حجم العجز الهيكلي".

ويخشى كثير من المحللين أن تتصاعد الاحتجاجات الحالية وترتفع الصدامات بين الشرطة والمتظاهرين، كما حدث في احتجاجات "السترات الصفر" عام 2018 الفترة الأولى لحكم ماكرون، والتي ندد المتظاهرون خلالها بارتفاع الضرائب وتفشي الفقر.

إقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي: نواجه أكبر أزمة طاقة منذ العام 1970

وتخشى فرنسا كما معظم الدول الأوروبية التي تسابق الزمن للحصول على بدائل للغاز الروسي قبل الشتاء القادم، من ارتفاع فواتير الطاقة والذي قد يضع ملايين العائلات الأوروبية بين خيار إما الإنفاق على الطعام أو التدفئة.

المصدر: الميادين نت