احتجاجات فرنسا ضد "رئيس الأثرياء".. أزمة اقتصادية بمفاعيل سياسية
تتواصل التظاهرات في المدن الفرنسية بمشاركة عشرات آلاف الأشخاص، احتجاجاً على "المعيشة الباهظة الثمن"، ومن أجل "رفع الأجور". وبدعوة من اليسار الفرنسي، على رأسه زعيم حزب "فرنسا الأبية"، جان لوك ميلينشون.
وبدأت النقابات العمالية، اليوم الثلاثاء، في فرنسا إضراباً عاماً، للمطالبة بزيادة الرواتب، وسط التضخم الأعلى الذي تواجهه البلاد منذ عقود، ليواجه الرئيس إيمانويل ماكرون أحد أصعب التحديات منذ انتخابه لولاية ثانية في أيار/مايو الماضي.
وسيشمل الإضراب في المقام الأول القطاعات العامة مثل المدارس والنقل، امتداداً لإضراب مستمر منذ أسابيع، والذي عطّل مصافي التكرير الرئيسية في فرنسا، وعرقل الإمدادات لمحطات الوقود.
#FRANCE | Black bloc violent demonstrators at the head of the anti-capitalist demonstrations in #Paris today. Against the price rises. pic.twitter.com/y8XkFfRlhq
— MOMMENTOnews (@mommentonews) October 18, 2022
ويأمل زعماء النقابات العمالية من خلال الإضراب أن يتحرك الموظفون بسبب قرار الحكومة إجبار بعضهم على العودة إلى العمل في مستودعات البنزين، لمحاولة إعادة تدفّقات الوقود، وهي خطوة يقول البعض إنّها تعرّض الحق في الإضراب إلى الخطر.
ودعت "الكونفدرالية العامة للشغل" بشكل خاص، إلى إضراب مستمر للأسبوع الرابع في منشآت لشركة "توتال إنرجيز"، بالرغم من توصّل شركة النفط إلى اتفاق مع نقابات عمالية أخرى، يوم الجمعة، يشمل زيادة الرواتب بنسبة 7% ومكافأة.
فيما تطالب "الكونفدرالية العامة للشغل" بزيادة الأجور بنسبة 10%، مشيرةً إلى التضخم والأرباح الضخمة للشركة.
إقرأ أيضاً: رئيسة حكومة فرنسا: مشكلة انخفاض إمدادات الوقود مستمرة بسبب الإضراب
Nombreuses charges des forces de l’ordre dans le cortège intersyndical à Paris.#Greve18Octobre #GreveGénérale pic.twitter.com/uKS5Mn8R7y
— Amar Taoualit (@TaoualitAmar) October 18, 2022
موفد الميادين إلى باريس أكد أنّ "النقابات الفرنسية لا تستبعد اللجوء الى احتجاجات واسعة وتظاهرات شعبية ضد السياسات الاقتصادية الحكومية"، مشيراً إلى أنّ "المتظاهرين طالبوا برفع الرواتب لتتماشى مع مستوى التضخم حفاظاً على القدرة الشرائية للفرنسيين".
وتأتي هذه التحركات غداة تظاهرة ضد "غلاء المعيشة" نظمتها الأحزاب اليسارية ومنها "فرنسا الأبية" في باريس. وبلغ عدد المشاركين فيها 140 ألف شخص.
إقرأ أيضاً: تباطؤ نمو إجمالي الناتج المحلي في فرنسا للربع الثالث من العام
ماكرون "رئيساً للأثرياء"
رئيس العلاقات الدولية لـ "فرنسا الأبية"، وعضو مكتب زعيم الحزب جان لوك ميلينشون، كريستيان رودريكيز ألفاريس، أوضح للميادين نت أنّه "في فترة ولاية ماكرون الأولى، وجد الحزب نفسه مع حركة السترات الصفراء كتعبيرٍ عن رفض السياسة النيوليبرالية التي بدأت الحكومة في تنفيذها، ثمّ جاء استفزاز إصلاح المتقاعدين، حين تشكلت حركة رفض ضخمة لسياسات ماكرون، ثمّ وباء كورونا".
وأضاف ألفاريس أنّ "السترات الصفر، تشكلت مع بداية ولاية ماكرون الثانية، بالتزامن مع ارتفاع الأسعار، للمطالبة بزيادة الأجور، وتوزيع الأرباح، نظراً إلى الفوائد الضخمة التي يجنيها، كما هي الحال مع توتال حيث يكسب الرئيس والمساهمون فيها آلاف اليورو من دون مشاركة أي أحد".
إقرأ أيضاً: "حرب داخلية".. فرنسا أمام موجة من الإضرابات والاحتجاجات
وعند سؤاله عن حاجة فرنسا إلى خيارات بديلة في الحكم بشكل كامل، لفت المستشار في مكتب ميلينشون إلى أنّ "الاتحاد الشعبي الإيكولوجي والاجتماعي الجديد هو البديل الحقيقي لسياسة ماكرون".
Jean-Luc Mélenchon en soutien aux travailleurs en grève partout aujourd'hui. Ici à l'Assemblée générale des cheminots de la Gare de Lyon à Paris.
— Christian Rodriguez (@christianpdg) October 18, 2022
Les grands patrons et le gouvernement doivent céder. Les salaires doivent être augmentés. Et vite !#Greve18Octobre pic.twitter.com/OxHhz8ZQcW
وفند ألفاريس الواقع على الشكل التالي: "هناك 3 قوى في فرنسا، الليبرالية لإيمانويل ماكرون، واليمين المتطرف العنصري والمعادي للأجانب لمارين لوبان، وغالباً ما تصوت هاتان القوتان معاً، على سبيل المثال، معارضتهما إعادة فرض ضريبة على الأغنياء أو زيادة الأجور".
أما القوة الثالثة بحسب ألفاريس، فهي "البديل أي اليسار البيئي والاجتماعي، الذي جاء في المرتبة الأولى في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الأخيرة".
وعن سياسة ماكرون في الداخل وكيفية معالجته للأزمات، يجيب رئيس العلاقات الدولية لـ"فرنسا الأبية" أنّه "لأكثر من 5 سنوات، كان ماكرون رئيساً للأثرياء، وسياسته هي تقديم الهدايا للأثرياء، من دون مراعاة الأفقر".
وبيّن أنّ "الأغنياء الذين تقدر نسبتهم بـ 1% في فرنسا جنوا الكثير من المال في عهده"، مضيفاً أنّه "في الوقت نفسه هناك 9 ملايين فقير و8 ملايين شخص يتلقون مساعدات غذائية".
وأكد ألفاريس للميادين نت، أنّ "الفرنسيين يعرفون جيداً أنّ هناك مشكلة، وهم يطالبون بذلك في الغالب"، وما مطالب الاحتجاجات الأخيرة برفع الحد الأدنى للأجور، وفرض ضرائب على الأرباح الفائقة، وإعادة الخدمات العامة "إلا دليل على وعيهم بهذه المشكلات".
@SnesupFsu mobilisé partout aujourd’hui contre la casse de la voie pro, pour les salaires, les conditions de travail, l’emploi et le droit de grève #Greve18Octobre #SauvonsLeLyceePro #augmentationdessalaires #stopPrecarite #ESR @FsuNationale @SNUEPFSU pic.twitter.com/pNhrDG57Lu
— SNESUP-FSU (@SnesupFsu) October 18, 2022
خضوع للاقتصادين الألماني والأميركي
المستشار السابق في العلاقات الدولية في وزارة الخارجية الفرنسية، آلان كورفيز، أوضح للميادين نت أن الأزمة الفرنسية الحالية، ترتبط بسياسات الرئيس الفرنسي، وليس بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وذكر كورفيز أنّ "بعض النقابات الفرنسية يريد استغلال استياء الناس من انخفاض الدخل، وارتفاع أسعار السلع الأساسية والحياة بشكل عام".
Une grosse #manifestation au #Havre ce #18octobre contre #Macron et ses réformes.
— Julie Amadis (@Julie_Amadis) October 18, 2022
12500 selon la #CGT, soit 7,5% des 165594 #Havrais. Soit un Havrais sur 13
Alors que la #police n'a compté que 3500 #manifestants (2% des habitants)
Un Havrais sur 47https://t.co/TRQp1Dk536 pic.twitter.com/Ujfp8Abk4l
وتابع: "بعض قادة النقابات متواطئ مع الحكومة لصرف انتباه الناس عن المشكلات الحقيقية: وهي إلغاء التصنيع، والخروج من الكهرباء النووية، والخضوع للاقتصادين الألماني والأميركي".
إقرأ أيضاً: "كهرباء فرنسا" تمدد إغلاق 4 مفاعلات نووية في ظل ارتفاع أسعار الكهرباء
وعن الدور الخارجي لفرنسا، ألمح المستشار السابق في العلاقات الدولية في وزارة الخارجية الفرنسية إلى أنّ الدبلوماسية الفرنسية لم تعد "ذات سيادة وهي خاضعة تماماً للاتحاد الأوروبي، تحت قيادة واشنطن"، معتبراً أن "فرنسا لم تعد أولوية لماكرون بل الاتحاد الأوروبي، وهذا هو السبب في أن المزيد والمزيد من البلدان الصديقة تبتعد عنا، في أفريقيا وغيرها".
وأكد أنّ "الدبلوماسية الفرنسية لم تعد ذات مصداقية لأنّها تتماشى تماماً مع الأطلسية ولم يعد أحد مهتماً بها". وأشار كورفيز أنّ الحكومات الفرنسية المتعاقبة تخلّت عن التصنيع "وعلينا الآن شراء كل شيء بسعر غالٍ من الخارج".
Une belle #manifestation ce #18octobre à Paris -qui en appelle d'autres- pour l'augmentation des salaires et leur indexation sur la hausse des prix. pic.twitter.com/n0eEHEY9Bh
— France Thomas (@FranceThomas22) October 18, 2022
وشدد المستشار الفرنسي للميادين نت على أنّ "الأزمة الداخلية خطرة، لأنّ الناس لا يدعمون الحكومة ولا يعرفون ماذا يفعلون لتغيير السياسة".
إقرأ أيضاً: فرنسا تدخل "اقتصاد الحرب".. ما هي الأولويات؟
فرنسا تشهد صدمة مزدوجة في العرض والطلب
ويعاني الاقتصاد الفرنسي مؤخراً بسبب عجز مزدوج في حساباته الخارجية والعامة، وعلى الرغم من التباطؤ في النشاط، سجّلت التجارة الخارجية اختلالاً قياسياً بلغ 31 مليار يورو في الربع الأول و 100 مليار خلال اثني عشر شهراً متداولاً.
ووفق صحيفة "لو فيغارو" فإنّ فرنسا "تشهد صدمة مزدوجة في العرض والطلب، لم يسبق لها مثيل منذ الصدمات النفطية في السبعينيات"، مؤكدةً أنّ "المالية العامة الفرنسية هي الأكثر هشاشة في منطقة اليورو بسبب حجم العجز الهيكلي".
ويخشى كثير من المحللين أن تتصاعد الاحتجاجات الحالية وترتفع الصدامات بين الشرطة والمتظاهرين، كما حدث في احتجاجات "السترات الصفر" عام 2018 الفترة الأولى لحكم ماكرون، والتي ندد المتظاهرون خلالها بارتفاع الضرائب وتفشي الفقر.
إقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي: نواجه أكبر أزمة طاقة منذ العام 1970
وتخشى فرنسا كما معظم الدول الأوروبية التي تسابق الزمن للحصول على بدائل للغاز الروسي قبل الشتاء القادم، من ارتفاع فواتير الطاقة والذي قد يضع ملايين العائلات الأوروبية بين خيار إما الإنفاق على الطعام أو التدفئة.