واشنطن تلجأ إلى "نوبك" رداً على "أوبك".. فأي مستقبل للعلاقات الأميركية السعودية؟
كشفت التصريحات الأميركية في الأيام الماضية زيف المواقف في واشنطن تجاه السعودية، وذلك بعد أن أثار قرار "أوبك +" خلال اجتماعها الأخير، في 5 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، أثار حفيظة واشنطن، إذ رأى البيت الأبيض في الخطوة "اصطفافاً مع روسيا ودعماً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عمليته العسكرية في أوكرانيا".
وفي ظل موجة غضب المسؤولين الأميركيين من القرار، الذي يدخل حيز التنفيذ قبل أسابيع قليلة من "انتخابات مهمة" ستحدد ملامح المدة المتبقية من ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن، تركزت الانتقادات على السعودية، التي تضطلع بدور قيادي في "أوبك+" ولطالما وُصفت بأنها حليف مهم للولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: موقع أميركي: واشنطن أبلغت دول الخليج بإلغاء اجتماع أمني بشأن إيران
"خيبة أمل" واشنطن دفعتها إلى وضع جملة من الخيارات للردّ تصل إلى حدّ إعادة تقييم العلاقة بالسعودية، بحسب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. في حين طالب سيناتور أميركي بتجميد التعاون الأمني مع الرياض في مجال مبيعات الأسلحة.
الاجتماع الوزاري الثالث والثلاثون للدول الأعضاء في منظمة #أوبك والدول المشاركة من خارجها pic.twitter.com/WzePgGJqN7
— وزارة الطاقة (@MoEnergy_Saudi) October 5, 2022
ومع تصعيد الخطابات الأميركية في الأيام الأخيرة تجاه الرياض بسبب هذا الخفض الذي سيكون ساري المفعول في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، يخشى مسؤولون في حزب الرئيس الأميركي (الديمقراطي)، من أن يؤدي القرار إلى ارتفاع أسعار الوقود، ومن ثم أسعار السلع الأخرى. وهذه "الكارثة السياسية" سيستغلها خصوم بايدن، الجمهوريون، كإثبات على فشل سياساته الاقتصادية، ثم التأثير في توجهات الناخب الأميركي يوم الاقتراع للانتخابات النصفية للكونغرس. وهذا ما كان الرئيس وفريقه يحاولان تفاديه. ففي الأسابيع القليلة الماضية، دأبت وزارة الطاقة الأميركية خفض أسعار البنزين والغاز تدريجياً من المستويات العليا التي بلغتها في الصيف الماضي.
وفي خطوة تهدف إلى حماية المستهلكين الأميركيين، أمر الرئيس الأميركي، الأسبوع الفائت، وزارة الطاقة بالإفراج عن 10 ملايين برميل من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي الأميركي وضخه في الأسواق.
"فض شراكة المصالح"
الرئيس الأميركي الذي غامر بالعودة إلى رمال الشرق الأوسط المتحركة، بحسب صحيفة "الغارديان"، تخلى عن وعده الانتخابي بجعل السعودية دولة "منبوذة"، وسافر إلى المملكة (تموز/يوليو الفائت) الغنية بالنفط، وسط آمال بإقناع السعوديين بزيادة كمية الإنتاج. ولكن، بعد أشهر قليلة من مصافحة "قبضة اليد" الشهيرة بين بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تحاول الرياض أن تؤكد، في ما يبدو، على أن "مصالحها الاقتصادية" مقدمة على الرغبات السياسية لحليفتها واشنطن.
اقرأ أيضاً: "أوبك+" توافق على خفض إنتاج النفط بمعدّل مليوني برميل يومياً
كيف ستكون ملامح العلاقات السعودية - الأميركية في الأيام المقبلة؟ سؤال يشغل بال الكثير من وسائل الإعلام العالمية، التي رأت أن هناك "شبه فقدان للثقة" بين الرياض وواشنطن، وأنه سيكون هناك تأثير جذري على العلاقات بين البلدين "الحليفين".
السعودية تقول إن قرار "أوبك+" يصب في خانة "مصالحها الاقتصادية" ومنع تكرار أزمة عام 2008، حين أدى انهيار سوق النفط إلى ركود الاقتصاد العالمي وانهيار أسعار النفط فجأة، وكانت خسائر قطاع البترول وقتها بالجملة. وبحسب الرياض، فإن "الانتقادات القادمة من واشنطن وحديثها عن ارتفاع أسعار الطاقة عائد لنقص عمليات التكرير الأميركية".
A statement from the Ministry of Foreign Affairs regarding the statements issued about the Kingdom following the OPEC+ decision. pic.twitter.com/Bo7JVPDzFo
— Foreign Ministry 🇸🇦 (@KSAmofaEN) October 12, 2022
الموقف السعودي هذا، لم يكن متوقعاً من جانب واشنطن، لا سيما بعد زيارة بايدن الأخيرة، إذ يرى محللون أن إعلان "أوبك+" جاء "بتوقيت حساس جداً" بالنسبة إلى إدارة بايدن، وفي ظل محاولات لـ"عزل" روسيا، وهي عضو مهم آخر في تحالف مصدّري النفط. واعتبر هؤلاء المحللون أن هذه التطورات قد تبعث برسالة مفادها أن الرياض "تفض شراكة المصالح" مع الجانب الأميركي.
لكن، في المقابل، هناك آخرون لا يرون الأمور بهذه الدرجة من "السوء"، بل يعتقدون بأن بعض المواقف التي تعلن في واشنطن قد تكون مرتبطة بصراعات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وأن العلاقات السعودية- الأميركية "أكبر بكثير من تسعير النفط، في ظل وجود ملفات اقتصادية وأمنية أخرى تربط البلدين".
اقرأ أيضاً: البيت الأبيض: واشنطن تعيد تقييم العلاقة بالسعودية بعد قرار "أوبك +"
ولم تغب التصريحات الإسرائيلية عن هذا الموضوع المستجد، فصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، لا ترى الأزمة عابرة، بل تعتقد بأن الحلف بين السعودية وأميركا "بلغ نهايته"، وتوجهت لبايدن بالقول: "إن حليفة كهذه (السعودية)، تعارض سياستك الخارجية وتدعم الاتفاق النووي الأصلي مع إيران، وتجرّك بالقوة إلى مواجهة إقليمية مسلّحة في اليمن، وتتعاون على الملأ مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتتحدّى طلبك الواضح بزيادة إنتاج النفط وتقلّص الإنتاج، وتدعوك إلى قمة في جدة فقط كي تذلّك علناً، حليفة كهذه ليست حليفة حقاً".
قانون "نوبك" إلى الواجهة مجدداً
لا شك إذاً، وبحسب المعطيات والتصريحات، أن إدارة بايدن تلقت "صفعة" من تحالف مصدري النفط "أوبك+"، وقررت التصعيد رداً على ذلك، ولا تريد للقرار أنّ يمرّ من دون ثمن. فالكونغرس الأميركي يحضّر أوراق مشروع قانون "نوبك"، لمعاقبة "أوبك"، وهو يمنح المحاكم الأميركية صلاحية النظر في دعاوى مكافحة الاحتكار ضد منتجي النفط في منظمة "أوبك" وحلفائها، بدعوى "التآمر لرفع أسعار النفط".
وفي ظل رفض منظمة "أوبك+" ضغوط إدارة جو بايدن بزيادة الإنتاج، يدعم أعضاء في الحزبين الديمقراطي والجمهوري مشروع "لا لتكتلات إنتاج وتصدير النفط"، المعروف اختصاراً باسم "نوبك"، علّه يرفع أرصدتهما لانتخابات الكونغرس الأميركي النصفية الشهر المقبل. بعد أن فشلت، على مدار أعوام عديدة، محاولات لتمرير نسخ سابقة من "نوبك". ولكن لجنة في مجلس الشيوخ مررت نسخة لمشروع القانون في أيار/مايو الماضي.
هذا القانون، الذي فشل الكونغرس في تمريره لأكثر من 20 عاماً، والذي يرعاه النائب الجمهوري تشاك غراسلي والنائبة الديمقراطية إيمي كلوبوشار وغيرهما، وحظي بتأييد 17 عضواً في اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ، مقابل رفض 4 أعضاء، بحسب تقرير لـ"رويترز"،يحتاج إلى دعم مجلسي النواب والشيوخ، وتوقيع الرئيس الأميركي، لكي يصبح قانوناً.
وإذا أصبح "نوبك" سارياً فسيكون بمقدور وزير العدل الأميركي مقاضاة أوبك أو أعضائها، مثل السعودية، أمام محكمة اتحادية. كما سيمكنه كذلك من مقاضاة منتجين آخرين متحالفين مع أوبك، مثل روسيا، يعملون مع المنظمة على خفض الإمدادات.
ووفقاً لوسائل إعلام أميركية، "ليس من الواضح بعد طبيعة الآلية التي سيتم اللجوء إليها لمقاضاة الدول الأخرى"، في حال إقرار التشريع، كما إن الولايات المتحدة نفسها قد "تتهم بمحاولة التلاعب بالأسواق من خلال ضخ الملايين من البراميل من احتياطي النفط لديها لاحتواء ارتفاع الأسعار".
وتوجد مخاوف من أن يعود مشروع القانون بالضرر على منتجي النفط والغاز في الولايات المتحدة نفسها. فضلاً عن مخاوف من لجوء بعض الدول المتضررة إلى التصعيد، وهو ما يفاقم التوتر ويرهق الاقتصاد العالمي المتضرر بالفعل من تبعات وباء كورونا والحرب الدائرة في أوكرانيا. فكيف سيكون شكل العقاب الأميركي للرياض؟ وهل ستكون أدواتها ناجعة؟ وهل ستذهب العلاقة إلى مزيد من التوتر، أو ستجبر المصالح الطرفين على التهدئة؟