تسليح واشنطن لتايبيه.. النموذج الأوكراني قد لا يتكرر
يكثف المسؤولون الأميركيون جهودهم لبناء مخزون ضخم من الأسلحة في تايوان. تعززت هذه الجهود، وفقاً لمسؤولين حاليين وسابقين، بعد تقييم تدريبات الصين البحرية والجوية الأخيرة. لكن بات مسار خطة واشنطن لجعل تايوان "نيصاً" يحصّن نفسه، يصطدم بعقبات عديدة، أبرزها انشغال الولايات المتحدة بتمويل أوكرانيا، وبعد حدودها الجغرافية.
تايبيه ليست كييف.. تحديات التسليح
تواجه الجهود المبذولة لتسليح تايوان تحديات عدة. وفي الوقت الذي تتحول تايوان إلى قضية قابلة للانفجار في أي لحظة، تنشغل الولايات المتحدة ببناء جبهة قوية ضد روسيا في أوكرانيا. ومع ما تتطلبه المعركة ضد موسكو من تقديم مبالغ فلكية - يقدّر أن تصل إلى 40 مليار دولار - يأخذ العديد من المحللين النقص في مخزونات الذخيرة الأميركية، كمؤشر إلى العوائق أمام البيت الأبيض لفتح جبهة أخرى بكلفة واسعة وآثار واسعة على اقتصاد البلاد.
كذلك، يتردد صانعو الأسلحة في فتح خطوط إنتاج جديدة، من دون التأكد من التدفق المستمر لطلبات طويلة الأجل. هم يريدون رؤية واضحة للطلبات قبل الالتزام ببدء الإنتاج، بحسب ما أكد الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ عقب اجتماع لمناقشة قضايا إنتاج وتصدير الأسلحة.
ومن دون شك، واشنطن لن تكون قادرة على إمداد تايوان بالسهولة نفسها التي تمتلكها في أوكرانيا، بسبب عدم وجود طرق توريد برية من الدول المجاورة.
ومما يعد نقطة نقاش دائمة، هو صعوبة تخزين الأسلحة في تايوان. هذه المسألة تحدث عنها نائب الرئيس الأميركي السابق جاكوب ستوكس، متسائلاً عن كيفية دعم هذه المخازن وتقويتها، وكيفية توزيعها من دون أن تتمكن الصواريخ الصينية من تدميرها. غاية واشنطن في الوقت الحالي، بحسب "نيويورك تايمز"، هي إطالة مقدار الوقت الذي يمكن لتايوان الصمود فيه بمفردها.
ولذلك، فإنّ تايبيه، التي بينها وبين واشنطن أكثر من 90 اتفاقية مؤاخاة وتوأمة، بحاجة لأسلحة صغيرة نسبياً ولكن متحركة وفتَّاكة يمكن أن تكون مدمرة ضد السفن والطائرات الحربية الصينية. وفي الوقت نفسه، تملك القدرة على التهرب من الهجمات، وهو ما يُعد أمراً أساسياً لما يسمى "بالحرب غير المتكافئة".
وحتى الآن، لا يزال الغموض الاستراتيجي سياسةً متبعة من قبل الدولتين. الصين تخفي ردَّات فعلها ضد الولايات المتحدة إذا ما قامت واشنطن بشحن الأسلحة إلى تايبيه مع اندلاع مواجهة عسكرية. في المقابل، الغموض الاستراتيجي نفسه تجاه تايوان لا يزال سياسة تعتمدها واشنطن منذ 4 عقود وإلى الآن.
وبالرغم من تأكيدات الرئيس الأميركي جو بايدن، الشهر الماضي، أنّ بلاده "لا تشجع" استقلال تايوان، كنهج مستمر بطمأنة بكين منذ العام 1979، ترى الصين أنّ الولايات المتحدة تقوض هذا الموقف من خلال التبادلات الرسمية المتكررة، ومبيعات الأسلحة التي تتضمن العديد من الأسلحة الهجومية.
تخطيط لمواجهة باتت أكثر واقعية
جعلت العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا احتمال قيام الصين بعملية مشابهة لضم الجزيرة أكثر واقعية.
وعليه، حدد المسؤولون الأميركيون هدفاً آنياً يتمحور حول ضمان امتلاك تايوان أسلحة كافية للدفاع عن نفسها، مع ضمان إمدادها بالمساعدة العسكرية لاحقاً.
ولتحويل تايوان إلى كيان مسلح، يوجِّه المسؤولون الأميركيون نظرائهم التايوانيين لطلب المزيد من الأسلحة التي أثبتت فعاليتها في الحرب الأوكرانية، كصواريخ "جافلين" المحمولة على الكتف و"ستينغر" المضادة للطائرات وأنظمة الدفاع الصاروخية "هيمارس".
ومنذ شهر آذار/مارس الماضي، يناقش مسؤولو البنتاغون، بانتظام، هذه القضايا مع شركات الأسلحة الأميركية. ودائماً ما تؤكد وزارة الدفاع أنّ الجزيرة بحاجة إلى عددٍ كبيرٍ من الأسلحة المصنفة "صغيرة" للدفاع عن نفسها. وبعدها بستة أشهر، أعلنت إدارة بايدن موافقتها على حزمة الأسلحة السادسة لتايوان، وهي صفقة بيع بقيمة 1.1 مليار دولار تشمل 60 صاروخاً ساحلياً مضاداً للسفن من طراز "هاربون".
من جهتها، تنتج تايوان أسلحتها الرادعة، بما في ذلك سفن الألغام وأنظمة صواريخ الدفاع الجوي وصواريخ "كروز" المضادة للسفن. لكن لا تزال تايبيه بحاجة لتحويل صناعاتها عن الأنظمة العسكرية التقليدية الباهظة الثمن، التي ستدمرها بكين بسهولة في هجوم أولي. على الرغم من أن بعض هذه الأنظمة، ولا سيّما طائرات "F-16"، مفيدة لمواجهة الطائرات المقاتلة الصينية والسفن الحالية، الا أن قدرتها على الاستمرار أمام التنين الصيني ضئيلة جداً.
مؤخراً، دعا بعض المشرعين الأميركيين إلى عمليات تسليم أسرع وأكثر قوة. ويحاول بعض كبار أعضاء مجلس الشيوخ دفع قانون سياسة تايوان المقترح لتعجيل إقراره، إذ إنه سيوفر 6.5 مليارات دولار كمساعدة أمنية لتايوان على مدى السنوات الأربع المقبلة.
لا يقتصر الأمر على التسليح من قبل الولايات المتحدة في حال نشوب صراع عسكري بين الصين وتايوان، إذ إن واشنطن تدرس خيارات الحرب لتساعد تايبيه من دون أن يقود ذلك إلى تورطها بشكل مباشر مع بكين. مثلاً، تقترح الولايات المتحدة، عند الحصار البحري، عدة بدائل لدعم تايوان عن طريق البر أو الجو. ومن هذه البدائل، إرسال امدادت عبر طائرات شحن أميركية، من قواعد في اليابان وغوام إلى الساحل الشرقي لتايوان. وبهذه الطريقة، سيتعين على أي مقاتل صيني يحاول إسقاطهم أن يحلق فوق تايوان، ويخاطر بمقتله من قبل الطائرات الحربية التايوانية. وتبقى هذه المقترحات متعلقة بمدى المخاطرة التي ترغب بكين وواشنطن في تحملها، فيما يتعلق بفرض أو اختراق الحصار، ومدة استمراريته.
"تفوق الصين على تايوان أمر لا شك فيه"
بالرغم من امتلاك تايوان أسلحة متطورة واستراتيجية دفاعية، إلاّ أنّ الصين تتفوق عسكرياً بشكل كبير عليها من حيث القوة التي تمتلكها. وبحسب إحصاءات عام 2021، التي قام بها موقع "غلوبال فاير باور" الأميركي، يحتل الجيش الصيني المرتبة الثالثة بين أقوى 139 جيشاً في العالم.
ويمتلك الجيش الصيني قدرات عسكرية هائلة، وموارد بشرية تصل إلى مليوني فرد لناحية الجنود العاملين في الخدمة، في حين يبلغ عدد المجندين في الجيش التايواني نحو 170 ألف جندي. أما فيما يخص الميزانية الدفاعية للجيشين، تبلغ ميزانية الأول نحو 230 مليار دولار فيما تقدّر ميزانية الثاني بنحو 16.8 مليارات دولار.
كذلك، يصنف الأسطول الصيني في المرتبة الأولى عالميّاً بـ777 وحدة بحرية مقابل 117 قطعة بحرية لتايبيه، وتصنف القوات الجوية الصينية في المرتبة الثالثة بـ3 آلاف و260 طائرة، إضافةً إلى القوات البرية التي تضم آلاف الدبابات والمدافع وراجمات الصواريخ وعشرات آلاف المدرعات.
ويواصل الجيش تحديث قواته سعياً لتخطي التفوق التكنولوجي الأميركي. وفي هذا الإطار، أكد البنتاغون أنّ بكين أطلقت العام الماضي طائرة مسيرة فرط صوتية قامت بدورة حول الأرض بسرعة تفوق 6 آلاف كم في الساعة، وهو سلاح على ما يبدو لا تمتلكه واشنطن.
المسألة الآن، وبعد السجال السياسي الأميركي الصيني إزاء تايوان، باتت تتمحور حول إمكانية جيش تايبيه على الصمود أمام الجيش الصيني. وإضافة إلى تفوق الصين العددي والنوعي، تبرز الجغرافيا كعامل أساسي في الحرب، إذ تبلغ مساحة الجزيرة 36 ألف كيلومتر مربع، وهي بكاملها تحت مراقبة أنظمة الاستطلاع الصينية بما فيها الفضائية. كذلك، فإنّ قربها من البر الصيني، يجعلها تحت مرمى الصواريخ الباليستية قصيرة المدى، وأيضاً تحت مرمى راجمات بكين الصاروخية التي تتفوق على منظومات "HIMARS" الأميركية، وفقاً لخبراء روس.