الحلقة الخامسة من "الأبطال": رواية الأسرى الكاملة

في الحلقة الخامسة من السلسلة الوثائقية، "الأبطال"، تكشف الميادين رسالة خاصة تلقّتها من أحد قادة الأسرى الفلسطينيين الأبطال.
  • الحلقة الخامسة من "الأبطال": رواية الأسرى الكاملة

الحلقة الخامسة من سلسلة وثائقي "الأبطال" تتحدّث عن جيل فلسطينيّ مسنود بقامات الكفاح والمقاومة، وأحرار العالم أينما كانوا، على نحو عام. أمّا بصورة خاصّة، فقضيّة الأسرى ليست عنواناً صحافيّاً، ولا تفصيلاً صحيّاً وطبيّاً، ولا حتّى مشروعاً سياسيّاً لتبنّي القضيّة والدفاع عنها.

أشار الأسير المحرّر أنور ياسين، خلال الحلقة، إلى أنّ حلم الحرية لا يمكن أن يفارق أي أسير. لكن هذا الحلم المستحيل تحوّل، بفضل إرادة الصمود والتحدي والإصرار لدى الأسرى الفلسطينيين والعرب، إلى أمر ممكن، وتحقق الانتصار قبل جلبوع، بينما تمثّل الانتصار الأكبر والأمثل بنفق الحرية؛ نفق جلبوع.

وأضاف ياسين أنّ الأسير لا يملك، في ظروف الاعتقال القاسية جداً، أقلَّ الوسائل التي يمكن أن تُعِينه، بالإضافة إلى وجود عدوّ يتربّص به على مدار الساعة، ويتعامل مع الأسير الفلسطيني على أنه آتٍ لإزالته.

اقرأ أيضاً: "الأبطال" على الميادين.. الرواية الكاملة للتحرر من سجن جلبوع 

محمود العارضة: بعد أن أحدثـتُ ثـقـباً.. رائحة التراب كانت من أجمل الروائح

بدأت فكرة عملية التحرر من الأسر تتبلور في ذهن محمود العارضة. ويصفـها مهندس عملية نفق الحرية في رسائله بالقول إن "مشروع نفق جلبوع بدأ في عقلي منذ افتتاح السجن عام 2003. وكنت أسأل القادمين من هناك عن جغرافية السجن وشكل الغرف والحمامات، فبدأتُ أطالب بنقلي (إلى سجن جلبوع)، وتمّ ذلك عام 2005.

وأضاف: بدأت طرح الموضوع على بعض الأخوة، وعلمت بعد انتقالي من جلبوع، عام 2007، أنّهم حاولـوا إزالة المقعدة في الحمام، فخرجت غير "مستقيمة". 

عام 2012، انتقلتُ إلى شطة، وهناك تفاجأت بأنّ القسم نموذج عن سجن جلبوع. حفرنا عدة أنفاق، وانهار بعضها بسبب مياه المجاري، لكن تمّ اكتشافـها في عام 2014، فعُزلـنا مدة تسعة أشهر.

عدت إلى جلبوع عام 2015. وفي مطلع 2017، بدأتُ تنظيم خطة التحرر من الأسر، لكن المشروع توقـّف، لأنّه تعرّض لاختراق كبير نتيجة حدوث أمر طارئ، هو إضراب الإخوة الشهير عام 2017. وفي عام 2018، حاولـت مرة أخرى، ولم تتوافـر أسباب النجاح، ثم التقيت مناضل نفيعات، وحدثته عن المشروع، ثم عرضت الخطة على يعقوب قادري وأيهم كممجي. 

وتابع: أرضية الحمام كراميكا تتوسطـها قطعة من الألمنيوم، كانت هي سر النفـق. عندما أحدثـتُ ثـقـباً واخترقـت الغرفة، خرجت مُسرعاً وسجدت لله وبشّـرت الإخوة. كانت رائحة التراب من أجمل الروائح. 

اقرأ أيضاً: الحلقة الأولى من "الأبطال" عبر الميادين: ولادة فكرة التحرر من "جلبوع"

محمود عارضة: أكلت خبزاً شهياً.. لكنه ليس كخبز أمي

يكمل الأسير محمود عارضة تفاصيل خطة التحرر. يقول: بدأنا العمل في اتجاه المخرج، في منتصف شهر نيسان/أبريل 2021، لكن تمّ إغلاق النفـق في الـ10 من حزيران/يونيو، وفتحه في الـ21 من الشهر نفسه، فوجدناه مليئاً بالماء. 

بدأت أنا ومناضل الصعود إلى الأعلى في 3 أيلول/سبتمبر، وفي اليوم التالي، بضربة واحدة، فـتحت كُوّة صغيرة تسرّب منها نور الحرية.  

قَدِمَ المسؤول عن فحص المجاري، ظُـهرَ الخامس من أيلول/سبتمبر. وعندما وصل إلى الغرفة، كان يحمل قضيباً حديدياً طويلاً، فأدخلـه في الفتحة وأخرج منه كمية من التراب. كان القرار أن نخرج في السابع من أيلول/سبتمبر، لكن بعد هذا الحادث أجمع الإخوة على ضرورة الخروج ليلة السادس من أيلول/سبتمبر. 

استمرّت عملية خروجنا 22 دقيقة. عندما قطعنا الشارع، كان مناضل وأيهم في المقدمة. كاد أيهم يُستشهد يومها، بعد أن توقـف سائق أجرة وحدّق فينا، فأيقنت أنّ الموضوع أصبح في خطر.

دخلـنا قرية الناعورة، تحت حجّة أننا عمال. لم يقبل أحد أن يُقِلّـنا في سيارته لأنّه لا يوجد معنا تصاريح. قررنا الافتراق حينها. كانت أُمنيتي أن أصعد إلى جبال الناعورة، فكثيراً ما رأيتـها في أثناء مروري بالحافلة. دخلت ويعقوب مناطق وعرة. وعندما جاء وقت الغروب، كنت لأول مرة أريد أن أراقب غروب الشمس في البحر. كنا محظوظين بأن صادفنا رجلاً محترماً زوّدنا بالطعام والشراب. يومها أكلت خبزاً. كانت أول مرة في حياتي أتذوق طعماً لذيذاً مثلـه، لكنه ليس كخبز أمي.

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

بانت جبال قرية سولم وكانت جميلة جداً

ويتابع الأسير محمود: توجهنا إلى إكسال. سرنا بين كروم الزيتون، ومررنا بأرض مزروعة رماناً، وأكلـنا منه. ولـمّا بدأ الفجر ينبلج، اخترنا أرضاً مزروعة زيتوناً وغير محروثة ومليئة بالأشواك، ثمّ مهّدناً فيها مكاناً للنوم، ونمنا.

عند الفجر، قطعنا السهل في اتجاه جبال إكسال، وأكلـنا صباراً، ثمّ صعدنا إلى جبال الفاخورة، ونمنا في الأحراج. وصعدنا في اتجاه القرية، وكنـا نعتقد أننا في الناصرة. 

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

بعد دقائق، جاءت قوات من الشرطة، ولم تكن وحدات خاصة، وهذا دليل على أنّ اعتقالـنا تمّ مصادفة. الضربة القاصمة لي لم تكن اعتقالي، بل كانت الشائعة التي خرجت بشأن الناصرة، علماً بأن أهاليها احتضنونا، ونحن لم نذكر ذلك في البداية، حتى لا نؤذي أحداً.

الجدير بالذكر أنه أن يكون محمود العارضة قائداً فذاً، ومُخططاً بارعاً، ومغامراً ذكياً، ومقاوماً شجاعاً، فهذا لم يعد يحتاج إلى بحث من أجل تأكيده. يكفي أن نستحضر عملية نفق الحرية، لنخلص إلى تثبيت هذه الصفات وأكثر.

محمد عرندس: لو بلغوا نقطة آمنة لوفّرت لهم "الجهاد" ما يحتاجون إليه

بدوره، لفت الأسير السابق، محمد عرندس، إلى أنّه "لو كان هناك تخطيط مشترك للعملية بين الأسير القائد محمود العارضة والمقاومين في الخارج لكان هناك احتمال أن يتم كشف هذا الاتصال وهذا التواصل مع الخارج، ويتم كشف العملية قبل حدوثها، لأننا نعلم بأن المنظومة التكنولوجية للاحتلال ذات تقنيات متطورة جداً".

وتابع أن "حركة الجهاد الإسلامي كانت على استعداد لتقديم كل ما تستطيعه لحماية هؤلاء الأبطال واحتضانهم، لو أنهم وصلوا إلى منطقة تستطيع الحركة أن تمارس فيها دورها الأمني". لكن ذلك لم يحدث.

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

أحمد العارضة: شعر الناس في الضفة وغزة بصدمة وخيبة عند اعتقالهم

أمّا أحمد العارضة فيشير إلى أنّه كان أسيراً في جلبوع، وأنّه يعرف السجن وتضاريس المنطقة الموجود فيها. فسجن جلبوع محاط ببرك الصرف الصحي، والبرك الزراعية، وبرك الأسماك، وبأراضٍ زراعية. وجبال جلبوع كانت عبارة عن سياج من البلدات اليهودية الإسرائيلية. لذلك، فإن التحرك فيها صعب جداً ومحفوف بالخطر.

بدورها، تشير شقيقة الأسير محمود، هدى العارضة، إلى أنّها كانت في حالة ترقّب. قالت إنها كانت تخشى أن يتم قتل شقيقها بعد نجاحه في التحرر من السجن. أضافت: "هذه الأيام، لا أستطيع أن أصف لك مدى صعوبتها عليّ. وطبعاً كانت دعواتنا له ولكل الأسرى أن يصلوا، على الأقل ليسلّم على والدتي ويراها، وأن يحقق هدفه من العملية، لكن للأسف الشديد لم يتم ذلك".

أمّا حسني عيسى فيشير إلى "أننا أُصبنا بإحباط بسيط، لكن لم نُرِ السجان الصهيوني أننا أُحبطنا، حتى لا نعطيه جرعة بسيطة من الفرح بإلقاء القبض على الأسرى".

بينما اعتبر محمد جرادات، أنّ محمود ويعقوب وزكريا ومحمد "لم يُوَفَّقوا في الانسحاب إلى خارج المناطق المحتله عام 1948"، لكن "أيهم ومناضل فعلاها، واستطاعا أن يجتازا خطاً يُعَدّ عبوره معجزة. وهنا كان الفعل الضخم والكبير". 

الخبيرة القانونية أماني ابراهيم تشير إلى أنّ "الحكم الذي صدر، أي الذي تمّ الحكم عبره بخمسة أعوام سجناً وبدفع غرامة، مثير للسخرية، بمن الناحية القانونية". 

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

جون كرياكو: السجن الإسرائيليّ المزعوم بقدراته الأمنيّة لم يكن مؤمناً

وقال جون كرياكو: "لن اتفاجأ لو عرفت أنّ البعض فقدَ وظيفته وانتهت مسيرته المهنيّة في إثر العملية. وهذا يُظهر أنّ السجن الاسرائيليّ المزعوم بقدراته الأمنيّة، لم يكن مؤمنا بالفعل إلى هذا الحد".

أمّا يلكرسون فقال: "من الواضح بالنسبة إليّ، كخبير عسكري، أنّنا عندما نتحدّث عن دولة أو دولة محتملة مستقبلاً كفلسطين، لا تتمتّع بسبل تقليديّة للتغلّب على عدوّتها، التي هي إسرائيل، فستلجأ حينها إلى السبل الممكنة، أي إلى الشبان المستعدّين للتضحية بحياتهم في سبيل تحقيق هذا الهدف وإنشاء هذه الدولة المحتملة

بدوره، لفت يامن زيدان إلى "محاولة الإعلام الإسرائيلي، إلى جانب جميع المؤسسات الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية، العمل على إعادة بعض الهيبة إلى كيان الاحتلال، وإعادة برمجة العقل الفلسطيني بأنّ الإسرائيلي يستطيع أن يصل إلى أي مكان، وأنّ الإسرائيلي هو الأقوى، وأنّ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تعلم كل شيء".

رسالة خاصة من أحد قادة الأسرى الأبطال إلى الميادين 

من جانب آخر، يروي يعقوب القادري، من موقعه كرفيق لمحمود العارضة، محطات لافتة يستذكرها من عزل عسقلان، ويكتب في رسائله: 

عند الساعة الثانية عشرة والنصف ليلاً، ونحن نتهافت على تجهيز حقائبنا، فما هي إلا دقائق ويخرج مناضل ومحمد وأنا ثالثـهم. لقد كانت لحظات فارقة. تناولـت قليلاً من التراب الأحمر القاني ومضغتـه في فمي، كي أقول للعدو إن لا شيء يقف في وجه من يريد التحرر والانعتاق.

سار بنا الركب إلى شمال فلسطين. تسلـقـنا جبال الناعورة الشاهقة. كان معي راديو صغير وآخر مع محمود. سمعنا الأخبار عن حجم الصاعقة التي نزلت على رؤوس الإسرائيليين، فسُررنا سروراً عظيماً.

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

كانت اللحظات الأخيرة في الناصرة على رأس جبل القنيطرة.

ولدى السؤال عن ردة فعل أهل قصي، وكيف واجهوا الموضوع بعد أن انتظروه، وإذا به يُكتشف أنّه واحد ممن ساهموا في عملية نفق الحرية، وأضافت سلطات الاحتلال إليه الآن حُكماً بأربعة أعوام؟ يجيب صهيب مرعي: "أصرّ أخي قصي على أن يكون من أكبر المساهمين في الحفر، بحسب شهادة الشبان من الفرسان الذين ساعدوا في عملية الحفر".

وتابع: "بقي قصي 45 يوماً يخضع للتحقيق من جانب ستين محققاً من الشاباك والمخابرات الإسرائيلية. كانوا يحققون معه، لكن لم يستطيعوا انتزاع أي معلومة منه، طبعاً، كل أسرى نفق الحرية، ممن انتزعوا حريتهم أو الذين ساعدوا في الحفر، حوكموا، ما عدا قصي تأخر كثيراً لأنّه رفض اللائحة الموجّهة إليه".

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

ولدى السؤال: كان الوضع الفلسطيني في تلك الساعات من عملية التحرر؟

تجيب هدى العارضة: جاء الكل لتهنئتي. كانت الفرحة عارمة. غنّينا، وكنّا فرحين جداً لأنّ محمود هرب من السجن". 

أما حسني عيسى فيوضح: "كنّا داخل السجن نتابع محطات الأخبار. الاحتلال الصهيوني استنفر كل قواه العسكرية والاستخبارية بعد فشله الذريع، وجنّ جنونه حين تمت عملية الهروب. فكيف قام بضعة أسرى، لا يمتلكون أي تكنولوجيا، بحفر نفق وحرروا أنفسهم، في ظل وجود كاميرات المراقبة وكل الأجهزة الحديثة الموجودة داخل السجن".

وقال الأسير المحرر أنور ياسين: "هم تعرّضوا لضربة لصفعة قوية على وجوههم، كأجهزة أمنية، وإدارة مصلحة السجون ومؤسسة سياسية، لأنهم تبجحوا منذ عام 2003 بأن هذا المكان هو ثالث سجن على المستوى العالمي، من حيث التحصين، والأول على مستوى فلسطين المحتلة". 

بدوره، قال سعيد بشارات: "نحن قادرون على أن نهزم الاحتلال على الرغم مما يملك من قوة. نحن نعرف أنّه يملك قوة هائلة، لكننا كفلسطينيين نستطيع أن نبحث عن نقطة ضعفه التي بات لنا 74 عاماً نبحث عنها لنصل إليها، ونضربه فيها الضربة القاتلة التي ستهدم كيانه، كما استطاع أن يفعل جلبوع ونفق جلبوع الصغير".

هم أبطال في الأسر وخارجه. تاريخ السادس من أيلول/سبتمبر 2021، لن يمحى من الذاكرتين الفلسطينية والعربية، ومن ذاكرة أحرار العالم. كما لن تنجح "إسرائيل" حتماً في حذفه من سجلّ انتكاساتها، فرسائل الأبطال ورواياتهم لمّا تنتهِ بعد.

لمعرفة مزيدٍ من التفاصيل عن عملية سجن "جلبوع"، تابعوا حلقات "الأبطال" المقبلة، الساعة الـ21:00 بتوقيت القدس الشريف، عبر الميادين.

المصدر: الميادين نت