الحلقة الثالثة من "الأبطال" عبر الميادين: من وسط جلبوع إلى ما بعد الأسوار

الحلقة الثالثة من السلسلة الوثائقية، "الأبطال"، تروي فيها الميادين حكاية حفر "نفق جلبوع"، بدءاً بالفكرة، مروراً بالمخطط والتنفيذ، وصولاً إلى ضوء الشمس، الذي أعلم الأبطال الستة بأنهم عانقوا الحرية.
  • الحلقة الثالثة من "الأبطال" عبر الميادين

"اهرُبْ يا عمِّي محمود مِنَ السّجنْ.. لو كنتُ مكانَكَ لهرَبت"، هذا ما قالته أسينات العارضة لعمّها، مهندس عملية نفق الحرية، محمود العارضة، الذي لم يكن مشروع التحرر خارج حساباته، ولم ينسَه يوماً.

بهذه الكلمات تبدأ الحلقة الثالثة من حلقات "الأبطال"، التي تعرض خلالها الميادين حكاية تحرر محمود العارضة ورفاقه الخمسة من سجن جلبوع، انطلاقاً من تبلور الفكرة لدى العارضة، وانتهاءً بتسلل الضوء إلى أبطال جلبوع عبر حفر النفق، إيذاناً بالحرية.

أطلق الأبطال اسم الشهيد كمال أبو وعر، الذي رحل عام 2020 على بوابة النفق. الشهيد، الذي كان ممن تصدّوا لقوات الاحتلال في أثناء انتفاضة الأقصى عام 2003، وحُكم عليه بستة مؤبدات و50 عاماً، كان رفيقاً لهم في سجن جلبوع، وأُصيب بفيروس كورونا عام 2019، ليُصاب فيما بعدُ بسرطان في حنجرته، ويُنقل بعد جلبوع إلى أكثر من سجن، قبل أن يستشهد نتيجة الإهمال الطبي الإسرائيلي المتعمّد.

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

وعلى مجموعة الحفر، أطلق الأبطال اسم الشهيد محمد ساطي الأشقر، الذي استُشهد في سجن النقب في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2007، بعد اقتحام قوة عسكرية للسجن، واستخدمت في عملية الاقتحام كل شيء، بما في ذلك الرصاص المطاطي، الأمر الذي أسفر عن إصابة نحو 250 أسيراً، 9 منهم كانوا في وضع حرج جداً، منهم الشهيد محمد.

عُمر المخطط من عُمر سجن جلبوع

مخطّط التحرر عمره من عمر معتقل جلبوع، بحيث بدأت الفكرة تتبلور في ذهن محمود العارضة منذ عام 2003. كان حينذاك في شطة، وهنا بدأ الاستكشاف.

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

كان يجمع معلومات من القادمين من جلبوع، يسألهم عن جغرافيا السجن، وشكل الغرف والحمّامات ودورات المياه. وهنا اكتشف وجود ثغرة: "دورة المياه مقعدة أرضية من حديد، يمكن إزالتها من أجل حفر النفق".

هنا، بدأ العارضة يرسل طلبات متتالية للانتقال إلى جلبوع، حتى تَحَقَّق له ذلك في عام 2005. دخل الغرفة، ووجد ما كان يريده، طارحاً الفكرة على بعض الأسرى، لكنه واجه رفضاً منهم، بحيث عدّوا الأمر مستحيلاً.

ظل المشروع معلّقاً. عاد محمود إلى شطة عام 2007، وبقي هناك. وُضع لاحقاً في العزل عام 2011، ثم عام 2014. وخلال بقائه في شطة، وجد العارضة في القسم الـ7 نموذجاً مشابهاً لجلبوع. طرح الفكرة على بعض الأسرى للمرة الأولى، وتفاجأ لاحقاً باكتشافه أنهم اتفقوا على التحرر عبر الجدران، لكن المخطط لم يكتمل.

مرة أخرى، طرح محمود المشروع السابق عليهم. استمر العمل 16 شهراً. وحُفرت عدة أنفاق تحت الأرض، انهار بعضها بسبب مياه المجاري.

وبعد إنجاز الجزء الأكبر من العمل، اكتُشف النفق، فعُزل العارضة مجدداً، ليعود إلى جلبوع في العام التالي. وبدأ عام 2017 تنظيم الموضوع مع أسيرين فقط. فبدأ تجهيز كل الأدوات، ولم يكن يعمل إلّا يوماً واحداً، لساعات فقط.

"عندما تأتي في بال الأسير مسألة الهروب، يمكن لو أنه كان هناك 10 آلاف أسير، فربما لن تجد بينهم واحداً أو اثنين يفكران في الخروج"، هذا ما قاله الأسير أحمد العارضة.

أرجع العارضة الأسباب إلى أن الأسير يكون بين الجدران والأسلاك والحديد والإسمنت المسلّح، والتكنولوجيا العالية والرقابة، والفحوصات اليومية، والتفتيشات المباغتة، والتفتيشات الروتينية، والفحص اليومي، وهو صباحي ومسائي. وهناك الشبابيك والأبواب والأرضيات والسقف والحيطان. هناك فحص لكل شيء، لكل سنتيمتر في الغرف وداخل الأقسام، حيث يوجد الأسرى.

الاختراق والإضراب الجماعي.. لهذين السببين تأجّل المشروع

مشكلتان استجدّتا في تلك المرحلة: اختراق كبير، وحدث لم يكن في الحسبان، وهو إضراب الأسرى الجماعي الكبير. حدث الاختراق حين لم يأخذ أحد الأسرى، الذين اتفق معهم محمود العارضة، الأمر على محمل الجِدّ، وسرّب الفكرة عن طريق المزاح إلى أحد المسؤولين من التنظيمات في القسم، لكن الأخير لم يأخذ الموضوع أيضاً بصورة جدية، الأمر الذي دفع العارضة إلى تأجيل المشروع.

تكررت المحاولات عام 2018، وتم تأجيلها من جديد، نتيجة أحداث معينة داخل سجن جلبوع.

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

في 14 كانون الأول/ديسمبر 2020، بعد التفتيش، نُقل محمود العارضة من الغرفة الرقم 14، التي قرر حفر النفق فيها. وقبل بداية المشروع بأربعة أشهر، عرض الأمر على يعقوب قادري، من دون أن يعرف أين نقطة الانطلاق. وكذلك الأمر بالنسبة إلى أيهم كممجي.

ولتبرير العمل داخل الغرفة، قال محمود للموجودين إنّه يعدّ مخبأ للهاتف، وبالتالي عليهم الخروج كل يوم في أوقات الفورة.

أحد أسرار نجاح عملية "نفق الحرية"

تحدّث الأسير محمود العارضة عن أحد أسرار نجاح حفر النفق، وقال إنّ السر يكمن في أنّه أحاط نفسه بمجموعة شبّان ممن تربوا أمنياً على يديه عندما كان في جلبوع عام 2015. وعند اختيار الفريق كان هناك بحث كبير، فمناضل نفيعات عرفه عام 2014، ومحمود شريم التقاه عام 2017، بحيث مكث عنده أعواماً. وقصي مرعي تعرّف إليه عند اعتقاله. وعلي أبو بكر عاش معه أيضا أشهراً قبل المشروع. ومحمد أبو بكر  تعرّف إليه عبر نفيعات وعلي أبو بكر. أمّا يعقوب قادري وأيهم كممجي ومحمد العارضة وإياد جرادات، فله تجارب معهم.

آنذاك، رأى أحد الأبطال رؤيا في المنام، جاء فيها: "كان النبي (محمد) عليه الصلاة والسلام، قبل عملية التحرر بأشهر، واقفاً في سهل عرابة، والسهل مزروع بنبتة البامية. وكان جزء كبير من الثمر مضى عليه الحَول واستعصى، وجزء منه ناضج. تردّد عدد من الإخوة في تلبية طلب النبي، عليه الصلاة والسلام، الذي أمرنا بأن نقطف الثمر حتى لو كان جزء منه مستعصياً. ومنهم من رفض الاستجابة لطلب النبي، فقلت لهم: إذا كان النبي يطلب إلينا أمراً، فعلينا أن نفعله، وبدأت أجني الثمار. وأحدهم كان متردداً، وأنا لم أتردد. قلت: ألم يقل النبي اجنوا الثمر، فهذا يكفي. كان سهل عرابة محاطاً بمساجد ومآذن ضخمة".

الأسير المحرر كفاح العارضة قال إنّ "العملية تمت، وأحيطت بسرية تامة في السجن، وكانت تحظى بأمن عالٍ جداً. في البداية، كان شخص واحد فقط يشرف على العملية، هو محمود العارضة، خلال فترة معينة. لذلك، أعتقد أن هذا هو أحد أسرار نجاحها.

ثانياً، الخبرة الكبيرة لدى محمود وتجاربه السابقة أعطته الكفاءة في أن يتعامل مع الفولاذ ومع الباطون المسلّح ومع الظروف بطريقة عبقرية أدت إلى النجاح. وأيضاً ظهرت عبر اتجاه النفق نفسه، فعندما تنزل تحت الأرض لا تعرف في أي اتجاه أنت تسير. كل الأمور داخل السجن محدودة، إلّا أن هذه الخبرة لدى محمود أكسبته أن يعرف أين هو يسير بالضبط".

لم يكن في يد محمود العارضة خريطة للمبنى. كل المعلومات عرفها من نفق شطة عامي 2012 و2014. القسم هناك له التركيبة نفسها لقسم جلبوع في طريقة البناء. القسم عند بنائه يُحفر مسافة في الأرض، ثم توضع 4 أعمدة لكل غرفة بالعرض، وبين كل عمود وآخر ثلاثة أمتار ونصف متر.

ولأن الغرفة مركَّبة تركيباً، فيجب وضعها على القواطع، ويدخل القاطع الأمامي مساحة ثمانين سنتمتراً داخل الغرفة، من أجل ترتيب مواسير المجاري. وبذلك، يكون هناك مجرى طويل تحت دورات المياه، من أول القسم إلى آخره.

الخريطة جاهزة في رأس مهندس العملية، وكذلك الفريق. وبعد فتح الباب، بات العمل في التراب ممكناً. عندما أحدث ثقباً واخترق أرض الغرفة، خرج مسرعاً وسجد لله وبشّر الآخرين. وهنا يقول محمود: "كانت رائحة التراب التي تملأ الغرفة من أجمل الروائح".

وهكذا بدأ حفر النفق...

صعوبات رافقت العملية

كثيرة هي الصعوبات التي سبقت فتح باب النفق. فلوح الفولاذ، الذي كان موجوداً تحته، يغطي كل الغرفة. يومان أمضاهما الأبطال في قص الخط الأول، وتحديد الضلع الرابعة منه، وطلب محمود من مناضل نفيعات وقصي مرعي ومحمود شريم محاولة رفعها. كان ذلك صعباً.

أقنعوه بأنه إذا تم رفع الضلع بشكل زاوية قائمة، يمكن تقطعيه، لكن عندما تم رفعه انتصب، ولم يستطيعوا قطعه. وكان الوقت ينفد، فالفحص الأمني يقترب. حاولوا إنزاله، فلم يستطيعوا، فانكسرت القطعة الثانية.

دخل الفحص الأمني الساعة الثالثة، وكانت قطعة الفولاذ منتصبة والباب مفتوحاً. كانت هناك 45 دقيقة لفتح القسم، والوضع كان خطيراً، لأن التفتيش يأتي في هذا الوقت، فطلب من الإخوة الاستنفار.

استمر العمل ساعات متواصلة. تم قطع الحديد، لكن قطعة الفولاذ كانت منحنية، أي أنّه لا يمكن إغلاق باب النفق، فحاولوا تقويمها، فتقرر قص القطعة المنحرفة منها. كان بطل قص البوابة في البداية محمود شريم، بحسب محمود العارضة، وكذلك قصي مرعي، ثم شارك مناضل عندما اقترب الخطر.

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

يروي العارضة للميادين أنّه في شهر الثالث، أي آذار/مارس، جاء فحص تشويش أجهزة الاتصال من الإدارة. أُخرج الأسرى من كل الغرف المحاذية، وكان فُتح النفق فلم يخرج من الغرفة، وقال إنّه يستحم إلى أنّ أغلقه في اللحظات الأخيرة.

بداية شهر نيسان/أبريل، كان العارضة يعمل بمساعدة مناضل. الأخير دخل المجرى بصعوبة، وعندما أراد الخروج لم يستطع، وحُشرت يده تحت صدره. حاول كثيراً فلم يستطع، وبدأت علامات التوتر تظهر عليه، ثم علامات الإغماء، فبدأ محمود الحفر من تحته بصعوبة كبيرة. وبعد نصف ساعة تمكن من إخراجه.

ليست كل أوقات العمل توتراً وقلقاً وتعباً. مواقف لافتة يستذكرها محمود في رسائله. يروي أنّه، في أثناء العمل في اتجاه المخرج، كان شريم ومناضل يرتّبان تحت الغرفة 2 والغرفة 1+2، وقصي يحفر تحت الغرفة الرقم 5، بعد الوصول إلى الغرفة الرقم 6.

تراجع قصي إلى الخلف بسبب ضيق في التنفس، فدخل محمود العارضة مكانه. كان هناك تحدٍّ بينه وبين مناضل وشريم، بأنه (أي محمود) ويعقوب، وهما الأكبر سناً، سيعملان على ترتيب الغرفة 6، وتم إحداث فراغ كبير، فربحا التحدي.

لكن في أثناء العمل، تلقى محمود ضربة من يعقوب كادت تودي به، إذ إنه، في أثناء نقل الحجارة، طلب أنّ يقذف المتوسط منها، فأصابه في رأسه. ويقول العارضة: "كان صعباً جداً.. وضحكنا كثيراً". هكذا يروي محمود حدثاً كان سيودي بحياته، رمياً بحجر. ومع ذلك، يروي الحادثة باعتبارها طرفة، وختموها بضحكة.

اقرأ أيضاً: "الأبطال" عبر الميادين.. الرواية الكاملة للتحرر من سجن جلبوع

ليلة الزلزلة

أصعب اللحظات وُصفت بـ"ليلة الزلزلة". والزلزلة مصطلح استخدمه القائد محمود العارضة في كلامه، تعبيراً عن هول ما جرى. ووصفها محمود بالزلزَلة، متحدثاً: "في شهرِ أيّار/مايو من عام 2021، كنتُ وقصي نعمل في الحفر. بعد نزولنا سمعتُ الأسير إياد جرادات يصرخُ بأنَّ هناك تفتيشاً مفاجئاً، فخرجتُ من النفق، وظننت أنَّ الأمر كُشف".

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

كان باب الحمّام مُغلقاً، وعناصر الإدارة عند مدخل الغرفة، فاستطاع خلال ثوان أن يغلق الباب، علماً بأن الأمر يستغرق عادةً 45 دقيقةً. طلبتْ منهُ الإدارة الخروج من الحمّام، وكانَ حينها قصي وصل إلى باب النفق، وبدأ يصرخُ: افتح الباب. كان يعتقد أن الأمر مزحة.

بدأ السجان يقول له: "ماذا تفعلُ، يا محمود، هل تحفرُ نفقاً؟ فقال له: "نعم، ولا أريد الخروج"، وبدأ يضحك.

أراد قصي أن يفتح الباب، لكنه سمع صوت مفاتيح السجان، فعلم بأن الأمر جِدي. رفضت الإدارة الانتظار، وطلبت إلى محمود الخروج.

سألت الإدارة عن العدد، فأجاب الأسرى بأنهم خمسة. كان مناضل ومحمد العارضة وشريم في المطبخِ في أثناء التفتيش، فأرادوا تحطيم الأدوات كي يشتتوا انتباه الإدارة، لأنهم رأوا أن الأمر انتهى. مضى الأمرُ من دونِ أن تعودَ الإدارة. وهكذا انتهت الليلة المزلزلة.

اقرأ أيضاً: الحلقة الأولى من "الأبطال" عبر الميادين: ولادة فكرة التحرر من "جلبوع"

لحظة الحرية

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

إذاً، ظهر نور الشمس. لحظة لن ينساها الأسرى بعد شهور من العمل المنهك. المرحلة الأولى انتهت، لكن الأصعب آتٍ. بين ربع الساعة الأخير، ولحظة اعتناق الحرية، كل السيناريوهات ممكنة.

في سجن جلبوع 5 أقسام، في كل منها 15 غرفة، وفي كل غرفة 6 أسرى. مئات العائلات في حال ترقب. لحظات طويلة قبل أن تنتشر بطاقات الأبطال الذين نجحوا في عبور النفق.

"إحنا نفسنا تفاجأنا إنو زكريا بيناتهم"، هذا ما قاله يحيى الزبيدي، شقيق الأسير زكريا الزبيدي، بعد علمه بأن شقيقه واحد من أبطال نفق جلبوع، الذين نجحوا في الوصول إلى الحرية. وعبّر يحيى عن المشاعر التي اجتاحته حينها، قائلاً: "هنا اختلطت المشاعر؛ مشاعر فرح لأن شقيقنا هرب من السجن، ومشاعر خوف لأنه في المجهول، لا نعلم شيئاً عنه".

الأسير المحرَّر حسني عيسى قال إنّ الأبطال فجّروا ثورة، وجعلوا كل أسير يفكّر في أن يفعل المستحيل حتى يحرر نفسه بنفسه، ويكسر قيد السجّان. وهنا سألت الميادين: أين تفجرت هذه الثورة: داخل السجون مع الأسرى، أم معكم في الخارج؟

رد عيسى بالقول: "في كل السجون طبعاً، أحدثت ثورة بين الأسرى. كل أسير، كان يفكر في أمور أخرى، صار يفكّر كيف يُنشئ مخرجاً ليخرج إلى خارج القضبان؛ خارج عالم الأسر".

"توقعت أنّ يتم إلقاء القبض عليهم خلال ساعات"، هذا ما ورد إلى رأس الأسير المحرر محمد عرندس، عندما علم بخبر الهروب. وقال إن "سجن جلبوع، الذي أعرفه جيداً، وهو مثله مثل سجن ريمون في البناء، وأشدّ قليلاً، ويُطلَق عليه اسم الخزنة، هذا السجن، أن يستطيع ستة أسرى من الهرب منه أمر لا يصدَّق. حقيقةً، كنت أنتظر أنه في مجرد ساعات سيتم إلقاء القبض عليهم، وأنه لا بد من حدوث ذلك، من خلال الكلاب. طبعاً، أضف إلى ذلك أن هناك دوريات على مدار الساعة تدور حول السجن من دون انقطاع، والأسرى يعرفون جيداً متى تمرّ، لكن هذه الدورية تمر حول السجن تقريباً على مدار الساعة".

فرحة عارمة غمرت قلوب ذوي الأبطال الذين أصبحوا أحراراً من دون قيد أو قضبان. قالت هدى العارضة، والدة محمود العارضة، إنها شعرت بالفرح الممزوج بالصدمة لساعات، وقالت: "لأول مرة منذ ثلاثين عاماً، لا يكون لدى أسرتنا أسرى. كلنا كنا أحراراً".

نضال نفيعات، شقيق مناضل، قال إنّه علم بالخبر في الـ5 صباحاً، ولم يكن أمراً متوقعاً أبداً بالنسبة إلى نضال وعائلته. وأضاف: "نعلم بتجهيزات السجون. هي محصنة، ومن المستحيل أن يخرج منها شخص ما. وبقينا مدة 13 يوماً نشعر بالفخر، لأن شقيقنا حرر نفسه بنفسه، ولم يكن وحيداً، بل كان مع رفاقه".

"أعرف غدر إسرائيل، لذا خفت أن تقتله"، بهذه الكلمات وصف فؤاد كممجي ما تبادر إلى ذهنه، حين سمع بنبأ خروج الأبطال من جلبوع، وقال: "فرحنا وشعرنا بالانتصار، وعندما عرفت أنه هرب، خفت عليه من إسرائيل وغدرها، ومما يمكن أن تفعله به؟".

وتابع: "خفت كثيراً على أيهم. اعتبرت أنها النهاية. كنت زرته قبل أسبوع أو أسبوعين من العملية، فصرت استذكر الزيارة لحظةً لحظةً. هل كان شيئاً يشبه الوداع بيني وبينه. هل كانت آخر مرة أراه فيها... وهلمّ جرّاًا! لا أعرف، لكن يوجد إحساس في الداخل بأن أيهم حي، وسيبقى حياً".

اقرأ أيضاً: الحلقة الثانية من "الأبطال" عبر الميادين: "غرفة قاسم سليماني" في جلبوع

An error occurred while retrieving the Tweet. It might have been deleted.

ما فعله الأبطال أكبر من أن تحجبه "إسرائيل"

حاولت سلطات الاحتلال الإسرائيلي التخفيف من وقع العملية، بعد أن سعت لحجبها عن وسائل الإعلام، لكنّ فعل الأبطال أكبر من أن يُحجَب، فبات الحديث الأول.

سريعاً، انتشر الخبر في صفحات الإعلام، فلسطينياً وعربياً وحتى عالمياً، وبات محل دراسة وتحليل من صحافيين وباحثين ومؤسسات حقوقية. وتباينت المقاربة بقدر ما تعددت الروايات.

خرق أمني بإقرار إسرائيلي، وليس الأمر بالحدث العرضي لكيان قائم بصورة أساسيٍة على الأمن.. من العمليات الفدائية والبطولية في مختلف مدن فلسطين، إلى الصمود في وجه العدوان، والهبّات الشعبية والحملات التضامنية، من القدس المحتلة إلى الضفة ومدن الداخل المحتل وغزة، وسائل إعلام إسرائيلية تتحدث عن تهديدات أكبر من أي وقتٍ مضى.

من وسط جلبوع إلى ما بعد الأسوار، ستة أبطال تنشّقوا نسيم الحرية، باتوا خارج النفق، وبدأت المسارات. 

لمعرفة مزيدٍ من التفاصيل عن عملية سجن "جلبوع"، تابعوا حلقات "الأبطال" المقبلة، الساعة الـ 21:00 بتوقيت القدس الشريف، عبر الميادين

المصدر: الميادين