الشمال السوري: ما يدعيه التركي في الإعلام يكذّبه الواقع على الأرض
بعكس ما توحيه لهجة المغازلة التركية للدولة السورية، من أجل تطبيع العلاقات، والسعي لترحيل اللّاجئين السوريين من الأراضي التركية في اتجاه بيوت مصطنعة على الحدود مع سوريا، يتابع الرئيس التركي سياسته في تغيير الواقع على الأرض السورية سرّاً، وإبقاء الشمال السوري محتلاً، من خلال إصدار بطاقات شخصية للسوريين، وتغيير المناهج الدراسية، إضافة إلى استمرار الانتهاكات بحق السوريين والبنى التحتية.
تغيير ديمغرافي عبر المناهج والهويات
سعت الحكومة التركية مع الفصائل المسلّحة الموالية لها إلى نشر اللغة والثقافة التركية في المناطق الخاضعة لسيطرتها في الشمال السوري، وربط هذه المناطق بتركيا مباشرةً، إذ عملت على تغيير أسماء بعض القرى والأحياء والمعالم من اللغتين العربية والكردية إلى التركيّة، كتغيير اسم الساحة الرئيسية بعفرين إلى "ساحة كمال أتاتورك"، وتسمية الحديقة العامة بإعزاز بحديقة "الأمّة العثمانية"، وفق ما يذكر لنا محمد وهو شاب من مدينة عفرين.
إضافة إلى استخدام اللغة التركية، إلى جانب العربية، في المؤسسات والمستشفيات والمدارس، وإطلاق أسماء ضبّاط أتراك عليها معَ فرض التعليم باللغة التركية وافتتاح فروع للجامعات والشركات التركية.
يؤكّد محمد للميادين نت أنّ تركيا عملت على جعل عفرين تحت إدارة ولاية هاتاي عبر تعيين حاكمها لموظّفين رسميين أتراك للعمل في الشؤون العسكرية والإدارية، إضافةً إلى رفع الأعلام التركيّة وصور إردوغان في المباني الإداريّة، ونشر بطاقات الهويّة التركية بين السكان.
ويشير محمد إلى أنّ تركيا خطّطت لتحويل منزل في منطقة عفرين إلى متحف بحجّة أنّ مصطفى كمال أتاتورك استخدمهُ كقاعدة خلال الحرب العالمية الأولى.
وتدّعي الحكومة التركية امتلاكها مجموعة من القرى بريف إدلب، كذلك تدّعي أيضاً أنّ أجزاءً من مدينةِ الباب في محافظة حلب تعود ملكيّتها لعائلة السلطان عبد الحميد الثاني.
فيما يخصّ العملية التعليمية، سيطرت تركيا سيطرةً مطلقةً على التعليم، إذ عمدت إلى تعديلٍ كبيرٍ في المناهج، بما يتناسب مع وجهة نظرها فيما يتعلق بالأحداث التاريخية. وعلى سبيل المثال، جرى استبدال عبارة "الاحتلال العثماني" في المناهج بعبارة "الحكم العثماني"، فيما يتم تدريس اللغة التركية كلغة أجنبية منذ الصّف الأوّل، ويمكن للّذين يدرسون في مناطق الاحتلال التركي الالتحاق بالجامعات في تركيا.
الفصائل المتشدّدة التي يدعمها التركي تسعى أيضاً لإحداث تغييرات مجتمعية تتناسب مع مصالحها أكثر. يحدّثنا أبو ماجد مثلاً عن قرار "هيئة تحرير الشام" بشأن تغيير الهويات وإنشاء إمارة خاصة بهم، بالتّزامن مع إصدار بلاغ إلى الأهالي بعدم شراء المناهج القديمة ريثما يتم إصدار منهاج جديد يتناسب مع هوى النصرة، وفي كلا الحالتين إن كان الحكم تركياً أو سَلفياً تعتبر مادتي اللغة التركية والشريعة الإسلامية مادتين أساسيتين.
انتهاكات تركية متعددة
على الرغم مما سلف حول المغازلة التركية لدمشق، إلا أنّ الواقع يقول العكس، إذ أنّ التركي لم ينجز أي تقدّم لمصلحة التصالح مع الدّولة السّورية، إذ إنّه يواصل إدخال آلياته إلى الأراضي السورية لتغيير معالمها، وفرض الضرائب ونظام عقارات جديد ونظام جديد للمنظمات، ويقوم كل يوم بسن تشريعات جديدة، إضافة إلى إجراءات مستفزة للمشاعر السورية، كرفع الأعلام التركية على الدوائر والمعابر والنقاط والتلال. ويعمل أيضاً على إنشاء قواعد ووضع السلاح الثّقيل، وتواجد أقسام تابعة للاستخبارات التركية يتم فيها تعذيب وسجن العناصر الشبابية بتهمة انتمائهم للإدارة الذاتية.
في السياق ذاته، يقوم التركي بسرقة زيت الزيتون السوري من عفرين ومناطقها عبر معبر الحمام غرب جنديريس شمالاً ومنه إلى تركيا، ويقوم حالياً بإنشاء ساحة جمارك لتكون نقطة انطلاق للشاحنات تضم طريقاً دولياً ينطلق من جنديريس ومنه إلى تركيا أيضاً.
وفي انتهاكٍ آخر، تقوم القوات التركية بالتعاون مع الفصائل المسلحة بقص الأخشاب في جبال المنطقة، وتصنيعها وإرسالها إلى أوروبا، كما يقومون بسرقة مياه نهر عفرين بعد تجميع المياه في بحيرة ميدانكي، فتعمد تركيا إلى قطع المياه للتحكم بها وإعادة توجيهها حيثما تشاء، موزّعة على أجزاء: جزء يذهب إلى محطة شران يتم بيعه للمواطنين ضمن عدادات، وجزء يتم بيعه للفلاحين، وجزء آخر يذهب إلى تركيا حيث قامت الأخيرة بإنشاء بحيرة اصطناعية تصل إلى منطقة سهل العمق ومنها توصل المياه للداخل التركي.
ويواصل التركي سرقة الآثار من خلال الحفر في مناطق أثرية، أهمّها منطقة دير سمعان الأثرية وبقية مناطق الشمال السوري، وتخريب المنطقة بحثاً عن كل ما هو أثري وتاريخي وبيعه.
وعملت الدولة التركية أيضاً على إنشاء خط لاستجرار الكهرباء، ووضعت عدّادات مُسبقة الدفع عليه، على أن تُباع الكهرباء للمواطنين بأسعارٍ مرتفعةٍ جداً لا تتناسب مع دخلهم.
المعابر: بقرة حلوب لتركيا والفصائل
في الوقت الذي تواصل الدولة السورية السعي لفتح المعابر لخروج المدنيين، تواصل الفصائل المسلحة منعهم باستهدافهم بالرصاص الحي والقنص، ولكن هناك بدائل أخرى للمعابر.
عن هذه البدائل يقول عمر إنّ المواطنين يستطيعون أن يخرجوا بكلّ أمتعتهم ومستلزماتهم التي يحملونها ويحالفهم الحظ، لكن ليس عبر المعابر الرسمية، بل عبر تهريبهم ودفع مبالغ مالية تصل إلى 400 دولار للخروج إلى المدن السورية والعودة بسلام، أمّا مَن أراد الخروج بشكل نهائي فعليه أن يدفع آلاف الدولارات ليضمن عدم استهدافه، وهذا يفسّر منع النصرة فتح المعابر الرسمية، لتبقى طرق التهريب قائمة تدر عليهم الآلاف من الدولارات.
مطالب بدخول الجيش السوري
يطالب مصطفى، وهو من سكان الشمال بدخول الجيش السوري إلى المناطق المحتلة، بحل للمشاكل التي تعاني منها هذه المناطق، وهو يقول إنّه كان ينتظر مع كثيرين فتح المعابر للخروج إلى مناطق سيطرة الدولة السورية أو بانتظار دخول الجيش.
ويتابع مصطفى أنّه لا يريد أن يتعلّم أبناؤه الثلاثة "ثقافة دولة مستعمرة في الوقت الذي لديه دولة ودستور ورئيس"، مؤكّداً أنّ كلامه ناتج عن ألم وحرقة وعذاب لما آلت إليه الحال في هذه المناطق، حيث أصبح نهارهم مثل ليلهم بسبب القصف المتبادل بين المسلّحين وقوّات سوريا الديمقراطية، وبدل الاستيقاظ بسلام يوقظهم صوت طيران الاستطلاع.
يحمّل مصطفى الدولة مسؤولية كبيرة في تحرير الأرض، مشدداً على أنّ كل تأخير سيكون لمصلحة تركيا والانفصاليين، ويؤكد أنّ غالبية السوريين الموجودين في هذه المناطق سيساندون الجيش حين يقرر الدخول إليها.