أشباه الموصلات.. أهميتها الاقتصادية وتأثيرها في الصراع العالمي
"إنّ تصنيع أشباه الموصلات هو مسألة أمن قومي، لا سيما في مواجهة الطموحات الصينية" -الرئيس الأميركي جو بايدن خلال افتتاح موقع مصنع لأشباه الموصلات في البلاد – 11 أيلول/سبتمبر 2022
صنّف الرئيس الأميركي جو بايدن أثناء افتتاح موقع مصنع لأشباه الموصلات في ولاية أوهايو الأميركية يوم أمس، مسألة تصنيع الرقائق الإلكترونية أو أشباه الموصلات على أنّها مسألة "أمنٍ قومي".
وقبل ذلك، وقّع بايدن قانون "CHIPS and Science" لمنح مساعدات بقيمة 52 مليار دولار من أجل تطوير قطاع إنتاج أشباه الموصلات، مشيراً إلى أنّ ذلك يأتي "في إطار التنافس الكبير بين الصين والولايات المتحدة".
تركيز واشنطن هذا على قطاع إنتاج الرقائق الإلكترونية في إطار مواجهتها ومنافستها للصين في الآونة الأخيرة، وإعطاء الأمر هذا الثقل الاقتصادي والسياسي، يثير تساؤلاتٍ عديدة حول ماهيّة أشباه الموصلات وأهميتها، وكيفية تأثير قطاع إنتاجها على الولايات المتحدة والصين على حدٍ سواء، وعلى العالم أيضاً.. فما هي أشباه المصولات؟ وما أهميتها؟
ما هي أشباه الموصلات؟
أشباه الموصلات تأتي على شكل رقاقة، لها خصائص كهربائية معينة تمكنها من العمل كأساس لأجهزة الكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية الأخرى. وهي عادةً ما تكون عنصراً أو مركباً كيميائياً صلباً يوصل الكهرباء في ظل ظروف معينة، ما يجعلها وسيلة مثالية للتحكم في التيار الكهربائي والأجهزة الكهربائية اليومية، مثل الهواتف وأجهزة الكمبيوتر والسيارات والطائرات والأسلحة.
هذه الرقاقات أدارت، في العصر الحديث، الآلات بشكل أسرع وأقل كلفةً وأكثر كفاءة، كما أنّها قادت إلى التطور في التصميم والحجم مثل إنتاج هواتف حديثة وخفيفة الوزن ومعدات ذكية في مجموعة من الصناعات.
لذلك، فإنّ هذا الدور الذي تؤديه أشباه الموصلات في الصناعات التكنولوجية، وحقيقة أنّها تشغّل كل شيء تقريباً في الحياة اليومية، جعلها تصبح من أبرز الأمور التي تتصارع عليها الدول، وفي طليعتها الصين والولايات المتحدة الأميركية.
كيف يتم صناعتها؟
تُصنع هذه الرقائق عادةً من شرائح رقيقة من السيليكون مع مكونات معقدة موضوعة عليها في أنماط محددة. تتحكم هذه الأنماط في تدفق التيار باستخدام مفاتيح كهربائية تسمى "transistors". ومفاتيح أشباه الموصلات كهربائية بالكامل، أي لا توجد مكونات ميكانيكية داخلها.
وتنتج تايوان معظم رقائق السيليكون عالية التقنية في العالم، وهي شرائح بحجم ظفر الإصبع، وتحتوي على بلايين من الترانزستورات المجهرية.
ويتم تصنيع أفضل الرقائق في شركة "Taiwan Semiconductor Manufacturing Company"، والتي قد تكون أهم شركة لم يسمع بها معظم الناس في الولايات المتحدة من قبل، بحسب صحيفة "نيويروك تايمز".
الصراع العالمي حول إنتاج أشباه الموصلات
وبحسب موقع "sciencedirect"، فإنّ "صناعة أشباه الموصلات تُعدّ واحدة من أكثر الصناعات عولمة في العالم، وأيضاً واحدة ذات أهمية استراتيجية كبيرة، حيث يرتبط جزء كبير من الملكية الفكرية الأساسية بتصميم أشباه الموصلات في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وتايوان وبعض المواقع الأوروبية، في حين أنّ الكثير من إنتاج وتجميع واختبار المنتجات يتم في آسيا وخاصةً الصين، أكبر سوق لأشباه الموصلات في العالم".
ووفقاً لموقع (IDC)، من المتوقع أن تصل عائدات قطاع أشباه الموصلات في جميع أنحاء العالم إلى 661 مليار دولار في عام 2022، بمعدل نمو سنوي قدره 13.7%، بعد النتائج القوية لعام 2021، حيث وصلت الإيرادات إلى 582 مليار دولار.
ورغم أنّ أشباه الموصلات اخترعت في الولايات المتحدة، فإنّ البلاد تنتج نحو 10% فقط من الإمدادات العالمية، وفقاً للبيت الأبيض، مع استيراد نحو 75% من الإمدادات الأميركية من شرق آسيا. الأمر الذي أقرّ به بايدن أيضاً، قائلاً إنّ "الولايات المتحدة لا تنتج حالياً أياً من أشباه الموصلات المتطورة والمتقدمة لأنظمة أسلحة المستقبل".
في المقابل، عملت الصين منذ سنوات قليلة سابقة على تحسين قطاع إنتاج الموصلات، وهي شهدت تطوراً ملحوظاً في هذا المجال، إذ "جاءت نقطة التحول في اهتمام بكين بأشباه الموصلات في عام 2014 ، عندما حدد مجلس الدولة هدفاً يتمثل في أن تصبح رائداً عالمياً في المجال بحلول عام 2030. وفي عام 2015، تم إطلاق مشروع صنع في الصين 2025، بهدف تحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتي التكنولوجي"، بحسب موقع "East Asia Forum".
ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فإنّ "الصين تمضي قدماً في خططها لبناء 31 مصنعاً جديداً للرقائق الالكترونية بحلول عام 2024"ً.
هذا التطوّر الذي شهدته الصين في تكنولوجيا الاتصالات من الجيل الخامس، أدّى إلى احتدام الصراع بينها وبين الولايات المتحدة في هذا المجال، وذلك تبعاً لمبدأ من يستطيع أن يؤمن دورة الإنتاج بأكملها داخل حدوده و تحت سيطرته.
وبالتالي تحاول واشنطن تخفيف عملياتها في آسيا ونقلها إلى داخل الولايات المتحدة. من جهتها، تحاول الصين شراء شركات أميركية، وتطوير إنتاجها الداخلي، وتطمح خلال سنوات أن تتحكم في دورة الإنتاج كاملة.
وينطوي الصراع بين بكين وواشنطن أيضاً، على رؤيتين مختلفتين كلياً للإنترنت ولطريقة إدارة الشبكة العالمية. فالتقدم الذي أحرزته الصين، في هذا المجال، والذي سيعتمد في البنى التحتية الموجودة حالياً لدى دول العالم، بما فيها المستشفيات والمواصلات ومحطات إنتاج الطاقة، جعل الغرب، والولايات المتحدة تحديداً، يقف سداً منيعاً أمامها خوفاً من الحضور الصيني داخل دولهم.
مواجهة أميركية - صينية
وفي سياق مواجهة التقدّم الصيني في مجال الرقائق الإلكترونية، فرضت الولايات المتحدة، شرط ترخيص جديد لأي تصدير مستقبلي لأشباه الموصلات إلى الصين (بما في ذلك هونغ كونغ) وروسيا" من أجل "معالجة خطر استخدام هذه المنتجات في الاستخدام النهائي العسكري أو تحويلها لهكذا استخدام".
كذلك، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي، أنّ شركات التكنولوجيا الأميركية التي تتلقى تمويلاً حكومياً ستُمنع من بناء "منشآت تكنولوجية متقدمة" في الصين لمدّة عقدٍ من الزمن، بعد أنّ حددت خططاً لتعزيز الإنتاج المحلي لأشباه الموصلات.
من جهةٍ أخرى، تحاول الولايات المتحدة وتايوان، التي تعد عملاقاً في السوق العالمية لأشباه الموصلات، تطوير التعاون بينهما في هذا المجال، وبالتالي تشديد الخناق على الصين التي تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها، لا سيما وأن رئيسة تايوان تساي إنغ وين، صرّحت في وقتٍ سابق، بأنّها "تتطلع إلى تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة في صناعة أشباه الموصلات وغيرها من الصناعات عالية التقنية".
ووفقاً لتحقيقٍ لصحيفة "نيويرك تايمز"، فإنّه يمكن لحصار تايوان واشتداد الصراع بين الولايات المتحدة والصين حولها، أن يوقف شحنات الرقائق الدقيقة التي تحتاجها الشركات لصنع الأدوات التكنولوجية ومن ضمنها الأميركية.
ويذكر في هذا السياق، أنّ شركات التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم تعتمد بشكل كبير على الرقائق المقدمة من الشركات في تايوان لصناعة أشباه الموصلات "Taiwan Semiconductor Manufacturing Company"، مما يحولها إلى أصل إستراتيجي حيوي لكل من واشنطن وبكين.
يبدو جلياً أنّ قطاع إنتاج أشباه الموصلات سيأخذ حيّزاً كبيراً في الصراعات بين الدول، وبين واشنطن وبكين على وجه التحديد، لما يشكّله هذا القطاع من أهميّة لناحية السيطرة على سلاسل التوريد وفرض الدول لحضورها السياسي والاقتصادي في العالم الجديد الذي يتشكلّ.
وبدون وجود إمدادات ثابتة من أشباه الموصلات، فإنّ أي اقتصاد متقدم سيتوقف عن العمل. وبالتالي، فإنّ هذه التقنيات هي التي ستحدد مكانة كل دولة على الصعيد الاقتصادي وحضورها وتأثيرها السياسي والأمني.