مقتل داريا دوغين.. هل يلجأ الغرب إلى حرب الاغتيالات؟
"إذا رفضت إستونيا تسليم قاتلة الصحافية داريا دوغين، ابنة المفكر الروسي ألكسندر دوغين، فإنّ ذلك قد يكون سبباً في إجراءات روسية صارمة". هذا ما قالته لجنة الشؤون الدولية في مجلس الشيوخ الروسي، بينما أكدّ مكتب الأمن الفيدرالي الروسي، في بيان، أنه "نتيجة لمجموعة من إجراءات البحث العملياتية العاجلة، توصّل الجهاز إلى كشف تفاصيل قضية مقتل داريا"، مشيراً إلى أنّ "التحقيقات أثبتت أنّ جهاز العمليات الخاصة الأوكراني أعدّ الجريمة وارتكبها، وأنّ منفذة العملية هي الأوكرانية فوفك ناتاليا بافلوفنا".
ووصف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اغتيال داريا بالجريمة البشعة، متهماً كييف بتنفيذها.
ففجر الأحد، اغتيلت داريا دوغين (29 عاماً)، ابنة المفكر والمنظّر القومي الروسي، ألكسندر دوغين، المؤرخ وأستاذ علم الاجتماع في جامعة موسكو سابقاً، والمستشار العسكري للكرملين؛ أو "عقل بوتين"، وفق ما يسميه الغرب، والذي يعدّه كثيرون الملهم الروحي للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وللقادة العسكريين الروس. كما يعتقد البعض في الغرب أنه "فيلسوف القومية الروسية المتطرفة"، و"أخطر فيلسوف في العالم".
عملية اغتيال ابنة دوغين في موسكو، وفق تقارير إعلامية، كانت تستهدف ألكسندر دوغين نفسه، بسبب دوره في صياغة العقيدة العسكرية الخاصة بالجيش الروسي، كونه "المهندس المعماري"، أو "المرشد الروحي" للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بحيث كان تنبّأ بأنّ الحرب بين روسيا والأطلسي في أوكرانيا "حتمية". ويزعم الغرب أنه يتمتع بتأثير كبير في بوتين، انطلاقاً من كتابه، الصادر باللغة الروسية، تحت عنوان "أسس الجيوبوليتيك"، والذي يدعو فيه روسيا إلى التحلّي بالقوة، والسعي للعودة إلى الساحة العالمية، وتقويض هيمنة الولايات المتحدة الأميركية على العالم، "من أجل إنقاذ السلطة الأخلاقية لروسيا".
ووفق دوغين، فإن هناك 3 نظريات سياسية أثّرت في العالم في العصر الحديث، هي: الليبرالية والشيوعية والفاشية. ووفقاً له، فإنّ الولايات المتحدة هي زعيمة الليبرالية في العالم. كما يرى أنّ روسيا يجب أن تقود الاتحاد الأوروآسيوي، لذلك أسس "الحركة الأوروآسيوية" الدولية لتحقيق هذا الهدف. وبالنسبة إليه، فإنّ خصم الاتحاد الأوروآسيوي "القاري" ليس الولايات المتحدة وحدها، وإنما "الناتو" نفسه.
عقب عملية الاغتيال، قالت وزارة الخارجية الروسية إنه إذا ثبت تورط السلطات الأوكرانية في مقتل داريا دوغين، فسيكون ذلك إشارة إلى انتهاج نظام كييف سياسة "إرهاب الدولة"، وفق المتحدثة باسمها، ماريا زاخاروفا.
وأعلنت لجنة التحقيق الروسية أنه، نتيجة التحرّي بشأن ملابسات مقتل داريا، فإنّ انفجار سيارتها، الذي قُتلت في إثره، هو "عمل مدبَّر ومخطَّط مسبّقاً"، موضحةً أنه "تأكَّدَ أنه كانت هناك عبوة ناسفة مزروعة في الجزء السفلي من السيارة، تحت مقعد السائق".
بالتوازي، ذكرت مصادر مقربة من التحقيق أنّ "اللجنة لا تستبعد أيضاً أن يكون المستهدف شخصاً ثالثاً، غير دوغين وابنته".
وفي السياق، اتهم رئيس جمهورية دونيتسك الشعبية، دينيس بوشيلين، عبر منصة "تلغرام"، النظام الأوكراني بعملية الاغتيال، وقال إن "إرهابيّي النظام الأوكراني حاولوا القضاء على الفيلسوف والمفكّر ألكسندر دوغين، فقتلوا ابنته، وهم متورطون في الحادث".
عوامل متعدّدة سبقت عملية الاغتيال
ونفت كييف "أي علاقة لها بعملية الاغتيال"، وأكد ميخايلو بودولياك، مستشار الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في مؤتمر صحافي، أنّ بلاده "لا علاقة لها بالانفجار الذي أودى بحياة داريا دوغين". إلّا أنّ عملية الاغتيال سبقتها عوامل متعدّدة، إذ فرضت واشنطن عقوبات على ألكسندر دوغين عام 2014، بعد ضمّ شبه جزيرة القرم، ثم أُضيفت ابنته داريا، الناشطة السياسية ضمن الحركة الدولية الأوراسية، التي يترأّسها والدها.
ووفق الإعلام الروسي، عملت داريا بعضَ الوقت مقدمةً لبرنامج سياسي مع سيرغي ماردان عبر راديو "كومسومولسكايا برافدا". وكانت تشارك في البرامج التلفزيونية السياسية. ونظراً إلى إتقانها اللغة الفرنسية، كانت تتم استضافتها، في الغالب، كخبيرة في السياسة الفرنسية.
حصلت داريا على شهادة دكتوراه في الفلسفة. وكان أحد المجالات الرئيسة لبحثها دراسةَ تأثير أفكار الفيلسوف اليوناني أفلاطون في العالم القديم.
كذلك، دعمت داريا العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وتعرّفت شخصياً إلى عدد من المراسلين الحربيين والقياديين الميدانيين في دونباس، وفق الإعلام الروسي.
في آذار/مارس 2022، ضمت الخزانة الأميركية داريا دوغين إلى قائمة العقوبات على روسيا بسبب "دورها الإعلامي في تأييد العملية العسكرية في أوكرانيا"، ونتيجة مساهمتها في مقال في موقع United World International -UWI، تقول فيه إنّ أوكرانيا "ستُهلَك" إذا تمّ قبولها في "الناتو".
وأدرجت بريطانيا أيضاً داريا في قائمة العقوبات تحت مزاعم أنها "تعمل على نشر معلومات مضلّلة بشأن الصراع في أوكرانيا".
تصعيد غربي ضد روسيا
عملية اغتيال داريا دوغين، ليل السبت الماضي، تشي بنقل الغرب المعركة إلى الداخل الروسي، بعد الانتصارات التي سجّلتها القوات الروسية ميدانياً على الأرض، بعد ستة أشهر على بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، إذ لم يعد أمام الغرب إلّا مواجهة روسيا، عبر الوسائل غير المألوفة وبأسلحة غير تقليدية، بعد فشل كلّ خطواته السابقة، وخرقه الخطوط الحمر. من هنا، وفي حين يحدث كلّ ذلك في ظل توتر واشتباك سياسيَّين ودبلوماسيَّين غير مسبوقين، بين روسيا و"الأطلسي"، سيكون لانتصار روسيا في هذه المواجهة تداعيات غير محتملة على صعيد النفوذ والسيطرة على العالم، وعلى صعيد إنهاء الأحادية القطبية، التي تعدّ واشنطن أنها الممثلة الوحيدة لها، بينما ستفرض روسيا أجندتها على أوروبا "القارة العجوز" إلى مدىً غير منظور.
كما أنّ عملية الاغتيال جاءت أيضاً في ظل التصعيد الغربي، ومن حلف شمال الأطلسي (الناتو) تجاه روسيا أخيراً، والذي بدأ باستهداف مراكز عسكرية روسية في شبه جزيرة القرم في آب/أغسطس الجاري، وهو ما تعدّه موسكو من الخطوط الحمر، ومنها تفجير مطار ساكي العسكري، والحريق الذي نشب بعد انفجار ذخيرة جوية في المطار.
وفكّك جهاز الأمن الاتحادي خلية إرهابية تابعة لجماعة متطرفة محظورة، وذلك بعد أيام من تفجيرات استهدفت إحدى القواعد العسكرية الروسية هناك.
صمود الاقتصاد الروسي أمام العقوبات الغربية
تُستخرج ورقة الاغتيالات في الداخل بعد فشل العقوبات الغربية ضد روسيا، بينما يصمد الاقتصاد الروسي في مواجهتها بطريقة لم يكن متوقَّعاً اعتمادها هذا الحد من المرونة والتكيف. ولفتت مجلة The Economist البريطانية إلى أنّ الاقتصاد الروسي، على الرغم تأثره إلى درجة ما بالعقوبات الغربية، فإنه مستمر في الصمود بنجاح أمام التحديات الجديدة التي يواجهها.
وأشارت المجلة إلى أنّ إجراءات الرقابة على الصرف وسعر الفائدة الذي حدده البنك المركزي الروسي، ساهمت في عودة سعر الروبل إلى مستوى سعره الذي كان في أواخر شباط/ فبراير الماضي، عندما أطلقت روسيا عمليتها العسكرية.
تدرك روسيا هشاشة الوحدة الغربية بشأن أوكرانيا. ووفق ما يقول الكاتب روبيرت د. إنغليش، في مقال نُشر في "ناشونال إنترست"، فإنّ تكاليف دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا ستدفع الاتحاد الأوروبي إلى مشاكل اقتصادية ومالية وسياسية، وستؤدي إلى أعباءٍ مدمرة، ليس فقط بالنسبة إلى أوكرانيا، بل فيما يخص الاتحاد الأوروبي الهش!
وتدلّ خرائط ساحة الحرب على أنّ روسيا نجحت في تحقيق أهدافها، بعد سيطرتها على مقاطعة لوغانسك، ونحو نصف مقاطعة دونيتسك، وعلى ممر بري إلى شبه جزيرة القرم، على طول ساحل بحر آزوف، وجزء من مقاطعة زابورجيه، وجزء من ساحل البحر الأسود في أوكرانيا.
تبدو أدوات اغتيال القيادات الفكرية، وربما الميدانية، هي الأقرب إلى إمكانات الغرب في مواجهة روسيا، التي نجحت في الميدان، ونجحت أيضاً في مواجهة العقوبات الاقتصادية، التي وصلت إلى حدودها القصوى.