رئاسة إردوغان المقبلة: السير على خط رفيع بين روسيا و"الناتو"

الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يقدّم دعمه إلى أردوغان اقتصادياً، في وقت حاسم، قبل أقل من عام على موعد الانتخابات الرئاسية في تركيا، وبعد ازدياد معاناة الاقتصاد التركي من جراء تضخم غير مسبوق.
  • بوتين يدعم أردوغان قبل الانتخابات المرتقبة في تركيا (أرشيف)

بعد أقل من عام على موعد الانتخابات الرئاسية في تركيا، يأتي دعم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لنظيره التركي، رجب طيب إردوغان، في وقت حاسم بالنسبة إلى الأخير، الذي يعاني اقتصاد بلاده تضخماً غير مسبوق، ومعدّلات شعبيته تحوم بالقرب من مستويات قياسية متدنية.

أربعَ ساعات استمرّ الاجتماع الذي عُقد، في سوتشي، بين بوتين وإردوغان الأسبوع الماضي، وأسفر عن تفاهم سيسمح لتركيا بالتخلي عن الدولار في مقابل بعض وارداتها.

"نعمةٌ كبيرة للرئيس التركي"، بحسب ما وصفت صحيفة "بلومبرغ" الأميركية في تقرير نشرته أمس، بيَّنت فيه أن إردوغان يحتاج إلى تحقيق الاستقرار في الاقتصاد التركي، مع قرب استحقاق الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

وأظهر استطلاع للرأي، أجرته شركة "متروبول" الأسبوع الماضي، ارتفاعاً طفيفاً في التأييد لحزب إردوغان، "العدالة والتنمية"، إلى 33.8%، وهو أكبر عدد من المؤيدين لأي حزب بمفرده. لكن الخطورة، التي يستشعرها إردوغان، هي تحالف واسع محتمل لأحزاب المعارضة، التي تنافسه في مقعد الرئاسة.

وتتصدّر مخاوف الناخبين من حالة الاقتصاد، ووجود 3.6 ملايين لاجئ سوري رحّبت بهم تركيا عند بداية الأزمة السورية عام 2011، لكنّ الشعب التركي بات ينظر إليهم الآن، بصورة متزايدة، على أنهم منافسون لهم في الوظائف والخدمات، وفق تقرير لـ"رويترز".

تدهور الليرة.. وزيادة احتياطيات تركيا 

كانت الليرة التركية انهارت في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي بنسبة 18%، وهو أقصى انخفاض خلال الأعوام العشرين الماضية. وفي 20 كانون الأول/ديسمبر، تم تسجيل رقم قياسي وصل الى 18.4 ليرة في مقابل الدولار الواحد، ثم تسارع التضخم السنوي على خلفية التقلبات في العملة الوطنية، ليصل إلى 36%. هذا التضخم أدى إلى رفع تكلفة كل شيء في تركيا، من الغذاء إلى الطاقة والخدمات، ودفع تضخم الأسعار إلى 80%، ليصبح من أحد أعلى المعدلات في العالم.

كما يحذّر المحللون، في تقرير "بلومبرغ"، من أن العملة قد تواجه رياحاً معاكسة أكثر مع نهاية هذا العام، بحيث تحتاج وزارة الخزانة والمالية التركية إلى التخلص من الديون "الدولارية"، مع دخول السياحة في الانخفاض الموسمي. ومع وصول النفط إلى أسعاره الحالية، يمكن أن تصل واردات تركيا من الطاقة إلى 70 مليار دولار، أو ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما أنفقته البلاد على النفط والغاز في العام الماضي. 

لكن الدفع إلى روسيا سيكون بالروبل في مقابل بعض الغاز المستورد، وهو ما يوفر ارتياحاً لدى صُنّاع السياسة الأتراك، من أجل المحافظة على استقرار الليرة، ومنع موجة أخرى من ارتفاع الأسعار قبل انتخابات العام المقبل. ويأتي ذلك بعد فترة وجيزة من زيادة احتياطيات تركيا من الذهب والعملات الأجنبية، بسبب تحويل الأموال من شركة الطاقة النووية الروسية الحكومية، "روس آتوم"، إلى فرعها التركي، "أكويو نيوكلير"، لبناء محطة الطاقة النووية التركية عند ساحل البحر الأبيض المتوسط. وزاد إجمالي احتياطيات تركيا الإجمالية نحوَ 3 مليارات دولار خلال الأسبوع الماضي، بحيث يمثل الذهب 1.6 مليار دولار من الزيادة. وبلغ إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي 61.1 مليار دولار، والذهب 40.2 مليار دولار، وفقاً للبيانات التي نشرها البنك المركزي التركي، يوم الخميس الماضي.

من جهته، قال وزير الخزانة والمالية التركي، نور الدين نيباتي، في مقابلة تلفزيونية، الأسبوع الماضي، إن الاحتياطيات ترتفع بفضل تحويلات ضخمة من دولة أخرى، من دون أن يذكر أياً منها، مضيفاً أن الاحتياطيات ستستمر في الارتفاع خلال الأسابيع القليلة المقبلة مع التحويلات الخارجية. وكان مسؤولون أتراك صرّحوا لوكالة "بلومبرغ"، الشهر الماضي، بأن شركة "روساتوم" الروسية في صدد تحويل 15 مليار دولار لبناء المحطة النووية، بقيمة 20 مليار دولار، لكن الشركة الروسية شكّكت في رواية المسؤولين الأتراك، بحسب التقرير، قائلةً إن "المعاملات الحالية أقل بكثير".

إنجازات الساحة العالمية.. السير على خط رفيع

على الرغم من المشاكل الاقتصادية التي تعانيها أنقرة، فإن إردوغان يلعب على إنجازاته في الساحة العالمية لتدعيم حملته الانتخابية، من أجل الإبقاء على حكمه المستمر منذ ما يقارب 20 عاماً. وبعد نجاته من احتجاجات ضخمة ضده عام 2013، ومحاولة انقلابية عام 2016، سعى الرئيس التركي لإصلاح العلاقات المتوترة بالقوى الأخرى في الشرق الأوسط، آملاً جذبَ الأموال الأجنبية التي تشتدّ الحاجة إليها. وكانت المفاجأة انضمامَ الإمارات العربية المتحدة، المنافس التاريخي لتركيا، إلى الصين وقطر وكوريا الجنوبية، في صفقات تبادل العملات مع أنقرة، بقيمة إجمالية تبلغ 28 مليار دولار.

واختصر إردوغان إنجازاته، التي ربطها بعلاقاته الدولية، في القول، بعد يوم واحد من إجراء المحادثات مع بوتين، أمام حشد من آلاف الأشخاص شمالي غربي البلاد، إن "تركيا تمرّ في أقوى فتراتها، سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً". ومثل هذا الخطاب، قال بعد تطبيق اتفاق استئناف صادرات أوكرانيا من الحبوب، إنه "من خلال تأمين فتح ممر الحبوب، أكدنا مرةً أخرى دور تركيا الرئيس في حل المشاكل العالمية". وجاءت هذه الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، بعد أن حصَّل تنازلات من حلف شمال الأطلسي، بشأن انضمام السويد وفنلندا.

بالإضافة الى ذلك، تمكّن إردوغان، قبل تنفيذ الاتفاقيات الأخيرة، من الحصول على تعهّد من الرئيس الأميركي، جو بايدن، في حزيران/يونيو الماضي، مفاده أنه سيدعم بيع مقاتلات "أف-16" لتركيا، بعد أن منع "الكونغرس" أنقرة من شراء طائرات "أف-35"، بسبب حصولها على نظام صواريخ دفاعية روسية متقدّم (أس-400) في عام 2019. وبناءً على ذلك، سيزور وفد تركي واشنطن، الأسبوع المقبل، لمتابعة تعهد بايدن. وقال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، إن الوفد سيصل إلى واشنطن الإثنين بناء على دعوة من مسؤولين أميركيين، لم يكشف أسماءهم.

في خطواته هذه، "يسير إردوغان على خط رفيع"، بحسب "بلومبرغ"، إذ إنه، مثل الأعضاء الآخرين في منظمة حلف شمال الأطلسي، لا يزال يعارض العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، على الرغم من إرساله أسلحة، من ضمنها طائرات من دون طيار، إلى حكومة كييف للمساعدة على مواجهة الجيش الروسي. 

إردوغان يوازي بين الجبهتين، فمع قرارها إرسال الأسلحة، امتنعت أنقرة عن الانضمام إلى العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا بعد الحرب، بحيث يريد إردوغان تعميق العلاقات الاقتصادية بروسيا - في وقت تغادر الشركات الغربية موسكو - من دون إثارة قطيعة كاملة مع حلفاء الـ"ناتو".

المصدر: وكالات + الميادين نت