الجيش الإسرائيلي: أزمة مستمرة في الحافزية وفي الاستعداد للحرب المقبلة

منشأ القلق في الجيش ليس من أعداد المتهربين، بل أيضاً من تزداد الخشية من عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة للتعامل مع هذه الظاهرة.
  • الجيش الإسرائيلي: أزمة مستمرة في الحافزية.. وفي الاستعداد للحرب المقبلة

على وقع التطورات في المنطقة، كرر ضباط كبار سابقون في الجيش الإسرائيلي تحذيرات من خطورة التغيرات الداخلية التي يمر بها الجيش الإسرائيلي، والتي تؤثر في أدائه في أي مواجهة مستقبلية، ما ينطوي على مخاطر كبيرة في ضوء التقارير والمعطيات والتقديرات التي تشير إلى التراجع في الحافزية، وإلى مشاكل متعددة الأوجه تجعل سلاح البر غير جاهز للحرب، فيما يسود القلق من الكفاءة المنخفضة لسلاح الدبابات، والأخطر من ذلك بالنسبة لإسرائيل هو التحذير من شلل سيعاني منها سلاح الجو أيضاً.

أزمة الحافزية

الحديث عن عدم جاهزية عدد من أذرع الجيش للحرب المقبلة، ترافق مع استمرار الحديث عن خشية من منحى سلبي لحافزية التجنُّد في الجيش، حيث سُجّل في العام الماضي ارتفاع دراماتيكي في عدد الشباب المتهرب من الخدمة في الجيش الإسرائيلي، الذين لا يلتحقون أصلاً بمكاتب التجنيد في يوم تجنيدهم.

وأظهرت تقارير إعلامية ( صحيفة إسرائيل هيوم – 25/07/2022)  أنه في العام 2020 تهرّب من الخدمة في الجيش نحو 2500 شاب، فيما ارتفع العدد في العام 2021 إلى نحو 3100 شاب.

وتقدّر شعبة القوة البشرية في الجيش أن السبب الرئيس لارتفاع عدد المتهربين من الخدمة هو وباء كورونا الذي أبقى الكثير من الشباب في بيوتهم على مدى أشهرٍ طويلة.

وفي ضوء المعطيات "المقلقة" لم ينتظروا في شعبة القوى البشرية، بل شرعوا في اتخاذ سلسلة تدابير واجراءات، بينها تقليص التملصّ من الخدمة على خلفية نفسية، وهذا المؤشر يرسو اليوم على نسبة أقل من 9%.

منشأ القلق في الجيش ليس من اعداد المتهربين، بل من المنحى السلبي الذي تشير إليه. وتزداد الخشية من أنه إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة للتعامل مع هذه الظاهرة، فإن عدد المتهربين من الخدمة سيزداد.

تلك المعطيات وغيرها من الظواهر السّلبية والمُقلقة في الجيش الإسرائيلي ودوره، دفعت وزير شؤون الاستخبارات ورئيس شعبة القوة البشرية سابقاً، اللواء احتياط أليعيزر شتيرن، للقول، في مقالة له (نشرتها صحيفة إسرائيل هيوم بتاريخ 25/07/2022)، إن التجنّد في الجيش الإسرائيلي هو التحدّي بالنسبة إلى المجتمع الإسرائيلي، قبل ان يكون تحدياً للجيش نفسه. ويرى شتيرن إلى أن "الانخفاض في المعطيات يعكس النظرة إلى قيمة الخدمة عمومًا، ولديه أبعاد إضافية مثل الحافزية للوصول إلى مستوى ضابط والالتحاق بالاحتياط".

ويؤكد شتيرن أن هذه المشكلة "ليست مشكلة الجيش الإسرائيلي وحده. إنما مشكلتي ومشكلة أولادنا ومشكلة أحفادنا. والحل هو في بيوتنا، في الجهاز التربوي، لدى كل واحدٍ وواحدة منّا".

سلاح البرّ غير جاهز

من ضمن سلسلة مقالات حول جاهزية الجيش الإسرائيلي للحرب، خصّص اللواء احتياط إسحاق بريك، قائد فيلق وقائد الكليات العسكرية ومفوض شكاوى الجنود سابقًا، مقالاً في صحيفة "إسرائيل هيوم" بتاريخ (26-07-2022) انتقد فيه النظرية الجديدة التي يعمل الجيش الإسرائيلي في إطارها، وهي النظرية التي تتحدّث عن "جيشٍ صغير، تكنولوجي، نوعي وصاحب قدرات هجومية"ْ [أي جيش صغير وفتّاك]، والتي ازدادت حضوراً في عهد رئيس الأركان أفيف كوخافي.

وعلى عادته هاجم بريك مسار التقليصات الذي ينتهجه الجيش منذ أن سادت الرؤية القائلة بأن الحروب الكُبرى [التقليدية] ذهبت إلى غير رجعة، بعد السلام مع مصر والأردن.. وتدمير الجيش السوري.

وفي السياق أشار بريك إلى أن وحدات الاحتياط في جيش البرّ الصغير فقدت أهليتها للقتال أصلاً في أعقاب نقص التدريبات وعدم استيعاب وسائل قتالية جديدة. وأنها اليوم غير مؤهّلة للدخول إلى لبنان.

ويُضيف بريك أن للجيش نقطة ضعف مهمة -أيضاً- في الوحدات النظامية، هذه النقطة  تتجلّى في أن أفكار [نظريات] رئيس الأركان، أفيف كوخافي، عبر إنشاء قتال متعدد الأبعاد ضمن دمجٍ جوي وبري لم تحظَ بالزخم المطلوب، وهي مقتصرة على وحدات معدودة فقط.

ولا يفوت بريك فرصة توجيه انتقادات لإنخفاض مستوى الثقافة التنظيمية في الجيش، وهذه المرّة بالتركيز على ثقافة عدم الانصياع في الوحدات النظامية، معطوفة على انعدام الرقابة والمتابعة، وعدم التأكّد من تنفيذ الأوامر والمعالجة واستخلاص الدروس وتطبيقها. 

سلاح المُدرّعات:  مشكلة في الحافزية والكفاءة 

تحذيرات اللواء احتياط بريك الأخيرة تقاطعت مع تحذيرات أطلقها عدد من الضباط، من فجوات كبيرة بين النظريات والواقع. وأظهرت محادثات صحافية مع عدد من الضباط خصوصاً في الخدمة الدائمة، نشرتها صحيفة " إسرائيل هيوم" (26-07-2022)  أن عهد كوخافي شَهِد تعزيزاً كبيراً للمقار القيادية والأركانية، على حساب رأس الحربة التنفيذية، الذي يُعاني أصلاً من مشاكل خطرة.

وفي الموازاة تُعبّر وحدات عملانية [ميدانية] في الجيش الإسرائيلي عن احباطها الناجم عن الشعورٍ بأن المستوى العسكري والسياسي الرفيع لا يعوّل عليهم، ويعمل كل ما في وسعه لكي لا يفعّلهم في يوم الأمر.

ويحذّرون في ذراع البرّ من مشاكل أكثر خطورة، تتصل بسلاح المدرعات، الذي يُعاني على وجه الخصوص من ظاهرة هبوط الحافزية، وتآكل وتقليصات واسعة. وفي ضوء ذلك يحذّر ضباط  رفيعون من وصول سلاح المدرعات إلى حرب لبنان الثالثة بكفاءة منخفضة، الأمر الذي سيضع مناورة الجيش الإسرائيلي كلّها -"بعبارة مُلطّفة" - في وضع إشكالي.

مشكلتا الكفاءة والحافزية في سلاح المدرعات تُضافان -برأي ضباط- إلى أزمة نقص في القوى البشرية، وإشارات من الواقع الميداني بأن القوى المُخصّصة لهم أقل من الاحتياجات. "بمعنى أن كل جندي يخرج للتدريب أو لأي سبب آخر، يُعطِّل فريقاً كاملاً في سلاح المدرعات". 

سلاح الجوّ سيُشل في الحرب المقبلة

تحذيرات اللواء احتياط إسحاق بريك [قائد فيلق وقائد الكليات العسكرية ومفوض شكاوى الجنود سابقًا]  لم تقتصر على ذراعي البرّ وألوية المدرّعات، بل تطرّقت -هذه المرة- إلى سلاح الجو الذي "سيُشّل في الحرب المقبلة". ويُأصِّل بريك لتقديراته عبر الإشارة إلى وجود ثقافتين تنظيميتين في سلاح الجو: الأولى -برأيه- جيدة وترتبط بالطائرات والطيّارين؛ والثانية رديئة وتتعلّق بإعداد قواعد سلاح الجو لحرب متعددة السّاحات.

 ويشير بريك، في مقالة نشرتها صحيفة " هآرتس" (23-07-2022)  إلى أن اهتمام القيادة العُليا في سلاح الجو بالاستمرارية الوظيفية لقواعده في الحرب المقبلة متعدّدة الساحات قد تقلّص، في ظلّ انهماك القيادة العليا بـ"رأس الهرم" أي بالطيارين والطائرات.

وفي ضوء الاعتقاد بأن قواعد سلاح الجو "ستشكّل هدفاً استراتيجياً للعدو في الحرب المتعددة السّاحات"، يرى بريك أن هذا السلاح لا يستعدّ وليس لديه استجابة لذلك.  ويوضِّح بريك أن "غالبية كتائب الاستمرارية الوظيفية [المعنية بسلامة إقلاع وهبوط الطائرات وأمور تشغيلية أُخرى] هي اليوم في حالة تآكل متقدّمة. حيث أنه ليس هناك وسائل إطفاء. وتقريباً لا توجد سيارة إسعاف لإخلاء الجرحى إلى المستشفيات، ولا توجد آليات للتجوال والسيطرة في أنحاء القاعدة. ومن المفترض أن يستخدم عناصر الاحتياط سياراتهم الخاصة. لا توجد لا قوة بشرية ولا وسائل كافية لجمع شظايا الصواريخ عن مدارج الإقلاع في وقتٍ معقول. لا توجد عقيدة قتالية موحّدة، ولا جهاز تدريب موحّد، ولا عملية منتظمة للتجنيد والتأهيل في الكتائب.. وغالبية قواعد السلاح لا توجد فيها ملاجئ لجنود وموظفي الجيش، الموجودون في كل قاعدة".

ويخلُص بريك إلى أنه و"نتيجة غيابٍ صارخ للمسؤولية من جانب القيادة العليا [في سلاح الجو] -التي يقول عنها إنّها منقطعة عن الواقع- ستكون هناك ضربة قاسية جداً لقدرة تنفيذ مهام الهجوم والنقل الجوّي في الحرب المقبلة متعدّدة السّاحات.

المصدر: الميادين نت