لماذا تُقلق استقالة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي أوروبا؟

استقالة رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، من منصبه، تسببت بموجة صادمة في أوروبا، وفتحت مرحلة من عدم الاستقرار لإيطاليا وأوروبا.
  • لماذا تُقلق استقالة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي أوروبا؟

تسبّبت استقالة ماريو دراغي، رئيس الوزراء الإيطالي، بموجة صادمة في أوروبا، وفتحت مرحلة من عدم الاستقرار لإيطاليا، وللاتحاد الأوروبي أيضاً.

أصحاب القرار وصفوا الاستقالة بأنّها "صاعقة في أوروبا". فبعد فشله في كسب ثقة 3 أحزاب في ائتلافه (حزب سيلفيو برلوسكوني اليميني، وحزب ماتيو سالفيني اليميني المتطرف، وحزب حركة 5 نجوم الشعبوي)، أعاد رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، استقالته إلى الرئيس سيرجيو ماتاريلا، الذي "أحيط علماً بها". هذا القرار، الذي أصبح الآن حتمياً بسبب الانقسامات الحكومية، يمهّد الطريق لإجراء انتخابات جديدة، في 25 أيلول/سبتمبر. في غضون ذلك، أعلنت الرئاسة الإيطالية أنّ "الحكومة لا تزال قائمة لإدارة الشؤون الجارية".

في فرنسا، أحدثت الاستقالة اضطراباً. وأوضح وزير الدولة الفرنسي لشؤون أوروبا، لورانس بون، أنّ المغادرة المتوقعة لماريو دراغي "ركيزة أوروبا"، فتحت "فترة من عدم اليقين". من جانبه، خرج المفوض الأوروبي للاقتصاد، باولو جينتيلوني، من تحفظاته في موقفٍ نادر، لينتقد الأطراف "غير المسؤولة" التي أسقطت رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق (ECB)، أمام مخاطر إغراق البلاد في "عاصفة كاملة". وهذه الاستقالة تُقلق أوروبا بأسرها. فما هو السبب؟

1. لأن اليمين المتطرف في كمين

ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، نجح كرئيس وزراء في توحيد ائتلاف يتراوح من يسار الوسط (الحزب الديمقراطي، إيطاليا فيفا) إلى العصبة (أقصى اليمين، مناهض للهجرة)، مروراً بحزب سيلفيو برلوسكوني (يمين الوسط)، وحركة 5 نجوم. ومن دونه، أصبحت اللعبة مفتوحة الآن، إذ من المقرر إجراء انتخابات مبكّرة، في أوائل تشرين الأول/أكتوبر. ويتصدّر استطلاعات الرأي حالياً "فراتيلي ديتاليا" اليميني المتطرف، بزعامة جورجيا ميلوني، والذي حصل على 23% من الأصوات في المتوسط، وفقاً لإحصاء "بوليتيكو"، مقارنة بـ 22% لحزب يسار الوسط، و15% للرابطة (أقصى اليمين)، و11% لحركة 5 نجوم.

حزب جورجيا ميلوني هو تشكيل ما بعد الفاشية. اشتهرت هي نفسها بانضمامها إلى الشباب الفاشي في الحركة الاجتماعية الإيطالية، وريث حزب بينيتو موسوليني، في عمر 15 عاماً. في اجتماعاتها، تعرّف جورجيا ميلوني بنفسها بانتظام على أنّها "امرأة وأم وإيطالية ومسيحية". ومع ذلك، أوضحت جورجيا ميلوني، في أيار/مايو 2021، في سيرتها الذاتية، أنّ روسيا جزء من نظام القيم الأوروبية، وهي تدافع عن الهوية المسيحية وتحارب الأصولية الإسلامية. في أي حال، فإنّ التحالف الذي يجمع "فورزا إيطاليا"، والحزب اليميني بزعامة سيلفيو برلوسكوني، واليمين المتطرف، الذي يمثله ماتيو سالفيني وفراتيلي ديتاليا، هو الائتلاف المفضّل في هذه الانتخابات المستقبلية.

2. لأن سياسة الحزم مع روسيا لم تعد مضمونة

مع رحيل دراغي، تفقد أوروبا أيضاً زعيماً اتخذ موقفاً حازماً ضد روسيا، عبر إرسال أسلحة إلى كييف ودعم العقوبات الأوروبية ضد موسكو. كذلك، سقطت الحكومة جزئياً في قضية إرسال أسلحة إلى أوكرانيا. في حزيران/يونيو، سافر رئيس الوزراء الإيطالي أيضاً إلى كييف مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس، من أجل إظهار دعمهم لأوكرانيا والمطالبة بانضمام كييف إلى الاتحاد الأوروبي.

عمل دراغي أيضاً، عدة أشهر، على تقليل اعتماد إيطاليا على الغاز الروسي. في حزيران/يونيو، بلغ 25%، في مقابل 40% العام الماضي، وذلك بفضل جهود التنويع. كانت إحدى رحلات دراغي الأخيرة إلى الجزائر، حيث تم إبرام اتفاق على زيادة إمدادات روما بالغاز الجزائري.

لطالما كان لماتيو سالفيني علاقات وثيقة بروسيا. لقد وقف، على وجه الخصوص، في الماضي، بفخر مرتدياً قمصاناً تحمل صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. في أوائل حزيران/يونيو، كان عليه أيضاً الدفاع عن نفسه بعد الكشف عن أن ماتيو سالفيني تناول العشاء، في الأول من آذار/مارس، مع السفير الروسي في إيطاليا، بعد أيام فقط من الحرب في أوكرانيا.

3. لأن الاقتصاد من المرجح أن يعاني

دينٌ عامٌّ يعادل 151% من الناتج المحلي الإجمالي، وفجوة متزايدة في الأسعار بين ألمانيا وإيطاليا. قد يعاني ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو جرّاء رحيل ماريو دراغي، الذي كان يُنظَر إليه على أنّه قطب الاستقرار من جانب الأسواق. ونقلت وكالة "فرانس برس" عن القاضي فيديريكو فيتريلا، المحلل لدى "IG Italia"، أنّ "صدقية إيطاليا تتضرر بصورة كبيرة" من رحيل محافظ البنك المركزي السابق. وبحسبه، يمكن أن يصل الفارق (فارق السعر) إلى "300 نقطة في المدى المتوسط"، وهو ما "سيزيد في ثقل الدين العام".

عند 240 نقطة أساس، يكون الفارق بين أسعار الفائدة الألمانية والإيطالية لعشرة أعوام في أعلى مستوياته، منذ ربيع عام 2020. كذلك، فإن عودة اليمين الشعبوي إلى السلطة، والذي يتصدر استطلاعات الرأي، تهدد أيضاً بإفشال الانتشار، مثلما كانت الحال في عام 2018، بعد وصول تحالف بين العصبة (أقصى اليمين) وحركة 5 نجوم (الشعبوية).

يوم الخميس، أعلنت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، أداةً جديدة تهدف إلى الحد من فوارق الأسعار في البلدان الأكثر هشاشة. لكن، "من غير المرجح" أن يستخدمها البنك المركزي الأوروبي لمعالجة "المخاطر السياسية والمتعلقة بالميزانية"، وفق ما يوضح جاك ألين رينولدز، المحلل في "كابيتال إيكونوميكس". ومع ذلك، فإنّ العودة إلى أزمة الديون الإيطالية، مثل عام 2012، هي في أذهان الجميع، حتى لو لم تكن الفرضية المفضلة للمحللين الماليين حالياً.

4. لأن تنفيذ الإصلاحات معرّض للخطر

كان من المقرر أن تحصل إيطاليا على 200 مليار يورو من خطة التعافي الأوروبية، في مقابل الإصلاحات التي بدأها ماريو دراغي. لكن بعض الإصلاحات الصعبة، التي يتوقعها الاتحاد الأوروبي (الضرائب والمنافسة وتسجيل الأراضي)، قد لا ينجو من رحيله. ونقلت وكالة "فرانس برس"، عن دبلوماسي أوروبي، تحذيره من أنّ "إيطاليا تخاطر بخسارة عشرات المليارات من عملة اليورو، والمتأتية من خطة التعافي، إذا لم يتم تنفيذ 70% من الإصلاحات المخطَّطة في الخطة، بحلول نهاية عام 2022".

المصدر: الميادين نت