60 عاماً على استقلال الجزائر.. شراكة مع سوريا ودعم لفلسطين
في الذكرى الستين للاستقلال، شهدت العاصمة الجزائر أكبر عرض عسكري لوحدات الجيش الوطني الشعبي وقواته، في إطار احتفالات ذكرى انتزاع السيادة الوطنية، أُطلقت المدافع معلنة بدء الاحتفال الذي تابعه آلاف الجزائريين على امتداد الطريق الوطني الحادي عشر.
وافتتح الرئيس عبد المجيد تبون الاحتفالات بوضع إكليل من الزهور على قبر الجندي المجهول في "مقام الشهيد" بأعالي العاصمة، ثم انتقل إلى مكان العرض العسكري في الضاحية الشرقية.
وعلى متن سيارة مكشوفة، قام تبون، مع رئيس أركان الجيش الفريق أول سعيد شنقريحة، بتفقد القوات العسكرية وقوات الأمن والحماية المدنية، المشاركة في العرض العسكري. وفي الوقت نفسه، أطلقت 60 طلقة مدفع توازي ستين عاماً من الاستقلال.
وبدأ العرض العسكري بعزف للفرقة النحاسية للحرس الجمهوري، بينما عبرت الأجواء مروحيات وطائرات تابعة للقوات الجوية من طراز سوخوي 30 و24، واليوشين 76 و78، وميغ 25 و29 ، وطائرات تدريب رسمت في الجو خطوطاً بألوان علم الجزائر، الأخضر والأحمر والأبيض.
وفي الساحل المقابل لساحة العرض، تعاقبت غواصتا الونشريس وجرجرة والبوارج الحربية وسفن التدريب لضباط البحرية، وسفن الإنقاذ في أعالي البحار.
يتعدى عرض الاستقلال في الجزائر هذا العام رسائله العسكرية البحتة، على الرغم من رفع القيادة الجزائرية السقف عالياً، عبر عرضها أسلحتها المتطورة أمام العالم، إلّا أنّ العرض يعيد تركيز موقع الجزائر المحوري، وتأثيرها في القضايا الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي لا تغيب عن الجزائر، قيادةً وشعباً، ولاسيما في ظل رفضها الانجرار وراء موجة التطبيع العربية مع "إسرائيل"، بينما لا يغيب موقف الجزائر المبدئي بشأن الشراكة مع سوريا، حتى في ظل أعوام الحرب الطويلة عليها، وكان آخرها الدعوة إلى عودة سوريا إلى شغل مقعدها في جامعة الدول العربية.
وتثبت الجزائر، من جديد، دورها المحوري في القارة الأفريقية، ولاسيما في شمالي أفريقيا، عبر شراكة استراتيجية مع تونس ودعمها للحل السلمي والحوار في ليبيا، ورفضها التغلغل الإسرائيلي في القارة السمراء، عبر أدائها دوراً مهما في رفض انضمام "تل أبيب" إلى الاتحاد الأفريقي.
إلى جانب الدور المحوري، سياسياً وعسكرياً، يبرز دور اقتصادي مهماً للجزائر، تزامناً مع أزمة الطاقة العالمية المستجدة، في ظل الحديث عن دور الغاز والنفط الجزائريين في تأمين عجز إمدادات الطاقة في أوروبا.
العلاقات بين باريس والجزائر
على الرغم من مرور ستة عقود على انسحاب الجيوش الفرنسية، فإنّ العلاقات بين باريس والجزائر لم ترتق إلى المستوى الطبيعي، على الرغم من المبادرات الرمزية التي تقوم بها فرنسا.
بعد حرب استمرت ثمانية أعوام بين الثوار الجزائريين والجيش الفرنسي، توقف القتال بعد توقيع اتفاقيات إيفيان التاريخية في 18 آذار/مارس 1962، والتي مهّدت الطريق لإعلان استقلال الجزائر في الخامس من تموز/يوليو من العام نفسه.
وانتزعت الجزائر الاستقلال بعد سبعة أعوام ونصف عام من حرب دامية، خلّفت مئات الآلاف من القتلى، الأمر الذي جعلها المستعمرة الفرنسية السابقة الوحيدة في أفريقيا، في أعوام 1960، والتي تحرّرت بالسلاح من فرنسا.
لكن، بعد 60 عاماً على نهاية الاستعمار، لم تندمل الجراح في الجزائر، على الرغم من سعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، منذ انتخابه، إلى تهدئة الذاكرة بسلسلة من المبادرات الرمزية التي لم تصل إلى حدّ تقديم الاعتذار.
وردّاً على هذه المبادرات، قال رئيس مجلس الأمة، وأحد قادة حرب الاستقلال، صالح قوجيل: "لا يمكن أن ننسى أو نمحو، بسبب أي إجراء كان، مسؤولية فرنسا الاستعمارية عن الإبادة الإنسانية (التي تعرّض لها الشعب الجزائري) والإبادة الثقافية وإبادة هويته".
في آذار/مارس، أكد الرئيس عبد المجيد تبون أن جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر لن تسقط بالتقادم، داعياً إلى "معالجة منصفة ونزيهة لملف الذاكرة والتاريخ في أَجواء المصارحة والثقة".
وبدا أنّ العلاقات بين البلدين تراجعت إلى أدنى مستوى لها في تشرين الأول/أكتوبر عندما صرّح ماكرون بأنّ الجزائر تأسّست بعد استقلالها على "ريع ذاكرة"، يقف خلفه "النظام السياسي العسكري"، الأمر الذي أثار غضب الجزائر.
وتحسنت العلاقات بالتدريج في الأشهر الأخيرة، وأعرب ماكرون ونظيره الجزائري، عبد المجيد تبون، في مكالمة هاتفية، في 18حزيران/يونيو الماضي، عن رغبتهما في "تعميقها".
"مصالحة الذاكرة"
وعلى الصعيد الداخلي، تسعى السلطات الجزائرية للإفادة من الذكرى التاريخية لتخفيف التوترات الداخلية بعد ثلاثة أعوام من انطلاق تظاهرات الحراك، المؤيدة للديمقراطية.
وأطلق تبون، في أيار/مايو، مبادرة لكسر الجمود السياسي من خلال استقبال عدد من قادة الأحزاب السياسية، بينهم قادة من المعارضة، ومسؤولون في النقابات العمالية ومنظمات أرباب العمل.
وبمناسبة عيد الاستقلال، وقع الرئيس تبون، الإثنين، خمسة مراسيم رئاسية تتضمن إجراءات عفو وتخفيض العقوبة لنحو 15 الف سجين محكوم عليهم نهائياً في جرائم القانون العام.
كما أعلنت الرئاسة الجزائرية أن الرئيس "من خلال المشاورات مع ممثلي الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، يجري حالياً إعداد قانون خاص لفائدة المحكوم عليهم نهائياً"، يمكن أن يشمل مساجين الحراك أيضاً.