شراكة روسية إيرانية في مواجهة العقوبات.. تعاون استراتيجي وقلق أميركي

العلاقات الإيرانية الروسية تسير إلى الأمام بخطى ثابتة بعد زيارات متبادلة بين الرؤساء وتحالفات في العديد من الملفات.
  • تتعدد أشكال التعاون بين روسيا وإيران

"تعزيز التنسيق هو السبيل لمواجهة العقوبات الأميركية، والتعاون بين روسيا وإيران في مجال الطاقة له آفاق واعدة".. هذه كانت أولى كلمات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي عقب استقباله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي وصل إلى طهران الأربعاء. وخلال زيارته إلى طهران، سيجري لافروف مباحثات في تعزيز التعاون في مجال التجارة والطاقة، ورفع مستوى العلاقات بين طهران وموسكو، وتحفيز التبادلات بينهما، وخصوصاً على المستوى التجاري، إضافةً إلى الاتفاق النووي والوضع في أوكرانيا وسوريا وأفغانستان.

جاءت التصريحات الإيرانية الروسية من طهران أمس لتؤكد الجاهزية لرفع مستوى التعاون بين البلدين، في خطوة تأتي رداً على الإجراءات الأميركية تجاه البلدين، وهي بلا شك ستثير القلق الأميركي، وخصوصاً أنّ الرهان الأميركي كان دائماً على إسقاط هذه الدول اقتصادياً في سياق الحرب الاقتصادية التي تشنها واشنطن وحلفاؤها على عدة دول، في مقدمتها روسيا وإيران، إذ فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على البلدين اللذين يتمتعان باحتياطات من النفط والغاز مهمة عالمياً، من أجل الحد من قدرتهما على التصدير والاستفادة من عائدات مصادر الطاقة.

وكدليل على رؤية البلدين، للتقارب والتنسيق بينهما في مواجهة الإجراءات الأميركية، كان بيان الرئاسة الإيرانية أمس الخميس واضحاً، إذ قال إن الرئيس إبراهيم رئيسي "أكَّد أنّ تعزيز التعاون والتنسيق هو السبيل المؤثر لمواجهة العقوبات الأحادية الاقتصادية الأميركية". من جهته، أكد لافروف، أنّ الرئيس بوتين يعوّل على عقد لقاءات جديدة مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي.

أشكال التعاون الروسي الإيراني

السياسة الإيرانية المعلنة منذ وصول رئيسي إلى سدة الرئاسة تعمل على تعزيز العلاقات مع دول المنطقة، وخصوصاً تلك التي تقف في وجه المصالح والأطماع الأميركية، ويعتبر التعاون بين روسيا وإيران من السبل الأساسية لمواجهة العقوبات الاقتصادية، وخصوصاً أنّهما تتمتعان باقتصاد منتج، وباستقلال اقتصادي في العديد من القطاعات. وقد اتخذت العلاقات بينهما أهمية كبيرة بالنسبة إلى البلدين،لكونهما يتشاركان في مواجهة عقوبات أميركية قاسية.

اللقاء الأخير بين بوتين ورئيسي في موسكو في كانون الثاني/يناير الفائت شكّل نقطة تحوّل لعلاقات الطرفين، كما قال رئيسي، وترك تأثيراً في ضمان أمن المنطقة وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية الإقلیمیة، وخصوصاً أنّ الزيارة تهدف أيضاً إلى تحديث "معاهدة العلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون". وأكد الرئيس الإيراني حينها أنه بحث مع نظيره الروسي مسودات بشأن تعاون استراتيجي مشترك على مدى العقدين المقبلين.

الجدير ذكره أنّ التعاون بين روسيا وإيران يتخذ أشكالاً عديدة، ربما يكون أبرز وجوهه هو المجال النفطي. بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 4 مليارات دولار بحلول صيف عام 2021 (بداية ولاية رئيسي). وبحسب وكالة "إرنا"، تم تحديد آفاق هذا التبادل بـ"10 مليارات دولار في ضوء اعتماد سياسة الدبلوماسية الاقتصادية وتطور العلاقات مع الجيران".

وعقب القمة الروسية الإيرانية، عبّر وزير النفط الإيراني جواد أوجي، الذي رافق رئيسي إلى موسكو، عن أمل الحكومة الإيرانية بارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين، "ومن خلال خارطة الطريق التي رسمناها، إلى 40 مليار دولار سنوياً في غضون عام ونصف العام".

كذلك، يمثل التعاون فى المجالين النووي والعسكري حيزاً كبيراً من الشراكة بين البلدين، إذ تعتبر روسيا الشريك الأساسي لإيران في برنامجها النووي ومصدر تزويدها بالتكنولوجيا النووية، إضافةً إلى التعاون في الحفاظ على أمن المنطقة، والذي تتشارك فيه روسيا وإيران من خلال التعاون مع الدول المحيطة بهما ومساعدتها في حل أزماتها، والتعاون في سوريا وأفغانستان خير دليل على ذلك.

وإضافةً إلى الاتفاقيات السابقة بين البلدين، تم التوقيع على "اتفاقيات مهمة" في أولى أيام القمة الإيرانية الروسية مطلع العام الحالي، كما أعلن وزير النفط الإيراني، الذي أكَّد أن "الاتفاقيات المهمة التي توصل إليها الجانبان كانت أكثر مما نتوقعه"، والتي تشمل بشكل أساسي  تطوير حقول النفط والغاز الإيرانية.

وأعلنت الجهات الرسمية الروسية أنّ المنتجات والبضائع الإيرانية يمكنها أن تحل محل البضائع الغربية، وتم البحث في موضوع إلغاء التأشيرات بين البلدين، واستيراد المواد الخام لصناعة التعدين من روسيا، من خلال نظام المقايضة.

التعاون بين البلدين لا يشمل جوانب اقتصادية فقط، بل يشمل تبادل خبرات أيضاً، وخصوصاً في مجال مواجهة العقوبات. كتبت ايكاتيرينا كوبيتس ونيكولاي إيفاشوف في "إكسبرت رو" مقالاً بعنوان "إخوة في العقوبات.. روسيا تعزز التعاون مع إيران". وركزت الكاتبتان على استفادة روسيا من الخبرة الإيرانية الكبيرة في تجاوز العقوبات الأحادية التي تفرضها الدول الغربية والولايات المتحدة.

إضافة إلى كسر العقوبات، عبر رئيس لجنة الصداقة البرلمانية الإيرانية الروسية، إبراهيم رضائي، عن أنَّ التعاون بين البلدين في التعاملات المالية والمصرفية شهد تطوراً مهماً، إذ "تم الاتفاق على كسر هيمنة الدولار من خلال حذفه من التعاملات التجارية بين البلدين".

اقرأ أيضاً: روسيا وإيران.. نحو علاقة استراتيجية لمواجهة نهج الأحادية الأميركية
 

صياغة اتفاقية استراتيجية لمدة 20 عاماً

المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، صرح في 11 كانون الأول/ديسمبر الماضي أنّ "صياغة وثيقة التعاون التي تبلغ مدتها 20 عاماً مع روسيا أوشكت أن تنتهي"، وأنّها ستكون مماثلة لـ"وثيقة التعاون الإيرانية الصينية التي تبلغ مدتها 25 عاماً".

هذه الاتفاقية وُقعت لأول مرة في 12 آذار/مارس 2001 في موسكو، بحضور رئيسي البلدين، محمد خاتمي وفلادمير بوتين، تحت عنوان "قانون الاتفاقية الأساسية للعلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون بين جمهورية إيران الإسلامية والاتحاد الروسي"، وهي تنصّ على إبرامها مدة 10 سنوات، و"إذا لم يقم أي من الطرفين بإخطار الطرف الآخر كتابياً بنيته إنهاء الاتفاقية قبل عام واحد على الأقل من انتهاء سريانها، فسيتم تمديدها تلقائياً لمدة 5 سنوات".

تحتوي الاتفاقية مقدمة و21 مادة. وتشير المادة 6 من المعاهدة إلى التعاون بين البلدين في مجال الطاقة، بما في ذلك الطاقة النووية، وتنص على أن "يتعاون الطرفان بهدف توسيع علاقات طويلة الأمد لتنفيذ مشاريع مشتركة في مجالي النقل والطاقة، بما في ذلك الاستخدام السلمي للطاقة النووية وبناء محطات الطاقة النووية والصناعات والعلوم والتكنولوجيا والزراعة والصحة العامة".

امتدت رؤية الشراكة بين موسكو وطهران إلى العلاقات الإقليمية والدولية أيضاً، ومن ذلك التعاون على صعيد منظمة "شنغهاي"، إذ مُنحت إيران العضوية الكاملة في المنظمة في أيلول/سبتمبر 2021، الأمر الذي دعمته روسيا، انطلاقاً من حقيقة أنّ "طهران تؤدي دوراً مهماً في المنطقة"، وفقاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

قلق غربي من التعاون الروسي الإيراني

حظي التعاون بين روسيا وإيران باهتمام وسائل الإعلام الغربية، إذ تحدثت عن مخاوف أميركية _ أوروبية من التعاون والتنسيق بين روسيا وإيران.

مما لا شك فيه أنّ دولاً إقليمية وغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، قلقة من التعاون، وأنّ تمديد الاتفاقية بين موسكو وطهران أو تغييرها إلى "اتفاقية استراتيجية شاملة طويلة الأمد"، سيثير ردود فعل سلبية، وخصوصاً من قبل "إسرائيل" والولايات المتحدة.

طوال السنوات الماضية، أعربت أميركا عن قلقها من التقارب الروسي الإيراني. هذا القلق أشارت إليه "وكالة استخبارات الدفاع" الأميركية، عندما تحدثت عن مضمون قائمة المشتريات الإيرانية من روسيا، العسكرية والخدماتية والغذائية، ووصفت التعاون بأنه يشكّل "خطراً كبيراً على المنطقة".

في مقابل هذا القلق، يسير التحالف الذي يجمع بين روسيا وإيران إلى الأمام بخطى ثابتة بعد زيارات متبادلة بين الرؤساء وتحالفات في العديد من الملفات. وتعتبر العلاقة الروسية الإيرانية مرشحة إلى التطور بشكل أكبر، في ظل تعاظم التعاون بين البلدين في مجالات الاقتصاد والتسليح والتعاون النووي.

اقرأ أيضاً: رئيسي في موسكو.. نقطة تحول في العلاقات الروسية الإيرانية 

المصدر: الميادين نت