قمة الأميركيتين: فشل آخر في سياسة واشنطن تجاه أميركا اللاتينية
ليس من الصعب تخيّل الصدمة التي أحدثتها القمة التاسعة للأميركيتين في البيت الأبيض. إذ جدت واشنطن نفسها مجبرة على سماع ما لا تريد سماعه. وعلى الرغم من غياب عدد من القادة المؤثرين في القارة، رفضاً لعدم دعوة كوبا وفينزويلا ونيكاراغوا، كان صوت هذه البلدان يصدح في لوس أنجلوس، وخصوصاً في "قمة الشعوب" البديلة ،التي عقدت في المكان والتوقيت نفسه، وشارك فيها ما يزيد على 1000 مدعو يمثلون أكثر من 200 منظمة من المجتمع المدني.
وبينما شكل هذا الحدث فشلاً سياسياً لواشنطن، كان مثيراً للاهتمام الأثر الذي تركته هذه القمة في بلدان أميركا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي، إذ أظهرت بلدانها موقفاً موحداً من سياسات واشنطن الساعية للهيمنة على المنطقة، فضلاً عن تمسكهم بمشاركة الجميع، وبشروط متساوية. وبرز كذلك الموقف المشروع والشجاع للرئيس المكسيكي،أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، والبلدان الأعضاء في "المجموعة الكاريبية" (CARICOM)، وكذلك الموقف الثابت لكلّ من رئيس بوليفيا، لويس آرسي كاتاكورا، ورئيسة هندوراس، سيومارا كاسترو، إضافة إلى موقف الأرجنتين، بصفتها رئيساً لـمجموعة دول أميركا اللاتينية والكاريبي (CELAC)، الذي يعبّر عن رأي أغلبية بلدان المنطقة.
ظهر جلياً في هذه الحدث القاري نهج الازدراء، التي تتبعه الولايات المتحدة في سياستها الخارجية تجاه المنطقة. وفي الوقت الذي يجب أن تمثل هذه القمة مكاناً لطرح مشكلات القارة الأميركية، تجاهلت واشنطن المواضيع والمشكلات الأساسية، التي تعانيها هذه القارة، وكان جدول الأعمال يناسب مصالح البلد المضيف فقط.
على سبيل المثال: قضية الهجرة في أميركا اللاتينية الناجمة عن عدم الاستقرار الاقتصادي والعنف، كما هي الحال في كولومبيا. كيف يجري الحديث عن هجرة من كوبا وفنزويلا وتُقترح الحلول لمواجهتها من دون دعوة أي من هذه الدول الى القمة؟
إضافة إلى ذلك، تجاهل الرئيس الأميركي، جو بايدن المطالب بشأن الحصار المفروض على كوبا، ولم يكلّف نفسه عناء تبرير وشرح الأسباب التي تمنعه، إذا لم نقل من رفع الحصار فعلى الأقل العودة عن الإجراءات القسرية والأحادية الجانب، التي اتخذها سلفه دونالد ترامب، في الأيام الأخيرة، من ولايته ضد الجزيرة، والتي تتسبب بمعاناة يومية للشعب الكوبي، والتي أكد بايدن خلال حملته الانتخابية أنّه سيجري مراجعة شاملة لها.
مع الأخذ بالاعتبار السياق الذي اتخذته قمة الأميركيتين والقرارات التي اتخذتها، فمن البديهي الوصول إلى نتيجة مفادها أنّ حكومات أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي لا يمكن أن تتوقع شيئاً جديداً أو إيجابياً من الإدارة الأميركية، تجاه بلدانها، وفي الوقت نفسه يشكل هذا فشلاً في سياسة واشطن تجاه هذه القارة المهمة، ما ينعكس تصاعداً مستمراً لليسار في بلدان في القارة على حساب اليمين الموالي لواشنطن.
ليس من الصعب على من يراقب الخريطة السياسية لأميركا اللاتينية أن يلاحظ هذا الصعود للحكومات اليسارية في القارة، ووفق ما أكّد الرئيس الكوبي أخيراً فإنّ أميركا اللاتينية تغيّرت ولا تستطيع والولايات معاملة شعوب المنطقة بالطريقة التي عاملتها بها في القرن العشرين، وإنّ "ما تحتاج إليه المنطقة في الوقت الراهن هو التعاون، لا الإقصاء، التضامن، لا الخسّة، الاحترام، لا الغطرسة، السيادة وحرية تقرير المصير ، لا التبعيّة".