دعوة ماكرون إلى "عدم إذلال روسيا" تُقابَل بالسخط أوروبياً وأميركياً
ردَّ عدد من المسؤولين الأوروبيين والأميركيين، بشدة، على كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي قال فيه إنّه "لا يجوز إذلال روسيا حتى نتمكّن، في اليوم الذي يتوقف القتال، من بناء مخرج عبر القنوات الدبلوماسية".
في المقام الأول، بادر القادة الأوكرانيون، وجاء ردهم في صياغة حادّة تضمّنت القول إنّ الدعوات إلى تجنّب إذلال روسيا لن تؤدي إلّا إلى إذلال فرنسا. وقال وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، إنّ "من الصعب قبول القلق الذي أثاره إيمانويل ماكرون للتسوية ذات يوم مع روسيا فلاديمير بوتين".
لم يعد يُنظَر إلى "الرئيس الروسي على أنّه محاور موثوق به من جانب المسؤولين الأوكرانيين، بل كعدو يجب محاربته، وحتى ضربه"، بحسب رئيس البرلمان الأوكراني، روسلان ستيفانتشوك، الذي رأى أنّ "القادة الروس، وبوتين شخصياً، هم من يهين روسيا".
في أوساط حلفاء كييف تزداد الشكوك بشأن نيّات إيمانويل ماكرون، من الجانب الأوكراني، بحيث تعمل كييف على الحصول على وضع المرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي، وتتوقع دعماً واضحاً في هذا الاتجاه من فرنسا، في نهاية رئاستها الدورية لـمجلس الاتحاد في نهاية حزيران/يونيو.
قبل أن يطمئن الإليزيه، لم يكن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قدّر بالفعل اقتراح إنشاء "مجتمع سياسي" مع الدول التي تطمح إلى دخول الاتحاد الأوروبي، من أجل تأمين وصولها إلى مجموعة الـ27، من دون التسرع في التوسيع.
ردود الفعل من عواصم أوروبية أخرى لا تزال تتردّد في أروقة الإليزيه. رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الإستوني، ماركو ميكلسون، قال، عبر صفحته في فيسبوك، إنّ الرئيس الفرنسي "يبحث عن سبل إلى تجنيب مجرم الحرب بوتين الإذلال. ماذا سيقول لتلك الفتاة الصغيرة في أوكرانيا؟"، مضيفاً أنّ "أفضل طريقة لمساعدة أوكرانيا هي على العكس من ذلك، عبر تزويدها بأسلحة ثقيلة كافية، حتى تتمكن من صدّ روسيا، بل حتى هزيمتها".
وقالت رئيسة الوزراء الإستونية، كاجا كالاس، في ردّ على كلام ماكرون، إنه يجب "إعطاء أوكرانيا الأدوات اللازمة لكسب الحرب. وعزل روسيا هو أمر ذو أهمية قصوى"، مضيفةً أنّها على "اتفاق كامل مع المسؤولين البريطانيين".
وعلّق السفير الأميركي السابق في روسيا (في عهد باراك أوباما)، مايكل ماكفول، والأستاذ في جامعة ستانفورد، عبر قوله إن "بوتين لن يتفاوض إلّا عندما يتعذر على جيشه التقدم، مُذَلاً. لمَ لا؟، مضيفاً أنّ "على ماكرون أن يركز على ذلك، فبوتين يُخطط من أجل ضم المنطقة التي تمّ احتلالها مؤخراً".
وتابع: "آمل ألّا يقبل ماكرون هذا العمل غير القانوني البحت حتى لا يُذَلّ بوتين، لا يجب إذلال أولئك الذين ضموا أراضي في القرن الـ21 فحسب، بل يجب اعتقالهم أيضاً".
بدوره، كتب الدبلوماسي الأميركي، دانييل فرايد، وهو مستشار لدى المجلس الأطلسي، في تويتر قائلاً إن "الضغط على روسيا، عسكرياً واقتصادياً، سيحسّن فرص التوصل إلى نتيجة إيجابية، وليس بوادر حسن نية".
"وضع مشابه لفردان"
من أجل تبرير مقاربته بشأن عدم إذلال روسيا، يقارن ماكرون، الذي يؤكد أيضاً ما يعدّه "الخطأ التاريخي"، عزل بوتين بـ"الإملاءات" التي فرضها المنتصرون في الحرب العالمية الأولى على ألمانيا المهزومة، من خلال معاهدة فرساي، التي من كان شأنها أن تغذي صعود النازية، واستيلاء أدولف هتلر على السلطة، الأمر الذي أدى إلى الحرب العالمية الثانية.
ويقابل مسؤولون أوكرانيون هذا الكلام بنفي المقارنة، والقول إن "روسيا بوتين ليست ألمانيا في عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته، بل هي أكثر قابلية للمقارنة بألمانيا النازية في حالة حرب، والتي يجب إيقافها بأي ثمن".
وفقاً للدبلوماسي السابق، ميشيل دوكلوس، فإنّ "موقف إيمانويل ماكرون يثير تساؤلات لسببين على الأقل. ففي الأساس، يفهم الأوكرانيون ودول المنطقة أنّ رئيس الدولة يريد أن يقول إنّه لا يجوز هزيمة روسيا، بحيث لا يجب إذلال بوتين، وهو ما يتعارض مع إرادة الحصول على وقف لإطلاق النار، وانسحاب الروس على الأقل إلى مواقعهم في 23 شباط/فبراير، قبل اندلاع الأعمال العدائية"، كما يوضح.
وتابع أنّه "بالنسبة إلى شخص يجعل تعزيز القارة وتماسكها أساس سياسته، فإنّ هذه التصريحات تضر بسمعة فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي"، مضيفاً أنّه "بينما كانت دونباس تشتعل بالنار والسيف، فإنّ الأوكرانيين في وضع مماثل لوضع معركة فردان من أجل فرنسا، في عام 1917".