وثائق رُفعت عنها السرية: ديغول أبقى مرتكبي مجازر ضدّ الجزائريين في مناصبهم

نُشرت وثائق سرية تُظهر أنّ الرئيس الفرنسي الأسبق، شارل ديغول، "أُحيط علماً بمذبحة ارتُكبت في 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961 في باريس، وراح ضحيّتَها عشراتُ الجزائريين، لكنه أبقى على المسؤولين عنها في مناصبهم".
  • بينما لم يتمّ تحديد العدد الدقيق للضحايا على الإطلاق، فإن بعض المؤرخين ذكر أنه تجاوز 200 شهيد جزائري

أظهرت وثائق، رفعت الحكومة الفرنسية السرية عنها، ونُشرت اليوم الإثنين، أنّ الرئيس الفرنسي شارل ديغول "أُحيط علماً بمذبحة راح ضحيّتها عشرات الجزائريين في باريس، لكنه أبقى على المسؤولين عنها في مواقعهم".

وأظهرت وثائق الأرشيف، التي رُفعت عنها السرية ونشرها موقع "ميديابارت"، المتخصص بالتحقيقات، أنّ ديغول "أُحيط علماً بمذبحة ارتُكبت في 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961 في باريس، وراح ضحيتَها عشراتُ الجزائريين، لكنّه أبقى المحافظ موريس بابون والوزراء المسؤولين في مناصبهم".

ووفق ما نشره الموقع، فإنّ مستشار الجنرال ديغول للشؤون الجزائرية، برنار تريكو، كتب في مذكِّرة موجَّهة إلى رئيس الجمهورية، بتاريخ 28 تشرين الأول/أكتوبر 1961، بشأن "احتمال وجود 54 قتيلاً".

وأوضح مستشار ديغول أنّ "بعضهم أُغرق، وآخرين خُنقوا، وآخرين قُتلوا بالرصاص. وفُتحت تحقيقات قضائية. وللأسف، من المحتمل أن تُفضي هذه التحقيقات إلى اتهام بعض ضباط الشرطة".

وكان نحو 30 ألف جزائري تظاهروا سلمياً، في ذلك اليوم، بدعوة من جبهة التحرير الوطني، المناضلة من أجل استقلال الجزائر، احتجاجاً على حظر التجول المفروض على الجزائريين في باريس من دون سواهم.

واعترفت الرئاسة الفرنسية، في تشرين الأول/أكتوبر 2021، للمرة الأولى، بـ"توقيف ما يقرب من 12 ألف جزائري، ونقلهم إلى مراكز فرز في ملعب كوبرتان وقصر الرياضة وأماكن أخرى"، وأنّه تمّ "قتل العشرات منهم، وأُلقِيت جثثهم في نهر السين، بالإضافة إلى سقوط كثير من الجرحى".

واعترف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في 16 تشرين الأول/أكتوبر، في الذكرى الخمسين لهذه المجزرة، في بيان، بـ"جرائم لا تُغتفر ارتُكبت تحت سلطة موريس بابون"، محافظ باريس عام 1961.

وبحسب الوثاق، كشف تريكو لديغول، في مذكرة ثانية بتاريخ 6 تشرين الثاني/نوفمبر 1961، "مسألة تتعلق بالعمل الحكومي"، وهي "معرفة ما إذا كنا سنترك الأمور تسير من دون تدخل. وفي هذه الحالة، من المحتمل أن المسألة ستتعقّد، أو إذا كان على وزير العدل (برنارد شينو حينها) ووزير الداخلية (روجيه فري) إبلاغ القضاة وضباط الشرطة القضائية المختصة أنّ الحكومة تريد أن يتمّ جلاء الضوء عما حدث".

وتابع: "يبدو أنّ من الضروري أن تتّخذ الحكومة موقفاً بشأن هذه القضية. عليها، مع سعيها لتجنب الفضيحة قدر الإمكان، أن تُظهر لجميع الأطراف المعنية أنّه لا يجب القيام بأمور معينة، ولا السماح بحدوثها".

وظهرت، في الوثيقة، التي تمّ رفع السرّية عنها في كانون الأوّل/ديسمبر الفائت، إجابة ديغول الخطية: "يجب جلاء الضوء عما حدث وملاحقة الجناة، ويجب أن يتخذ وزير الداخلية تجاه الشرطة موقفاً ينمّ عن سلطة"، وهو ما لم يفعله.

ولم يُلاحَق أيّ شرطي في إطار تلك المجزرة، كما تمّ تثبيت وزيري الداخلية والعدل في منصبيهما، وكذلك بقي موريس بابون محافظاً لباريس، وهو لطالما نفى أن تكون الشرطة ضالعة في أعمال عنف على الإطلاق.

ولاحقاً، في عام 1998، أُدين بابون بالتواطؤ في جرائم ضدّ الإنسانية، بسبب دوره في نقل يهود إلى معسكرات اعتقال خلال الحرب العالمية الثانية.

يُذكَر أنه، في 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961، وبأوامر من قائد شرطة باريس آنذاك موريس بابون، هاجمت الشرطة مظاهرة نظمها 25 ألف جزائري مؤيدين لـ"جبهة التحرير الوطني"، احتجاجاً على حظر التجوّل المفروض على الجزائريين.

ونفت السلطات الفرنسية، أو أخفت، فترة طويلة، تلك المذبحة التي وقعت خلال النضال ضد الحكم الفرنسي في الجزائر. وكان رئيس بلدية باريس هو أول من أحيا هذه الذكرى عام 2001. وبينما لم يتم تحديد العدد الدقيق للضحايا على الإطلاق، فإن بعض المؤرخين ذكر أنه تجاوز 200 شهيد.

يُذكَر أن ماكرون اعترف سابقاً بأنّ الجيش الفرنسي "عذّب واغتال" المناضل الجزائري علي بومنجل، في عام 1957، ولم ينتحر كما تم الترويج حينها، من أجل التغطية على الجريمة.

كما طلب ماكرون "الصفح" من الحركيين الجزائريين، الذين قاتلوا في صفوف الجيش الفرنسي خلال حرب الجزائر، معلّناً إقرار قانون "تعويض" قريباً.

المصدر: الميادين نت