مناورة أميركية - إسرائيلية لضرب أهداف إيرانية.. لعبة تفاوضية أم استعداد لهجمات؟
يعدُّ اختلاف المصالح بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" بشأن عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي سبباً مساهماً في حالة الانسداد التي وصلت إليها مفاوضات فيينا مؤخراً.
التوصّل إلى اتفاق نووي كان ولا يزال مطلباً لإدارة الرئيس جو بايدن، إذ يكفل هذا الاتفاق تجميد البرنامج النووي الإيراني عند مستوى محدد، مقابل رفع العقوبات القاسية التي فرضت خلال الأعوام القليلة الماضية على إيران، وهو من هذه الجهة يسمح بتهدئة القلق الأميركي الذي تحدثه إيران نسبياً، ويمنح واشنطن فرصة للتفرغ لقضايا ذات أولوية في الاستراتيجية الأمنية الأميركية (الصين، المحيط الهادئ، روسيا).
طموح واشنطن باتفاق "سهل" وذي فوائد، يحدّه السعي الإسرائيلي لتعطيل المفاوضات أو حرفها نحو أفق مسدود، من خلال الضغط على واشنطن لإدراج قضايا أخرى غير ذات صلة بالبرنامج النووي في قائمة عمل المفاوضين في فيينا، تندرج في عداد مصالحها الخاصة، أو مطالبة إدارة بايدن بعدم الاستجابة للمطلب الإيراني برفع حرس الثورة الإسلامية من قائمة الإرهاب (وهذا ما يجد أصداءً له في الكونغرس الأميركي)، وهو المطلب الذي يمثّل اليوم اختباراً أساسياً لصلاحية الاتفاق.
المناورات الإسرائيلية بمشاركة أميركية ورقة ضغط في المفاوضات
منذ العودة الأميركية إلى طاولة المفاوضات، تطالب "إسرائيل" الدول الأوروبية وأميركا بإيقاف المفاوضات وإحباطها، وتشديد العقوبات، وتلوّح بالتدخل العسكري ضد طهران بهدف منعها من الاستمرار في برنامجها النووي ومحاولة تقليص نفوذها على المستويات كافة.
آخر هذه التلويحات، إعلان "إسرائيل" إجراء مناورات عسكرية بمشاركة سلاح الجو الأميركي تحاكي هجوماً محتملاً على المنشآت النووية في إيران، خلال مناوراتها الكبرى المعروفة باسم "مركبات النار".
المناورات ستضرب أهدافاً افتراضية في قبرص، وتبتعد عن الأراضي الفلسطينية المحتلة مسافة مشابهة لتلك التي تبعدها المنشآت النووية الإيرانية. مهمة سلاح الجو الأميركي ستقتصر على تزويد المقاتلات الإسرائيلية بالوقود، وهي في طريقها إلى تنفيذ الهجمات.
ونقلت "القناة الـ 13" الإسرائيلية عن السلطات المحلية قولها: "إذا لم يهاجم الأميركيون معنا فعلى الأقل سيساعدوننا".
ووفق "هيئة البث الإسرائيلية"، فإنّ "إسرائيل" تحاول أن تخلق خياراً عسكرياً ثانوياً لدى أميركا لمواجهة الملف النووي الإيراني. هذا الخيار يخدم، من جهة أخرى، واشنطن التي تبدو غير مستعدة لتقديم تنازلات إضافية في المفاوضات، إذ يظهرها بمظهر المستعد لأقصى الاحتمالات في حال فشل التوصّل إلى اتفاق، بما في ذلك توجيه ضربات جوية للبرنامج النووي الإيراني.
من ناحية أخرى، صعّد وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس أمام مؤتمر "مركز السياسات والاستراتيجيا"، يوم أمس، لهجة تصريحاته ضد إيران، قائلاً: "إسرائيل ستواصل التصدّي لنشاط إيران الإقليمي"، مؤكداً أنّ "إحدى العبر المستخلصة من الحرب في أوكرانيا أنّه يصحّ تفعيل واستخدام القوة الاقتصادية والسياسية، وإذا لزم أيضاً العسكرية، بأسرع وقت ممكن".
بدورها، اعتبرت الكاتبة الصحافية ليلاخ شوفال، في مقال في "إسرائيل اليوم"، أن "الجيش الإسرائيلي يعتقد أنّ المفاوضات النووية وصلت إلى طريقٍ مسدود، استناداً إلى المبادئ التي يصعب على أيّ طرف من الأطراف التخلّي عنها، ومع ذلك فإنّ الرسائل التي تلقّتها إسرائيل من الولايات المتحدة، هي الرغبة الأميركية في استكمال المفاوضات في هذه المرحلة".
وبغضِّ النظر عن نتائج المفاوضات، ستحتاج "إسرائيل" إلى ضمان دعم الولايات المتحدة ومشاركتها في أيّ عملية عسكرية، حيث يشكِّك العديد من القادة العسكريين الإسرائيليين في إمكانية نجاح أيّ ضربة عسكرية بعيداً عن التنسيق المباشر مع الإدارة الأميركية، كما أنّ "إسرائيل" غير قادرة على استهداف إيران بسبب نقص لوجستي في قدراتها، إذ يفتقد سلاح جوّها إلى الجاهزية اللازمة لضرب أهداف بعيدة بعد المفاعلات الإيرانية.
وفيما تبدو "إسرائيل" مستنفرة، تمضي إيران في تطوير برنامجها النووي النووي السلمي على أساس إرادتها المستقلة وطموحاتها الإقليمية؛ فالوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة تُظهر أنّ إيران تمتلك الآن 42 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصّب بنحو 60%، وهو مستوى يقول الخبراء إنه يمكن تحويله بسرعة إلى يورانيوم صالح للاستخدام في صنع الأسلحة، ويجعل إيران دولة على عتبة إنتاج قنبلة ذرية.
كذلك، أوضح تقرير الوكالة أنّ مخزون اليورانيوم المخصّب بشكل عام وصل إلى حوالى 3200 طن بزيادة 707.4 كغم عن الربع الأخير من العام الماضي، أي بزيادة نسبتها 22.1%، خلال ثلاثة أشهر فقط. وطبقاً للإنجازات التي عرضتها إيران بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للصناعات النووية، فإنّ من المستبعد أن تقدّم طهران تنازلات لصالح الولايات المتحدة، بل على العكس، من المتوقع أن تقدّم أسباباً تكنولوجية وصناعية تبرر الحاجة إلى تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 60%، وخصوصاً أنّها تسعى لأن تصبح لاعباً جديداً في السوق العالمي للمحطات النووية.
الرصاصة الأوروبية لإحياء الاتفاق النووي تعرقلها مساع إسرائيلية
كسرت زيارة منسّق المحادثات النووية في الاتحاد الأوروبي، إنريكي مورا، جمود سبعة أسابيع من توقف المفاوضات. مورا قدّم إلى إيران مبادرة أميركية ليست بجديدة، وهي مبادرة تعتمد على تجزئة القضايا المتبقية المهمة، مثل تصنيف حرس الثورة الإيرانية منظمة إرهابية. لكن "إسرائيل"، التي ليست طرفاً في الاتفاق، تدفع إلى إبقاء حرس الثورة في قائمة الإرهاب.
وتقول صحيفة "لاكروا" الفرنسية إنّ "عقبة سياسية ما تزال أمام المفاوضات الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني؛ فطهران تطالب، على وجه الخصوص، بسحب الإجراء الذي اتخذه دونالد ترامب في عام 2019 بتصنيف حرس الثورة الإسلامية ضمن المنظمات الإرهابية، وهو ما ترفض الولايات المتحدة القيام به حتى الآن".
ومن اللافت أنّ السلطات الألمانية احتجزت مورا وفريقه في مطار فرانكفورت ساعات عديدة لدى عودتهم من العاصمة الإيرانية، الأمر الذي صنّفه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، في خانة المساعي الإسرائيلية لوقف تقدّم المفاوضات، قائلاً: "اللوبي الصهيوني له نفوذ في الأجهزة الأمنية الألمانية".
ربما هناك سيناريوهان أمام الاتفاق النووي الأول إذا فشل الأطراف المفاوضون في العودة إلى الاتفاق؛ فمن المرجح أن تعود الولايات المتحدة إلى استراتيجية الضغط الأقصى بالتعاون مع الدول الغربية والعربية و"إسرائيل"، أما الثاني فهو رفع حرس الثورة الإسلامية من قائمة الإرهاب الأميركية، استجابة لمطالب طهران، وهذا الأمر سيرفع قدرة الأخيرة النووية والاقتصادية، ويعزّز حضورها الإقليمي في المنطقة.