فرنسا: معركة الانتخابات التشريعية تنطلق ومحاولات لرأب الصدع بين اليسار واليمين

محاولات ترميم التيارات السياسية تحظى بالأولوية المطلقة من الآن إلى موعد الانتخابات التشريعية. وقد بدأت بالفعل عبر نقاشات ومؤتمرات واتصالات حثيثة لجسر الخلافات وتقريب البرامج من بعضها البعض.
  •  محاولات ترميم التيارات السياسية تحظى بالأولوية المطلقة

معركة الانتخابات التشريعية في فرنسا بدأت عملياً قبل معرفة نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي حملت إيمانويل ماكرون مرة ثانية إلى رئاسة البلاد. الاستحقاق الدستوري في حزيران/يونيو المقبل ينطوي على أهمية استثنائية، ويُعتبر مفصلاً في عهد الرئيس، نظراً إلى ما تمثله التوازنات داخل البرلمان الجديد من حلقة أساسية تمكّن رئيس البلاد من الحكم بهدوء وسلاسة في حال حصوله على أغلبية نيابية أو تجعله أسير غالبية نيابية معارضة وتفرض عليه التعايش معها مُقيّداً.

نتائج الانتخابات الرئاسية لا توحي بانتقالٍ سلسٍ لماكرون من عهدٍ إلى عهدٍ ثانٍ. اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان يمتلك 23% من أصوات الفرنسيين، في حين حصدت "فرنسا غير الخاضعة" اليسارية بزعامة جان لوك ميلينشون 22%. الطرفان المعارضان لسياسة ماكرون، ومنذ لحظة إعلان فوز الأخير بالرئاسة، أطلقا معركة الانتخابات التشريعية رسمياً، ما يعني أنهما بدآ بالتحضير عبر مشاريع تحالفات وتفاهمات، كل في منطقته السياسية، لنيل أغلبية برلمانية.

الطريق ليست ممهدة أمام القوى الرئيسية الآنفة الذكر للوصول إلى بلورة مثل هذه التحالفات، نظراً إلى التناقضات والحساسيات القائمة داخل معسكراتهم، وهو الأمر الذي ظهّرته معركة الرئاسة التي أكدت الانقسام العميق داخل ساحات اليسار واليمين المتطرف على حد سواء.

إنّ محاولات ترميم التيارات السياسية تحظى بالأولوية المطلقة من الآن وحتى موعد الانتخابات التشريعية. وقد بدأت بالفعل عبر نقاشات ومؤتمرات واتصالات حثيثة لجسر الخلافات وتقريب البرامج من بعضها البعض.

في ساحة اليسار الّذي عاش انقساماً خطراً أطاح فرصة حقيقية لحمل جان لوك ميلينشون إلى الإيليزيه، ثمة قناعة تامة باستحالة توسيع قاعدته البرلمانية وإيصالها إلى مستوى الأغلبية من دون العودة إلى التفاهم.

النقاش مفتوح على مصراعيه بعد دعوة ميلينشون ناخبي اليسار إلى الاتحاد خلف برنامجه "المصير المشترك" لانتزاع أغلبية برلمانية توصله إلى رئاسة الحكومة المقبلة. إنها دعوة تنطلق من يقين زعيم "فرنسا غير الخاضعة" بأن رصيده بين الفرنسيين يعزز فرصة منع ماكرون من التفرد بالحكم مرة أخرى، لكن دون هذا الهدف، كما في السابق، معوقات، أهمها تمسك أحزاب يسارية، كـ"البيئة" بزعامة يانيك جادو والاشتراكي بزعامة آن هيدالغو، بشروط ومطالب ملخصها عدم إعطاء ميلينشون موقع الريادة في المعركة المقبلة.

جادو البيئي الذي لم يحصد أكثر من 5% من الأصوات في معركة الرئاسة كان صريحاً في رفضه الوقوف خلف ميلينشون. وقد قال إنه "يؤيد التحالف" بين قوى اليسار في الانتخابات التشريعية المقبلة، لكن ليس خلف جان لوك ميلينشون، كما قال لإذاعة "فرانس إنتر": "إذا أردنا الفوز في هذه الانتخابات التشريعية، فعلينا احترام هويات جميع أعضاء هذا التحالف".

ويعتبر هذا الموقف استمراراً للخلاف حول قيادة الحركة اليسارية وشروط الاتحاد، والذي أدى إلى فشل مرشح يساري في الوصول إلى الدورة الثانية من انتخابات الرئاسة.

وقال يانيك جادو: "أنا أؤيد تشكيل ائتلاف". وأضاف: "يجب أن يكون هذا المنظور واسعاً حتى نرسل أكبر عدد ممكن من النواب إلى الجمعية الوطنية"، معتقداً أن هذا المنظور "يجب أن يكون منفتحاً للغاية"، وأنه "لن ينجح" إذا كان وراءه جان لوك ميلينشون.

 ربما يكون موقف جادو من باب المناورة، فالمفاوضات جارية مع ميلينشون للتوصل إلى تفاهمات معينة، في حين أن الاتحاد بين "فرنسا غير الخاضعة" والحزب الشيوعي محسوم، إضافةً إلى بدء اللقاءات مع الحزب الاشتراكي للتداول في معركة الانتخابات التشريعية، على الرغم من أن المراقبين لا يعولون كثيراً على تفاهم حقيقي وواضح بين الطرفين.

اليمين المتطرف

بين مارين لوبان الطرف الأقوى في ساحة اليمين المتطرف وإريك زيمور بحزبه الذي حصد 7% من أصوات الفرنسيين في الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة، وعلى الرغم من أن الأخير عبّر صراحةً عن توجهه إلى التحالف مع لوبان، لا يوجد تفاهم واضح في الأفق، ولكن هناك مناقشات محتملة.

في نهاية الانتخابات الرئاسية، دعا إريك زمور مارين لوبان إلى الاتحاد لممارسة المزيد من التأثير في الانتخابات التشريعية في حزيران/يونيو، لكن مرشحة التجمع الوطني ترفض أي تحالف، انطلاقاً من رؤيتها القائلة إن تلقيها الدعم من تيارات اليمين أمر تلقائي وطبيعي لا يحتاج إلى تعهدات، إلا أنّ زيمور ليس من النوع الذي يضحي من أجل العقيدة. وقد قال صراحة للوبان: "بقبولك اليد التي أمدها إليك، لديك الفرصة لوضع حد للطوق الذي أدى إلى إعدام فرص المعسكر الوطني لمدة 40 عاماً مضت"، ليدعوها من ثم إلى "الاتحاد معه".

المصدر: الميادين نت