7 أعوام من العدوان على اليمن.. كيف تضرّر الاقتصاد السعودي؟
حين شنّت السعودية حربها على اليمن قبل 7 أعوام، كان في حسبانها أنّ الأمر سيكون معركةً خاطفة لن تستغرق منها سوى بضعة أشهر. راهنت السعودية، في بداية عدوانها على اليمن، على قواتها العسكرية وحلفائها في الخليج وخارجه، وعلى التغاضي الدولي، من أجل تحقيق "النصر السريع"، إلا أنّ ارتباك استراتيجيتها وهشاشة تحالفاتها جعلا الحرب ترتدّ عليها، عبر استنزافها مالياً، وتكبّدها خسائر اقتصادية باهظة.
الكتلة المالية الضخمة، إلى جانب امتلاكها ترسانة وازنة من الأسلحة، أشعرا السعودية وحلفاءها بـ"فائض القوة"، إذ آمنت دول التحالف بقدرتها على حسم المعركة بسهولة. لكن، مع دخول العدوان السعودي على اليمن عامه الثامن من دون حسمٍ عسكري، تضغط الحرب باطّراد على اقتصادات دول الخليج المنتجة للنفط، إذ تستمرّ الخسائر البشرية والاقتصادية، المباشِرة وغير المباشِرة، في التزايد يوماً تلو الآخر.
تتحمل السعودية، بصورة أساسية، تكاليف العدوان الأكبر، كونها تقود التحالف، ولاسيما مع تقليص الإمارات مشاركتها العسكرية قبل ثلاثة أعوام. ومع كل يوم تستمرّ فيه السعودية في حربها، تزداد تكاليفها وترتفع فاتورة الحرب على اقتصادها، متكبدةً خسائر لم تكن في حسبانها.
الدين العام يرتفع.. والضرائب تزداد
على الرغم من تكتّم دول التحالف السعودي على خسائرها الاقتصادية خلال الأعوام الماضية في عدوانها على اليمن، فإنّ هناك عدداً من التقديرات، التي تنشرها مراكز الأبحاث المتخصصة، تشير إلى حجم هذه الخسائر. فمن حيث مستوى الإنفاق المالي على الحرب، قدَّرت مجلة "التايمز" البريطانية سابقاً تكلفة الحرب على دول التحالف بنحو 200 مليون دولار يومياً، أي 72 مليار دولار سنوياً، بينما تقدّر مصادر أخرى التكلفة بمبالغ أكبر كثيراً، فوفقاً لتقديرات "فورين بوليسي"، بلغت تكلفة الحرب التي تكبّدتها السعودية في الأشهر الستة الأولى فقط، والمتعلقة بالصفقات العسكرية، نحو 725 مليار دولار.
وتتحمّل السعودية الضرر الأكبر جرّاء الحرب، مقارنةً بحلفائها الآخرين. وفي محاولة منها لمواجهة الإنفاق العسكري الكبير، ولتغطية العجز في موازنتها العامة الذي واجهته، لجأت، في الأعوام الماضية، إلى السحب من أصولها الخارجية، بحيث تراجعت قيمة الأصول الخارجية من 732.3 مليار دولار في عام 2014 إلى 616.3 مليار دولار عام 2015، ثم إلى 535.7 مليار دولار، و496.5 مليار دولار في عامَي 2016 و2017 على التوالي، بمعدل تراجع سنوي يقدَّر بنحو 12.1%.
وسعت السعودية لزيادة إيراداتها عبر فرض ضرائب ورسوم جديدة على المواطنين والمقيمين بالمملكة، وزيادة تعرفة عدد من الخدمات، إلى جانب خفض الدعم الموجَّه فيما يتعلق بالمشتقات النفطية والخدمات الأساسية، وهو ما كان له أثر واضح في زيادة تكاليف المعيشة بالنسبة إلى المجتمع السعودي.
الأمر لم يقتصر على ذلك، بل ازداد الدَّيْن العام نتيجة النفقات العسكرية الهائلة، بحيث قفز مؤشر الدَّين العام بطريقة تصاعدية خلال الأعوام الأخيرة من عدوانها على اليمن، وهو ما تؤكده بيانات وزارة المالية السعودية، فبلغت الديون المباشرة القائمة على الحكومة السعودية 142.2 مليار ريال سعودي (37.9 مليار دولار أميركي) أواخر عام 2015، لترتفع عاماً تلو الآخر، وتصل في نهاية عام 2021 إلى 938.0 مليار ريال سعودي (250.1 مليار دولار أميركي).
الاستثمار الأجنبي "ينخفض إلى الأرض"
مع استمرار العدوان السعودي على اليمن، لم تكن تبعاته مرتبطة بارتفاع حجم الإنفاق العسكري فقط، بل برزت عواقبه أيضاً في مجالات الاستثمار في الدول الخليجية. فالاستقرار، أمنياً واقتصادياً، يُعَدّ العامل الأهم في جذب الاستثمارات الأجنبية، لكن الردود اليمنية الموجعة على تواصل العدوان، والتي استهدفت عمق دول التحالف، وخصوصاً السعودية والإمارات، خلقت انعداماً للاستقرار، وهروباً للاستثمارات الأجنبية.
في هذا الصدد، ذكرت مجلة "فوربس"، في تقريرٍ لها أواخر العام الفائت (2021)، تحت عنوان "الاستثمارات الأجنبية في السعودية تهوي إلى الأرض"، أنّ الاستثمارات الداخلية في المملكة "تراجعت بصورة قياسية بعد أن وصلت إلى مستوى مرتفع جديد في وقت سابق من العام". وأشارت المجلّة إلى أنّ "أحدث الأرقام الصادرة عن البنك المركزي السعودي (سما)، أظهرت أنّ الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إلى البلاد بلغ 1.75 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2021"، الأمر الذي شكل "انخفاضاً حاداً عن الرقم القياسي، والبالغ 13.8 مليار دولار في الربع الثاني الممتد من نيسان/أبريل إلى حزيران/يونيو".
ولفتت المجلة الأميركية، في تقريرها، إلى أنّ الأرقام المذكورة تعبّر عن أداء البلاد في الجزء الأخير من عام 2020 وأوائل عام 2021، وتؤكد "الصعوبة المستمرة التي تواجهها الحكومة في جذب مستويات كبيرة من الاستثمار الداخلي".
وبحسب المجلة، فإنّ "مستويات الاستثمار الأجنبي المباشِر، والوافد إلى السعودية، انهارت في عام 2017. وبينما تمّ تعويض بعض الخسائر منذ ذلك الحين، فإنها ليست قريبة من المستوى المطلوب لإنجاح المشاريع الكبرى، مثل مدينة نيوم المستقبلية التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار".
تخوّفات سعودية على الصادرات النفطية
تكاليف العدوان السعودي على اليمن لم تقف عند هذا الحدّ، إذ إنّ التطور الأخير، والمتمثل بضرب منشآتها النفطية، جعل فاتورة الخسائر السعودية مفتوحة. لقد ردّت القوات المسلحة اليمنية على الهجمات السعودية الأخيرة عبر ضرب العمق السعودي من خلال استهداف منشآت شركة "أرامكو". وتُعَدّ الأخيرة العمق الاستراتيجي للأمن القومي السعودي، إذ إنها عصب إنتاج النفط وتصديره.
وتتزايد المخاوف السعودية في الآونة الأخيرة، بعد أن باتت تشعر بالتهديد من القوات اليمنية في عمق منشآتها الحيوية. وتجلّى ذلك عبر تعبير المملكة عن خوفها من عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها النفطية. ووفقاً لتصريحات نقلتها وكالة الأنباء السعودية عن مصدرٍ مسؤول في وزارة الخارجية السعودية، أكد الأخير أنّ الهجمات اليمنية "سوف تؤثّر في قدرة المملكة الإنتاجية، وفي الوفاء بالتزاماتها، الأمر الذي يهدّد، بلا شكّ، أمن إمدادات الطاقة إلى الأسواق العالمية واستقرارها".
وكان الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو" السعودية، أمين الناصر، صرّح، في وقتٍ سابق، بأنّ ضربات القوات المسلحة اليمنية ضدّ المنشآت النفطية "قد تؤثر في الإمدادات في المستقبل".
المخاوف السعودية هذه تأتي نتيجة حوادث متكررة تتعلق باستهداف المنشآت النفطية، كان أبرزها استهداف منشأتي بقيق وخريص التابعتين لـ"أرامكو" بطائرات مسيّرة يمنية عام 2019. وتُعدّ المنشأتان القلب النابض لصناعة النفط في المملكة، إذ يصل إليهما معظم الخام المستخرَج للمعالجة، قبل تحويله إلى التصدير أو التكرير. وأدّت الضربات حينها إلى خفض إنتاج المملكة من النفط الخام بمقدار 5.7 ملايين برميل في اليوم، وهو ما يعادل نصف إنتاجها من النفط تقريباً.
الإنفاق السعودي العسكري من الأعلى في العالم
تزامناً مع بدء حربها في اليمن، رفعت السعودية حجم إنفاقها العسكري، فعقدت صفقات تسليح ضخمة مع دول غربية، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية. كما دفعت مبالغ طائلة لاستئجار خدمات عسكرية لوجستية واستخبارية، كالأقمار الاصطناعية والسفن الحربية.
تُقدَّر المشتريات العسكرية للسعودية بنحو 63 مليار دولار منذ بدء عدوانها على اليمن، بينها 28.4 مليار دولار أُنفقت على صفقات لشراء الأسلحة الأميركية، منذ شهر آذار/مارس 2015.
إذاً، تدفع السعودية، اليوم، ثمن خيارها على الصعيد الاقتصادي، بعد أن دفعت الثمن على الصُّعُد الأخرى، بينما لم تقف تداعيات عدوانها عند السعودية، لتطال المنطقة بأسرها، ولاسيما الدول الخليجية.
في بداية العدوان السعودي على اليمن، صرح ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أكثر من مرة، أنّ استعادة صنعاء من حركة "أنصار الله" لن يستغرق سوى أيام معدودة، وسيتم من خلال القوات السعودية فقط، وفق تعبيره. إلا أنّ الوقائع والأرقام تبيّن أنّ القوات اليمنية، على الرغم من الحصار الذي تواجهه، استطاعت تكبيد رابع أكبر دولة إنفاقاً على السلاح في العالم خسائرَ كبيرة، الـمَخْفِيُّ منها أضعافُ ما هو معلَن.