المختبرات البيولوجية في أوكرانيا.. خطورة تستدعي كشف الحقائق بسرعة

البنتاغون ينفق عشرات الملايين من الدولارات لإنشاء المختبرات البيولوجية خارج أراضيه، فإذا تم تمويل هذه المختبرات من قبل الدائرة العسكرية، فهذا يؤكد أن مهامها ستكون عسكرية تماماً.
  • المختبرات البيولوجية في أوكرانيا

لا تقتصر العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا على تقدم القوات الروسية بهدف حماية سكان دونيتسك ولوغانسك من حكومة كييف، أو منع الناتو من التمدد شرقاً عن طريق أوكرانيا، بل أيضاً درء تهديد لن يؤثر في روسيا فحسب، بل سيطال الدول الأوروبية أيضاً، وهو خطر الأسلحة البيولوجية التي تقوم الولايات المتحدة بتطويرها في مختبرات سرية في الأراضي الأوكرانية، بحسب التصريحات الروسية.

موسكو حذرت العالم من خطر هذه المختبرات في السنوات الماضية، وأعادت تأكيد تحذيرها  خلال العملية العسكرية عبر تصريحات مسؤوليها، وآخرهم، ربما، مدير الدائرة الثانية لبلدان رابطة الدول المستقلة، أليكسي بولشوك، الذي قال إن "المختبرات البيولوجية المنتشرة في أوكرانيا، تشكل خطراً، ليس بالنسبة إلى روسيا فحسب، بل كل القارة الأوروبية أيضاً".

وتطرق بولشوك في معرض حديثه إلى أحد أهداف العملية العسكرية الروسية، مشدداً على أنها تهدف، من بين أمور أخرى مهمة، إلى وقف هذا التهديد.

اتفاقية الأسلحة البيولوجية

العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا سلّطت الضوء على تصرفات أميركية تهدد السلامة البشرية، لا سيما في أوروبا، فالمختبرات البيولوجية في أوكرانيا تحتضن أنشطة ضبابية بإشراف أميركي، من دون تقديم تقارير رسمية عن ماهية هذه النشاطات.

ما تطلبه روسيا حالياً هو فتح تحقيق دولي يضمن لها سلامة مواطنيها وأراضيها من الاجتياح البيولوجي، وهو ما يعد حقاً مشروعاً لها، في وقت تتضارب الإجابات الأميركية عن تساؤلات حول دعمها لتطوير هذه المختبرات وإنفاقها مبالغ طائلة عليها؛ فالتصرفات الأميركية، بحسب المسؤولين الروس، تخالف بنود اتفاقية الأسلحة البيولوجية التي دخلت حيز النفاذ في 26 آذار/مارس 1975.

واليوم أعلنت الخارجية الروسية أنها قد تستخدم المادتين الخامسة والسادسة من هذه الاتفاقية لإجراء مشاورات على خلفية المختبرات الأميركية في أوكرانيا. 

تتألف اتفاقية الأسلحة البيولوجية من 7 مواد هي:

المادة الأولى: تحت أي ظرف، لا يمكن امتلاك الأسلحة البيولوجية.

المادة الثانية: يجب تدمير الأسلحة البيولوجية والمصادر المرتبطة بها أو تحويل استخدامها للاستخدام السلمي.

المادة الثالثة: لا تنقل أو تساعد بأي طريقة أو تشجع أو تحث أي طرف آخر على امتلاك الأسلحة البيولوجية.

المادة الرابعة: اتخاذ أي إجراءات على النطاق الوطني لإنفاذ المعاهدة محلياً.

المادة الخامسة: استشارة ثنائية أو جماعية لحل أي مشكلة تتعلق بإنفاذ المعاهدة.

المادة السادسة: الطلب من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التحقيق في أي خرق للمعاهدة والانصياع لقراراته العاقبة.

المادة السابعة: فعل كل ما سبق بطريقة تشجع الاستخدام السلمي لعلم الأحياء الدقيقة والتقنية الحيوية.

وبموجب هذه الاتفاقيات، تعهدت الدول الأطراف بتقديم تقارير سنوية عن أنشطة محددة تتعلق باتفاقية الأسلحة البيولوجية، ومنها: بيانات عن المراكز والمختبرات البحثية، ومعلومات عن مرافق إنتاج اللقاحات، ومعلومات عن البرامج الوطنية لبحوث وتطوير الدفاع البيولوجي، والإعلان عن الأنشطة السابقة في برامج البحث والتطوير البيولوجية الهجومية أو الدفاعية، ومعلومات عن انتشار الأمراض المعدية والأحداث المماثلة الناجمة عن السموم، ومعلومات عن التشريعات والأنظمة، وغير ذلك من التدابير.

تضارب في التصريحات الأميركية

في 10 آذار/مارس، نشرت وزارة الدفاع في الاتحاد الروسي وثيقة تلقتها من عمال المعامل البيولوجية في أوكرانيا، كشفت عن بيانات حول تطوير الأسلحة البيولوجية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو في أوكرانيا. وتم الكشف عن معلومات حول مشروع "انتقال فيروس إنفلونزا الطيور شديد العدوى من خلال الطيور المهاجرة"، إضافة إلى مشاريع أخرى، مثل مسببات الأمراض كالبكتيريا والفيروسات التي يمكن أن تنتقل من الخفافيش إلى البشر.

وتجنبت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض جين بساكي، في تغريداتها، الإجابة عن التساؤلات التي ترد حول المعامل البيولوجية الأميركية في أوكرانيا، لكنها وجدت الوقت الكافي لتتهم روسيا أنها تستعد لاستخدام هذه الأسلحة، من دون تقديم أي دليل على صحة كلامها.

نائب وزير الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند، وخلال جلسات الاستماع في مجلس الشيوخ الأميركي، ذكرت أنَّ "إدارة بايدن تموّل بالفعل سلسلةً كاملةً من المختبرات البيولوجية في أوكرانيا"، وبيّنت أنَّ "محتوياتها خطرةٌ جداً إلى درجةِ أننا نشعر بقلقٍ عميقٍ من أن تقع هذه المواد في أيدي الجيش الروسي".

بدوره، قال الصحافي الأميركي تاكر كارلسون لقناة "فوكس نيوز" إنّ التصريحات الأميركية "غيرُ موثوقةٍ"، مشيراً إلى أنَّ "نولاند وبساكي، أدلتا في وقتٍ واحدٍ تقريباً بتصريحاتٍ متناقضةٍ حول ما إذا كانت هناك مختبراتٌ بيولوجيةٌ سرّيةٌ تموّلها الولايات المتحدة في أوكرانيا".

تصريح آخر من الإدارة الأميركية أتى على لسان مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز، أمس الخميس، التي أقرت بأنّ "أوكرانيا تشغّل أكثر من 10 مختبرات بيولوجية مرتبطة بمشاريع دفاعية وصحية"، مشيرةً إلى أنّ "الحكومة الأميركية قدّمت لكييف مساعدات في مجال السلامة البيولوجية".

روسيا والصين تطالبان بتوضيحات

في 11 آذار/مارس، عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً خاصاً، بناء على طلب روسيا، لمناقشة الأنشطة البيولوجية العسكرية الأميركية في أوكرانيا، بعد أن تلقت وزارة الدفاع الروسية وثائق تفيد بأن الجانب الأميركي شكّل شبكة من المعامل البيولوجية على الأراضي الأوكرانية، ووجدت دلائل على إجراء تجارب بيولوجية خطرة في المنشآت، بهدف تضخيم مسببات الأمراض لمختلف الأمراض الفتاكة، بحسب موقع "eadaily" الروسي.

وانضمت الصين أيضاً إلى الخطاب الروسي المطالب بالحقائق. ووفقاً لممثل جمهورية الصين الشعبية لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، ينبغي التعامل مع مخاوف موسكو بشأن الأسلحة البيولوجية في أوكرانيا بالاهتمام الواجب، كما حث واشنطن على توضيح أنشطة العسكرة البيولوجية في الداخل والخارج.

ومع ذلك، لم تقدم الولايات المتحدة في ردها تفسيراً مناسباً بشأن هذا الموضوع، وذكرت أن لديها مخاوف من أن الجيش الروسي قد يحاول السيطرة على هذه الأهداف.

ويدعي الجانب الأميركي أن الغرض من هذه المؤسسات هو توفير ضمانات لصحة الحيوانات، وتمويل الإصلاحات، وإنشاء مختبرات حديثة، والتي تعزز قدرة الحكومة على إجراء مراقبة عامة للتهديدات الصحية المحتملة للإنسان.

سرية المختبرات تفتح أبواب التساؤلات

رئيس أركان الحرب الكيميائية السابق د. محمد الشهاوي تحدث، خلال مقابلة على قناة الميادين، عن مخاوف روسيا من قيام عناصر من المتطرفين الأوكرانيين بالسيطرة على هذه الأسلحة واستخدامها في وجه الجيش الروسي.

ولفت إلى أنَّ خطورة هذه الأسلحة تكمن في إمكانية تطويرها في الاتجاه الجيني، إذ يمكن أن تصيب أعراقاً معينة دون أخرى، كما أشار إلى أنّ من الواضح جداً وجود أنشطة خطرة تقوم بها الولايات المتحدة وأوكرانيا في هذه المختبرات، طارحاً تساؤلاً مهماً: إنّ تطوير الأسلحة البيولوجية في المسار السلمي يمكن أن يتم في مصانع معروفة، فلماذا يعمل الجانبان الأميركي والأوكراني على تطويرها في مختبرات سرية؟

من المعروف أن هذه المختبرات لها غرض مزدوج، إذ يتم تمويلها من قبل الأميركيين، وتتم أنشطتها في مواقع سرية للغاية. تنفق الولايات المتحدة مبالغ ضخمة لصيانة المختبرات. على سبيل المثال، أنفقت في أوكرانيا 200 مليون دولار  (عدد المختبرات البيولوجية في أوكرانيا يزيد على 30). وفي جورجيا، ينفق أكثر من 150 مليون دولار. وفي كازاخستان، أكثر من 130 مليون دولار. وفي أرمينيا، هناك 12 مختبراً بيولوجياً.

وبعد دراسة تجربة جورجيا المجاورة، يمكن للمرء أن يرى أن الأموال التي أنفقت على بناء مثل هذه المختبرات كانت أعلى بعدة مرات من تمويل المرافق المدنية الأميركية على سبيل المثال. هذه الحقيقة لا يمكن إلا أن تثير الشك. وفي حال ثبت أن تمويل المختبرات تم من قبل الدائرة العسكرية، فإن المهام تكون عسكرية تماماً.

هذا الأمر أكدته وزارة الدفاع الروسية في تصريحات للمتحدث الرسمي باسمها، اللواء إيغور كوناشينكوف، بعد كشفها وثائق تثبت تورط البنتاغون في تمويل هذه المختبرات، إذ قال إن "كييف قامت بالتستّر على آثار برنامج بيولوجي عسكري تم تنفيذه في أوكرانيا وبتمويل من البنتاغون".

وصرّح كوناشينكوف: "خلال العملية العسكرية الخاصة، تمّ كشف الوثائق والأدلة أثناء تمشيط دقيق لآثار برنامج بيولوجي عسكري يتم تنفيذه في أوكرانيا بتمويل من وزارة الدفاع الأميركية"، مؤكداً أن "البنتاغون يشعر بقلق بالغ إزاء الكشف عن تجاربه البيولوجية السرية في أوكرانيا منذ بدء العملية الروسية في البلاد".

المصدر: الميادين نت