الولايات المتحدة والسعودية.. النفط مقابل الحرب وحقوق الإنسان
ارتفعت أسعار النفط في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق إثر التوتر في أوكرانيا، وبلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق، ليصل سعر البرميل إلى 110 دولارات أميركية. ورغم تأكيد روسيا أنها تضمن مرور إمدادات الطاقة إلى أوروبا، رغم العملية العسكرية التي تنفذها في أوكرانيا، فقد واصلت أسعار النفط الارتفاع خلال الأسبوعين الفائتين.
موجة ارتفاع الأسعار تلك شهدت قفزة كبيرة مع إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن في 8 آذار/مارس الجاري قراراً يقضي بحظر استيراد النفط الروسي، مع تحركات أميركية مرافقة لتعويض النفط والغاز الروسي، سواء من قطر أو فنزويلا أو السعودية والإمارات.
هل تفرض الولايات المتحدة زيادة إنتاج النفط عبر السعودية؟
ارتفاع أسعار النفط انعكس بشكل فوري على المستهلك النهائي في دول العالم، وخصوصاً أوروبا والولايات المتحدة، فارتفعت أسعار الوقود وأثرت في السلع الأخرى. بالنسبة إلى الرئيس بايدن، يعدّ عدم استقرار سوق النفط "كابوساً سياسياً"، ولا سيما قبل الانتخابات النصفية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. وللمحافظة على معدل أسعار مقبول في السوق الأميركية، لجأ بايدن إلى دول عدة، من بينها السعودية، لتعويض حاجة السوق إلى النفط الروسي.
وبحسب ما ورد في موقع "أكسيوس" الأميركي، فإنّ مستشاري الرئيس بايدن يدرسون ترتيب زيارة له إلى السعودية هذا الربيع للمساعدة في إصلاح العلاقات وإقناع المملكة بضخ المزيد من النفط، على الرغم من وعوده خلال حملته الانتخابية في العام 2019 بجعل السعودية تدفع الثمن وجعلها دولة "معزولة".
في السياق ذاته، أشارت مصادر صحافية إلى أنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لا يسهّل على بايدن إصلاح العلاقات بينهما، إذ بدا أنه يبذل قصارى جهده ليفاقم علاقاته مع البيت الأبيض، إذ قال في مقابلةٍ مع مجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية: "ليس لدينا الحق في إلقاء محاضرة عليكم في أميركا، والشيء نفسه يسير في الاتجاه الآخر".
بدورها، أكّدت صحيفة "الديلي ميل" البريطانية أنّ ابن سلمان رفض طلباً من الرئيس بايدن لإجراء مكالمة هاتفية بشأن مسألة إمدادات النفط.
ويرى الباحث في برنامج أمن الطاقة والتغيير المناخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، بن كاهيل، أنّ "الأزمة غيّرت المشهد"، ويقول: "عندما تواجه أزمة اقتصادية وأزمة طاقة، يتعين عليك تقديم تنازلات وتغيرات لا يمكنك القيام بها".
في ظل تعقّد المشهد، يبرز الدور البريطاني، فقد أشارت صحيفة "ديلي ميل" إلى أنّ علاقة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مع ابن سلمان أفضل من علاقة بايدن بالأخير، إذ توترت صلاته به منذ مجيئه إلى الإدارة، وتوعده بمحاسبة قتلة الصحافي المعارض جمال خاشقجي، ونشر تقرير الاستخبارات الأميركية حول الحادث.
لذلك، يخطط جونسون لزيارة السعودية لإبقاء أسعار النفط منخفضة، على الرغم من إعدام المملكة 81 شخصاً. يقول وزير الإسكان والمجتمعات البريطاني، مايكل غوف، في تصريحات صحافية: "علينا أن نعتمد على استيراد النفط من بلدان عدّة لا نوافق على سجّلها في مجال حقوق الإنسان"، مؤكداً أنّ "السعودية شريك أمني للمملكة المتحدة".
زيارة جونسون للسعودية ستكون مثيرة للجدل، وفق صحف عالمية، وسط انتقادات المملكة في ملفات حقوق الإنسان، وهذا ما يؤكده النائب البريطاني والزعيم السابق لحزب العمال، جيريمي كوربين، خلال تغريدة له قال فيها: "النظام السعودي نفّذ أكبر عملية إعدام جماعي. والآن، يخطّط جونسون للسفر إلى السعودية لإبرام صفقة نفط. يجب على رئيس الوزراء إلغاء زيارته وإنهاء صفقة الأسلحة البريطانية مع الحكومة التي أودت بحياة العديد من الأشخاص في الداخل وفي اليمن".
The Saudi regime has carried out its largest mass execution. Now, Boris Johnson plans travel to Saudi Arabia to strike an oil deal.
— Jeremy Corbyn (@jeremycorbyn) March 13, 2022
The PM must cancel his visit and end the UK arms deal with a government that has taken so many lives at home and in Yemen.https://t.co/TFEbuY5KLK
النفط مقابل الحرب وحقوق الإنسان
إعلان السعودية مؤخراً إعدام 81 شخصاً في يوم واحد كان بمثابة فتح صفحة جديدة قاتمة في صفحات ممارساتها، إذ يُعد هذا الرقم الأضخم في تاريخ المملكة من حيث الإعدامات الجماعية.
وتعتبر المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أنّ هذه المجزرة تعدّ انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية، كما أنها بمثابة نسف تام للمزاعم التي أطلقها ولي العهد السعودي في مقابلته مع مجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية، والتي قال فيها إنّ "السعودية تخلصت من عقوبة الإعدام، ما عدا فئة المتورطين في ارتكاب جرائم القتل".
🔴 مجازر عهد سلمان وابنه:
— المنظمة الأوروبية السعودية ESOHR (@ESOHumanRights) March 12, 2022
▪️المجزرة الأولى:
٢ يناير ٢٠١٦، وراح ضحيتها ٤٧ شخصا، بينهم ٤ قاصرين على الأقل.
▪️المجزرة الثانية:
٢٣ أبريل ٢٠١٩، و #السعودية_تقطع٣٧رأس، بينهم ٦ قاصرين على الأقل.
▪️#المجزرة_الثالثة:
اليوم، الموافق ١٢ مارس ٢٠٢٢، وراح ضحيتها ٨١ شخصا على الأقل. pic.twitter.com/YmZGeCJGyB
وتعيد هذه المذبحة الجماعية الذاكرة إلى جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في تشرين الأول/ أكتوبر 2018. وقد خلصت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "CIA" إلى أنّ ابن سلمان هو الذي أمر بقتل خاشقجي وتقطيعه.
وتأتي جولة الإعدامات التي ارتكبتها السعودية، فيما يواصل التحالف السعودي حربه على اليمن منذ 8 أعوام. وفي آخر إحصاء لأعداد الضحايا اليمنيين جراء العدوان السعودي، أعلن وزير الصحة العامة والسكان في حكومة صنعاء طه المتوكل، في 25 كانون الثاني/يناير 2022، أنّ عدد الضحايا بلغ 47 ألفاً بين شهيد وجريح، مضيفاً أنّ جرائم التحالف المرتكبة بحق الشعب اليمني ستكون "وصمة عار على جبين الأمم المتحدة ومنظماتها والمجتمع الدولي".
هل يثبت سعر النفط مقابل تنويم ملفات الإعدام والاغتيال، والدعم في الحرب؟