من هو فلاديمير بوتين.. وكيف صنع روسيا الجديدة؟
يجمع المتابعون لسيرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السياسية، على تمكنه من الجمع بين السياسة والأخلاق من جهة، والدبلوماسية والحزم من جهة أخرى. فـ"شخصية بوتين الكاريزماتية، ليست كلاسيكية على الإطلاق".
كما أن "الصفة الأساسية في شخصيته، هي التصميم على إرساء النظام ووضع الأمور في مسارها الصحيح". بهذا المعنى، يجسد بوتين مفهوم استقرار الدولة واستعادة هيبتها.
ففي عهده عادت روسيا إلى الساحة الدولية بقوة، وعاد معها التوازن العالمي إلى نصابه، بعد 3 عقود من الهيمنة الأميركية على العالم، بعكس ما توقع أعداء روسيا بأنها لن تنهض بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.
من هو بوتين؟ وكيف تمكن من النهوض بروسيا الجديدة؟
من الصعب جداً اختصار مسيرة الرئيس بوتين في استعادة روسيا لقوتها وهيبتها، داخلياً وخارجياً، على مدى أكثر من عقدين. من محاربة الفساد والتدخلات الخارجية في روسيا وإصدار القوانين المتعلقة بها، مثل قانون حظر المشاركة بالمنظمات غير الحكومية الأجنبية والدولية في روسيا، وقانون "ديما ياكوفليف" الذي يحظر تبني الأطفال الروس من قبل المواطنين الأميركيين. وأحياناً بالامتناع عن إصدار بعض القوانين والتشريعات، كما كان موقفه إزاء المطالبة بتشريع زواج المثليين.
أبدى بوتين قدرة استثنائية في مواجهة محاولات الغرب هدم روسيا من الداخل، فلم يرضخ ولم يذعن لاسطوانة الغرب المشروخة حول "الحريات" ونشر "الديموقراطية" و"حقوق الأنسان" التي أطاحت بالكثير من المجتمعات في العالم.
فبعد تفكك الاتحاد السوفياتي، كان "ينبغي على روسيا أن تبحث عن مسار التحول الخاص بها بدلاً من اعتماد مخططات من الكتب المدرسية الغربية"، كما قال بوتين في العام 1999. وهكذا وجد بوتين مسار روسيا الخاص بها واستعاد هيبتها وقوتها على الساحتين الداخلية والخارجية.
من هو فلاديمير بوتين؟
هو فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين. وبالروسية Влади́мир Влади́мирович Пу́тин. وبالإنكليزية Vladimir Vladimirovich Putin.
وُلد في الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر للعام 1952 في لينينغراد السوفياتية، والتي أصبح اسمها منذ أيلول/سبتمبر من العام 1991 سان بطرسبورغ.
والده هو فلاديمير سبيريدونوفيتش بوتين (1911-1999)، من قدامى المحاربين في الجيش الأحمر. شارك في الحرب العالمية الثانية (الحرب الوطنية العظمى) وفي معركة الدفاع عن لينينغراد.
كان والده مجنداً في البحرية السوفياتية، وخدم في أسطول الغواصات في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي. في وقت مبكر من الحرب العالمية الثانية، خدم والد بوتين في كتيبة التدمير التابعة للمفوضية الشعبية للشؤون الداخلية. في وقت لاحق، نُقل إلى الجيش النظامي وأصيب بجروح بليغة عام 1942. وكان عضواً في الحزب الشيوعي منذ العام 1941.
والدة بوتين هي ماريا إيفانوفنا بوتينا، كانت عاملة في أحد مصانع لينينغراد ثم ممرضة في مستشفى. نجت والدته بأعجوبة من حصار لينينغراد.
قصة نجاة والدة بوتين
روى بوتين في إحدى المقابلات قصة نجاة والدته من لينينغراد، وتقول القصة إنه أثناء الحرب العالمية الثانية حصل والده على إجازة لزيارة عائلته. عندما اقترب والده من الشارع الذي يقطن فيه، رأى شاحنة عسكرية فيها عشرات الجثث لنقلها إلى مقبرة جماعية، فأدرك أن الشارع الذي يقطن فيه تم قصفه.
وقف والده أمام الجثث ليلقي نظرة عليها وإذ لاحظ جثة زوجته بينها. حزن الرجل على وفاة زوجته، وطلب أن يستلم الجثة ليقوم بدفنها في مدافن العائلة. وصُدم بعد استلامه الجثّة لأنها مازالت تتنفس ولو ببطء شديد. فسارع بنقلها إلى المستشفى حيث تم علاجها واستعادت حياتها الطبيعية، لتنجب بعد سنوات من هذه الحادثة فلاديمير بوتين.
اقرأ أيضاً: فيدل كاسترو.. رمح الثورة وصانع التاريخ
كان سبيريدون بوتين، جد فلاديمير بوتين، الطباخ الشخصي لفلاديمير لينين وجوزيف ستالين.
جدّته وأعمامه
قُتلت جدة بوتين لأمه على يد المحتلين النازيين لمنطقة تفير في العام 1941، واختفى أعمامه على الجبهة الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية.
كان بوتين الإبن الثالث والأصغر لأسرته، توفي شقيقاه الأكبران في طفولتهما وقبل ولادته، وهما ألبرت الذي توفي قبل بداية الحرب العالمية الثانية، وفيكتور (1940-1942) توفي بسبب مرض الدفتيريا (الخناق) أثناء حصار ألمانيا النازية للينينغراد، ودُفن في مقبرة بيسكارفسكي.
زوجة بوتين
في 28 يوليو 1983، تزوج بوتين البالغ من العمر 30 عاماً من ليودميلا ألكساندروفنا شكربنيفا البالغة من العمر 25 عاماً. وهي خريجة كلية اللغات من جامعة لينينغراد الحكومية.
في الـ6 من حزيران/يونيو للعام 2013، أعلن الثنائي فلاديمير وليودميلا بوتين، أنهما اتفقا على الطلاق بقرار مشترك. وأصبح الطلاق رسمياً اعتباراً من آذار/مارس العام 2014.
أولاد بوتين
أنجبت ليودميلا من فلاديمير بوتين ابنتين وهما ماريا وكاترينا.
يتحفظ بوتين كثيراُ على حياته الشخصية، كما أنه يحمي ابنتيه من تداعيات حياته العامة، ويُخضع خصوصيتيهما لحراسة مشددة.
ففي أحد المؤتمرات الصحافية (2012)، أجاب بوتين عمّا إن كان لديه أحفاد بالقول إن "البلاد ليست بحاجة إلى معرفة ذلك". لكن بوتين كان أقل تحفظاً في حواراته مع أوليفر ستون في حزيران/يونيو من العام 2017، إذ تحدث عن ابنتيه وقال إن لديه حفيدين.
مؤخراً بدأت تتسرب بعض المعلومات حولهما، وتقول إنه تمّ تسجيل ابنتيه في الجامعة بأسماء مستعارة.
ماريا بوتين
ولدت ماريا بوتين في الـ28 من نيسان/أبريل للعام 1985 في لينينغراد. في العام 2003 انتسبت إلى جامعة ولاية سانت بطرسبرغ، حيث درست علم الأحياء والتربة. في العام 2015، تخرجت من كلية الطب الأساسي بجامعة موسكو الحكومية. وهي متخصصة في مجال الغدد الصماء. وبحسب صحيفة New Times، فقد تسجلت باسم Maria Vladimirovna Vorontsova .
وفقاً للمعلومات التي تم نشرها في وسائل إعلام غربية وروسية، فإن ماريا متزوجة من رجل الأعمال الهولندي والمدير الأعلى السابق لشركة Gazprombank والمجموعة الاستشارية الروسية MEF Audit، غوريت غوست فاسين.
بعض وسائل الإعلام قالت إن ماريا بوتين عاشت لبعض الوقت في مدينة فورشوتن الهولندية، لكن بوتين أكد في العام 2015 بأن أياً من ابنتيه لم تعش في الخارج على الإطلاق.
اقرأ أيضاً: الذكرى الـ90 لاستشهاد عمر المختار.. نحن ننتصر أو نموت
كاترينا بوتين
ولدت كاترينا بوتين في الـ31 من آب/أغسطس للعام 1986، في مدينة دريسدن الألمانية. وهي راقصة جمباز وتصفها الصحافة بأنها بارعة. من شباط/فبراير العام 2013 تزوجت من الملياردير الروسي كيريل شامالوف، وتطلقا كانون الثاني/يناير العام 2018.
وفقاً لتقارير صحافية، فإن كاترينا تسجلت في الكلية الشرقية تحت كنية تيخونوفا (كنية جدتها لأمها)، بحسب ما نقلت وكالة رويترز وموقع بلومبرغ عن مصادر مقربة من رئاسة الجامعة. أما بوتين، ورداً على سؤال صحافي عمّا إن كانت تيخونوفا ابنته، فلم يؤكد أو ينفي هذه المعلومة.
تحصيل بوتين العلمي
في الأول من أيلول/سبتمبر للعام 1960، بدأ بوتين الدراسة في المدرسة رقم 193 في باسكوف لين، بالقرب من منزله.
تقول مربية صف بوتين (من الصف الخامس إلى الصف الثامن) فيرا غورفيتش (الفيديو)، إنه "في البداية كان طالباً متململاً لم يذاكر جيداً وكان يشارك في المشاجرات بين الطلاب، لكن ذكاءه كان حاداً ويتمتع بذاكرة جيدة جداً".
لاحقاً، بحسب غورفيتش، صار بوتين طالباً مجتهداً وأظهر القدرة على تعلم اللغات الأجنبية، فدرس اللغة الألمانية في مدرسة سانت بطرسبرغ الثانوية 281. وتقول إنها فخورة جداً بأن حب الرئيس للغة الألمانية بدأ تحديداً بدائرتها التربوية (..) ومنذ الدروس الأولى، أظهر بوتين قدرات مذهلة في تعلم اللغة".
في أوقات فراغه كان يستمتع بقراءة مقالات ماركس وإنجلز ولينين.
في سن الـ11، دخل قسم المصارعة. وفي الـ12، بدأ في ممارسة السامبو والجودو. لتصبح الرياضة ممارسة أساسية في حياة الرئيس المستقبلي.
في العام 1970، انتسب بوتين إلى كلية الحقوق قسم العلاقات الدولية في جامعة "أندريه غدانوف" في ولاية لينينغراد (الآن جامعة سانت بطرسبرغ الحكومية)، وتخرج في العام 1975. كما انتسب في تلك الفترة إلى الحزب الشيوعي السوفياتي، وظل فيه حتى تفكك الاتحاد السوفياتي في العام 1991.
خلال دراسته، التقى لأول مرة أناتولي سوبتشاك، الذي كان في ذلك الوقت أستاذاً مساعداً في تدريس قانون الأعمال في جامعة ولاية لينينغراد. وبعدها سيصبح بوتين مؤثراً في مسيرة سوبتشاك المهنية في سانت بطرسبرغ.
اقرأ أيضاً: إسحاق نيوتن.. من تفاحة الجاذبية إلى نهاية العالم
بوتين في المخابرات السوفياتية
حين كان لا يزال تلميذاً، علّق بوتين في غرفته صورة يان بيرزين، وهو أحد مؤسسي المخابرات العسكرية السوفياتية.
بعد أن أصبح رئيساً للبلاد، قال بوتين في إحدى المقابلات إنه كان مولعاً منذ الطفولة بالأفلام السوفياتية عن ضباط المخابرات، وكان يحلم بالعمل في وكالات أمن الدولة. وتمكن بوتين من تحقيق الأهداف التي حددها لنفسه بالكامل.
في عام 1984، درس لمدة عام واحد في معهد Red Banner التابع للكي جي بي (KGB)، وتخرج في العام 1985 من قسم الاستخبارات الأجنبية.
في معهد Red Banner، كان بوتين يحمل لقب بلاتوف، نظراً لسرية العمل، فلم يكن من المفترض أن يعرف المنتسبون أسماء بعضهم الحقيقية، وكانت السلطة المعنية تختار الأسماء المستعارة.
وفقاً لملفه الشخصي المحفوظ في الأرشيف المركزي للوثائق التاريخية والسياسية في سانت بطرسبرغ، أظهر بوتين أثناء عمله أنه "موظف مجتهد ومنضبط وذو ضمير".
بعد تخرجه من جامعة لينينغراد، تم إرساله للعمل في لجنة أمن الدولة في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية: عمل في الأمانة، ثم في وحدة مكافحة التجسس التابعة لمديرية KGB لمنطقة لينينغراد. بعد الدراسة في موسكو، انتقل إلى فرع الاستخبارات الأجنبية في ال (كي جي بي) في منطقة لينينغراد.
بوتين في ألمانيا الشرقية
في العام 1985 تم إرسال بوتين إلى مكتب الـKGB في جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية)، وعمل في مدينة "دريسدن" حتى العام 1990. وتقلد منصب مفوض أول ومساعد أول لرئيس الدائرة. عاد إلى الاتحاد السوفياتي في كانون الثاني/يناير 1990.
في العام 1989 حصل على الميدالية البرونزية "للاستحقاق" من الجيش الوطني الشعبي لجمهورية ألمانيا الديمقراطية.
بعد وقت قصير من سقوط جدار برلين، في الـ5 من كانون الأول/ديسمبر للعام 1989، حاول حشد من المتظاهرين الألمان اقتحام مقر الإقامة السوفياتية للاستيلاء على أرشيف الـKGB، لكن بوتين تمكن من إقناع الحشد بالتفرق، من دون استخدام القوّة. وأحرق كمية كبيرة من وثائق العمليات السرية في مقر الإقامة.
عودة بوتين إلى الاتحاد السوفياتي
في كانون الثاني/يناير من العام 1990، أنهى بوتين رحلة عمله إلى جمهورية ألمانيا الديمقراطية وعاد إلى لينينغراد.
العودة إلى ليننغراد
بعد عودته إلى الاتحاد السوفياتي، ووفقاً لبوتين، فقد رفض الانتقال إلى الجهاز المركزي للاستخبارات الأجنبية للـ KGB في موسكو، والتحق بجهاز المخابرات الداخلية في الاتحاد السوفياتي، فرع لينينغراد.
منذ شباط/فبراير من العام 1990، عمل كمساعد لرئيس جامعة ولاية لينينغراد للشؤون الدولية، ثم مستشاراً لرئيس مجلس مدينة لينينغراد أناتولي سوبتشاك (عمدة سانت بطرسبرغ في 1991-1996).
في حزيران/يونيو من العام 1991، تم تعيين فلاديمير بوتين رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في مكتب رئيس بلدية لينينغراد (سانت بطرسبرغ).
لماذا استقال بوتين من أجهزة أمن الدولة؟
بين 19-21 آب/أغسطس من العام1991، وقعت محاولة انقلاب في الاتحاد السوفياتي، نظمتها لجنة الدولة لحالة الطوارئ (GKChP)، والتي ضمت جزءاً من القيادة السوفياتية العليا. تحدث فلاديمير بوتين وإلى جانبه قادة آخرين في مكتب العمدة، ضد أعمال لجنة الطوارئ التابعة للولاية. وفي الـ20 من آب 1991 قدّم استقالته من أجهزة أمن الدولة.
في العام 1992، تولى منصب نائب عمدة سانت بطرسبرغ، واحتفظ بمنصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية.
منذ آذار/مارس من العام 1994، عندما أصبح أناتولي سوبتشاك رئيساً لحكومة المدينة، تم تعيين فلاديمير بوتين نائبه الأول. بعد توحيد منصبي رئيس حكومة المدينة ورئيس البلدية، تولى منصب نائب العمدة ورئيس لجنة العلاقات الخارجية للمدينة.
في العام 1994 كان بوتين أحد منظمي ألعاب النوايا الحسنة الروسية-الأميركية. فالتقى برجل الأعمال الإعلامي الأميركي تيد تورنر، ومنذ ذلك الوقت، بدأت وكالات الاستخبارات الأميركية بجمع المعلومات عن بوتين.
اقرأ أيضاً: الماسونية.. قصة منظمة سريّة من العصور الوسطى
بوتين في الخدمة العامة في موسكو
بعد هزيمة سوبتشاك في انتخابات عمدة سانت بطرسبرغ في حزيران/يونيو من العام 1996، ترك فلاديمير بوتين منصبه. في آب/أغسطس من العام نفسه، انتقل للعمل في إدارة رئيس الاتحاد الروسي كنائب لرئيس الإدارة بافل بورودين (Pavel Borodin). أشرف على الإدارة القانونية والمسائل المتعلقة بالممتلكات الأجنبية. وانتقل مع عائلته إلى موسكو.
فلاديميبر بوتين.. المناصب السابقة
بين العامين 1996 - 1998 كان النائب الأول لرئيس الإدارة الرئاسية (في 1996-1997 برئاسة أناتولي تشوبايس، وفي 1997-1998 برئاسة فالنتين يوماشيف).
من تموز/يوليو للعام 1998 إلى آب/أغسطس 1999، وبناءً على اقتراح يوماشيف، تم تعيين بوتين مديراً لجهاز الأمن الفيدرالي في الاتحاد الروسي (FSB) وهو وريث جهاز الـ KGB.
قبل تعيينه، عرض الرئيس بوريس يلتسين على بوتين ترقيته في الرتبة العسكرية إلى رتبة لواء، لكن بوتين رفض ذلك، مفضلاً أن يصبح أول مدير مدني لجهاز الأمن الفيدرالي. وعين بوتين الجنرالات نيكولاي باتروشيف وفيكتور تشيركيسوف وسيرجي إيفانوف نوابه، وكان عمل معهم في الكي جي بي في سان بطرسبرغ.
في خريف العام 1998، أعاد تنظيم جهاز الـFSB لروسيا. وبتوجيه من بوتين، تم ترميم لوحة تذكارية في مبنى الـFSB تخليداً لذكرى رئيس KGB السابق يوري أندروبوف.
في الـ26 من آذار/مارس للعام 1999، أصبح بوتين سكرتيراً لمجلس الأمن في الاتحاد الروسي، واحتفظ بمنصب مدير الـFSB.
بوتين.. رئيس روسيا
أصبح فلاديمير بوتين رئيساً لروسيا بالإنابة في الـ31 من كانون الأول/ديسمبر للعام 1999 بسبب الاستقالة المبكرة لبوريس يلتسين.
في الـ26 من آذار/مارس للعام 2000، انتخب بوتين رئيساً للبلاد، بنسبة 52.94% من الأصوات. وتولى منصبه في الـ7 من أيار/مايو.
وبعد انتخابه رئيساً، وفي كانون الأول/ديسمبر للعام 2000، تم تقديم قانون عاجل إلى مجلس الدوما، يعيد اعتماد النشيد الوطني السوفياتي، بدلاً من أغنية ميخائيل غلينكا الوطنية. تم تنفيذ النسخة الجديدة من النشيد (الفيديو) لأول مرة في الـ30 من كانون الأول/ديسمبر للعام 2000.
شغل بوتين منصب الرئيس لفترتين متتاليتين: بعد 4 سنوات، في الـ14 آذار/مارس للعام 2004، تم انتخابه لولاية ثانية، بنسبة 71.31% من الأصوات. وتولى منصبه في الـ7 من أيار/مايو.
اقرأ أيضاً: العربي بن مهيدي.. شهيد من الجزائر "كيّع" الاحتلال الفرنسي
بوتين يواجه الإرهاب والفساد
يعتبر فلاديمير بوتين أن أصعب اللحظات خلال سنوات رئاسته، هي الهجمات الإرهابية التي وقعت في الفترتين الأولى والثانية من رئاسته، في مركز المسرح في دوبروفكا في موسكو في تشرين الأول/أكتوبر للعام 2002 وفي مدرسة بيسلان في أيلول/سبتمبر للعام 2004.
مع اندلاع الحرب الشيشانية الثانية، وبعد انتهاء الأعمال العدائية الفعلية في العام 2000، بدأ المسلحون باللجوء إلى الأنشطة الإرهابية. في هذا الصدد، بدأ إصلاح النظام السياسي في الاتحاد الروسي.
في العام 2000، أنشأ فلاديمير بوتين مؤسسة المفوضين في المقاطعات الفيدرالية. وفي وقت لاحق، جعل قوانين الأقاليم تتماشى مع القوانين الفيدرالية وألغى انتخاب رؤساء الأقاليم، لتعزيز مكافحة الإرهاب وزيادة كفاءة السلطات.
اختبار آخر مرّ به بوتين كرئيس في آب/أغسطس من العام 2000. حين بدأت سفن الأسطول الشمالي بالتدريبات في بحر بارنتس، من بينها الغواصة النووية "كورسك". بعد مرور بعض الوقت، لم يتصل الطاقم، وبعد بضعة أيام أعلنت الحكومة أن القارب قد غرق.
مع ذلك، فإن أحد الإنجازات العديدة التي تحققت لروسيا خلال سنوات رئاسة بوتين، وفقاً لمصادر أجنبية، هو تحديث القوات المسلحة الروسية. وضعت المجلة الأميركية حول السياسة الدولية The National Interest في العام 2020 في تصنيفها مشاة البحرية الروسية، في المرتبة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: مثلث برمودا الغامض وأسرار الاختفاء فيه
في العام 2012 كانت المرة الـ3 التي انتخب فيها فلاديمير بوتين رئيساً لولاية مدتها 6 سنوات، بنسبة 63.6% من الأصوات. بعد حكم ديمتري ميدفيديف لمدة 4 سنوات.
تمت زيادة فترة ولاية رئيس الدولة منذ العام 2012، وفقاً لتعديل دستور الاتحاد الروسي في الـ30 من كانون الأول/ديسمبر للعام 2008، إلى 6 سنوات.
وفي الـ7 من أيار/مايو للعام 2018، أصبح بوتين رئيساً لروسيا للمرة الـ4 بنسبة 76.69% من الأصوات.
خلال هاتين الفترتين الرئاسيتين، مرّ الرئيس بوتين، بكثير من الامتحانات، لاسيّما في السياسة الخارجية لروسيا.
بوتين وأوكرانيا
يعتبر محللون استراتيجيون أنه بعد ما عُرف بـ "الثورة الأوكرانية" في العام 2014، وانتخاب فولوديمير زيلينسكي رئيساً، أن "النظام الأوكراني تحوّل إلى إرهاب صريح ضد المعارضة، بما يتضمنه ذلك من قتل للسياسيين والصحافيين المعارضين بمساعدة النازيين الجدد، ممن تم دمجهم في هياكل الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية".
وباتت أوكرانيا طوع المخطط الأميركي للقضاء على روسيا وتفتتيها للإنطلاق بمعركة ضدّ الصين لاحقاً. ولتحقيق هذا الهدف تستخدم الولايات المتحدة قفازي أوكرانيا وبولندا، وربما حلفاء آخرين لشنّ حروب على حدود روسيا.
لم يتوقف التصعيد الأميركي ضدّ روسيا على مدى الأعوام الـ8 الماضية. ففي العام الماضي 2021 مثلاً، تم تسعير 3 صراعات حول روسيا بشكل مفاجئ ومتزامن، في أرمينيا وبيلاروسيا والدونباس، حيث كان يظن الأميركي أنه من الممكن استدراج موسكو بسهولة إلى أيّ منها أو إليها كلها. لتتفرغ للصين.
لتسعير الموقف الأوكراني ضدّ روسيا، خصص صندوق النقد الدولي، وعلى وجه السرعة، 700 مليون دولار لأوكرانيا، بالرغم من فشل كييف بتأمين شروط الصندوق، بما في ذلك مكافحة الفساد.
ترافق ذلك، مع بروباغندا غربية وبث وسائل الإعلام الغربية تقارير تتحدث عن هجوم روسي وشيك على أوكرانيا، "بهدف تحميل روسيا مسؤولية اندلاع أي حرب، حتى لو بدأتها أوكرانيا بالهجوم على إقليم الدونباس".
لم تكن آنذاك روسيا مهتمة بالحرب. كما أن موسكو أرسلت حينها إشارات واضحة، بأن أي هجوم من أوكرانيا على إقليم الدونباس سيعني بالتأكيد القضاء على أوكرانيا كدولة. لا سيما وأن انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من أفغانستان، لم يضف كثيراً إلى ثقة كييف في احتمال أن تخوض الولايات المتحدة حرباً مع روسيا من أجلها.
اقرأ ايضاً: عبد الحميد بن باديس.. حياته وإنجازاته
تاريخ الأزمة الروسية مع أوكرانيا
الأزمة الروسية مع أوكرانيا ليست حديثة، بل هي تاريخية وتعود جذورها إلى حقبة الثورة البولشيفية. وتعمقت بعد تفكك الإتحاد السوفياتي وتوحيد الألمانيتين.
ففي مفاوضات توحيد ألمانيا (الشرقية والغربية) بين الإتحاد السوفياتي (ميخائيل غورباتشيف) والغرب، تعهد الأميركيون (رونالد ريغن) رسمياً، بعدم التوسع شرقاً باتجاه جمهوريات الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو.
ولكن الغرب نكث بالاتفاق، وزاد حلف الناتو 14 دولة، 3 من جمهوريات الاتحاد السوفياتي (بعد تفككه) وهي لاتفيا ولتوانيا واستونيا، بالإضافة إلى كل أعضاء حلف وارسو، ما عدا روسيا بالطبع.
علماً أنه بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو، لم يعد هناك من مبرر لوجود حلف الناتو الذي أُنشىء لمواجهة حلف وارسو. ما اعتبره الروس (بوتين) نيّة مبيتة لدى الغرب لتطويق روسيا وتفتتيتها.
لم يتوقف الغرب عن محاولات تطويق روسيا من خاصرتها الرخوة وهي أوكرانيا، فكان الإنقلاب على الرئيس الأوكراني في العام 2014، وانتخاب فولوديمير زيلينسكي الموالي لواشنطن لاحقاً.
يرى بوتين أن أزمة السلطة في أوكرانيا في العامين 2013 - 2014، والتي انتهت بإسقاط الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، وإعادة شبه جزيرة القرم إلى روسيا، والحرب الأهلية في شرق البلاد، "كلها نابعة من مشروع انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي".
ويعتقد بوتين، أن "قرار توقيع اتفاقية الشراكة مع الأوروبي، والذي اتخذه يانوكوفيتش في العام 2013، كان قراراً غير عادل بالنسبة لروسيا، فمن نتائجه أن الأسواق الروسية، التي لا تتبع سياسة التعرفة الجمركية مع أوكرانيا، كانت ستُفتح على سلع الاتحاد الأوروبي، ما يهدد الشركات الروسية".
بعد القرار الذي اتخذه يانوكوفيتش، بالتشاور مع بوتين، بتأجيل توقيع اتفاقية الشراكة، بدأت الاضطرابات الشعبية في كييف بدعم من الغرب. "تمكن شركاؤنا الأوروبيون والأميركيون من إطلاق العنان لهذا السخط العام وبدلاً من أن يحاولوا معرفة ما كان يحدث حقاً، قرروا دعم الانقلاب".
وبحسب بوتين، فإنّ "ما حدث في أوكرانيا في العام 2014 كان انقلاباً عنيفاً انخرط فيه المتطرفون اليمينيون، وأن الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة الأوكرانية الجديدة، بما في ذلك محاولاتها الضغط على السكان الناطقين بالروسية في المناطق الشرقية، أدت إلى الإضرار بالبلد ودخوله في حالة من الفوضى والنزاعات الأهلية".
إذن، طموح أوكرانيا والغرب المشترك لضمها إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، ليس تهديداً للأمن القومي الروسي فحسب، بل تهديد وجودي لروسيا. هذا بالإضافة إلى إعلان زيلينسكي نيّته إعادة امتلاك أوكرانيا للسلاح النووي.
أوكرانيا تاريخياً جزء من روسيا
أوكرانيا تاريخياً هي جزء من الأمبراطورية الروسية التي تأسست فيها. حتى أن كييف كانت هي عاصمة الامبراطورية الروسية وكان اسمها "كييف روس" (Kievan Rus).
وفي هذا الخصوص، قال بوتين في أحدى مقابلاته الصحافية، إن "أوكرانيا الحديثة أوجدتها روسيا، ولنكن دقيقين، أوجدها البلاشفة أي روسيا الشيوعية. وهذه العملية بدأت عملياً عقب ثورة 1917، وكان لينين ومساعدوه، قساة على روسيا بفصل واقتطاع أراضٍ من روسيا التاريخية. ولم يسأل أحد الملايين الذين كانوا يعيشون هناك عن رأيهم".
ما كان هدف البلاشفة؟
وسأل بوتين نفسه لماذا فعل لينين ذلك، ليجيب قائلاً، إن "ثمة تفسيراً، إذ أنه عقب الثورة، كان الهدف الرئيسي للبلاشفة البقاء في السلطة بأي ثمن، وفعلوا كل شيء لخدمة هذا الغرض" بما في ذلك تلبية "أي مطالب للقوميين داخل البلاد".
ونتيجة لذلك "كانت أوكرانيا السوفياتية نتاجاً للسياسة البولشفية أو فعلياً أوكرانيا لينين، الذي كان المؤسس والمهندس". وبينما أزال جوزف ستالين أي استقلال اكتسبته أوكرانيا أو أي جمهورية من جمهوريات الإتحاد السوفياتي، التي تأسست كلها على أساس عرقي، فإنه ترك الهيكل الفيدرالي في مكانه، وهي "الجمهوريات الإتحادية" التي استقلت عندما تفكك الاتحاد السوفياتي، وورثت الحدود التي رسمها السوفيات وأعادوا رسمها في ما بينهم، وضموا إليها كما هو الوضع في أوكرانيا أعداداً كبيرة من الروس.
بوتين يقرر عملية عسكرية في أوكرانيا
إزاء التهديدات الوجودية والاستراتيجية لأمن روسيا، أعلن الرئيس الروسي فلادمير بوتين فجر الـ24 من شباط/فبراير للعام 2022، في بيان بثه التلفزيون "اتخذت قراراً بعملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا، ولكن "ليس من بين خططنا احتلال أراضٍ أوكرانية". فـ"القوات الروسية تدافع عن البلاد، وتحارب النازيين الجدد". واعداً "باقتياد الذين ارتكبوا العديد من الجرائم والمسؤولين عن إراقة دماء مدنيين بمن فيهم مواطنون روس، إلى المحاكم".
وصف محللون عسكريون، العملية الخاطفة للقوات المسلحة الروسية في أوكرانيا بـ"النظيفة". وأظهرت وصفة سحرية تتبعها روسيا وهي أنظمة التحكم الآلي.
فقد تم استهداف البنية التحتية العسكرية والأمنية الأوكرانية الموالية للغرب منذ الساعة الأولى، من دون تعرض المباني السكنية والمنشآت المدنية للقصف. وسيطر الروس تباعاً على المنشآت الحيوية كالمواقع النووية أو القواعد العسكرية بعمليات دقيقة من دون الاضطرار إلى الاشتباك في أحيان كثيرة مع جنود أوكرانيين، يفضلون الاستسلام من دون مقاومة.
ويعتبر محللون أنّ "ما ردع الناتو والأميركيين عن الذهاب بعيداً في التفكير بالمواجهة العسكرية مع روسيا، هو معرفتهم بأن نجاح الجيش الروسي في تطبيق نظام التحكم الآلي، يعني عملياً أن الأسلحة النووية الروسية محمية بشكل فعال، وليس باستطاعة أي جهة المغامرة بإخراج هذا السلاح الرادع من المعادلة، لأن أي ضربة لروسيا ستعني ببساطة الاستهداف المباشر لمصدر النيران ومن ثم نقل زمام المبادرة إلى يد بوتين".
وهذا يفسر كيف قطع بوتين الطريق على "الذين سيحاولون التدخل ضدنا"، عندما قال "يجب أن يعلموا أن رد روسيا سيكون فورياً وسيؤدي إلى عواقب لم يعرفوها من قبل".
بوتين وسوريا
تعتبر سوريا من الامتحانات الصعبة والمحطات المفصلية في حياة بوتين الرئاسية، والتي توازي أهميتها الاستراتيجية أوكرانيا.
يلخص بوتين سبب اتخاذه القرار بالتدخل العسكري لحماية الدولة السورية في أيلول/سبتمبر من العام 2015، بناء على طلب من الحكومة السورية، في "حوارات بوتين" مع أوليفر ستون، بأن "هدفي الرئيسي كان منع تكرار السيناريوهين العراقي والليبي في سوريا، فقد تعرضت الدولتان لفوضى بعد الإطاحة بزعيميها".
بالإضافة إلى أنه "لدينا أيضاً بعض الأهداف العملية"، المتصلة بالأمن القومي الروسي، فـ"آلاف المسلحين المنحدرين من أراضي الاتحاد السوفياتي السابق، ومن روسيا، يقاتلون هناك لصالح تنظيم داعش وغيره من الجماعات الإرهابية، وقد يعودون كلهم إلينا، ونحن لا يمكن أن نسمح بذلك. وكل هذا دفعنا إلى اتخاذ الخطوات المعروفة".
وفي كانون الأول/ديسمبر من العام 2017، أعلن الاتحاد الروسي هزيمة تنظيم داعش في سوريا.
بوتين.. الأكثر نفوذاً وشعبيةً
يعتبر فلاديمير بوتين السياسي الروسي الأكثر شعبية منذ العام 1999. يعتقد أكثر من نصف الروس الذين استطلعت آراءهم مؤسسة الرأي العام، أنه "خلال فترة وجوده في السلطة، تمكن بوتين من تحقيق الأهداف التي حددها لنفسه بالكامل".
في العام 2007، اختارته مجلة تايم الأميركية "شخصية العام".
في العام 2008 حصل على المرتبة الأولى في تصنيف الأشخاص الأكثر نفوذاً في العالم من قبل مجلة فانيتي فير (Vanity Fair).
في الأعوام 2013 و 2014 و 2015 و 2016، تصدّر قائمة الأشخاص الأكثر نفوذاً وفقاً لمجلة فوربس الأميركية.
بوتين والفكر الشيوعي
حول نظرته الآن إلى الشيوعية، قال الرئيس الروسي في "حوارات بوتين" مع أوليفر ستون إن "أفكار الشيوعية جيدة، كنت مؤمناً بها، وعملت بكل قوتي لترجمتها على أرض الواقع. لكن الواقع كان أقوى. فالنظام السياسي الذي كان قائماً في ظل الشيوعية وصل إلى طريق مسدود والاقتصاد بات عاجزاً عن التقدم".
وقال في إحدى مقابلاته إن "من لا يحنّ إلى الاتحاد السوفياتي فهو بلا قلب، أما من يريد استعادة الاتحاد السوفياتي فهو بلا عقل".
ونفى بوتين أن يكون قد تأثر بأفكار ميخائيل غورباشوف، أبو "البيرسترويكا" و"الغلاسنوست"، ويرى أن آخر رئيس للاتحاد السوفياتي (غورباشوف) خضع للواقع الذي كان سائداً آنذاك.
اقرأ أيضاً: الأسطورة محمد علي كلاي.."أطير كالفراشة وألسع كالنحلة"
ثروة بوتين
في إحدى المقابلات (شباط/فبراير من العام 2008)، سُئل بوتين عن وضعه المالي ومقدار ثروته، فأجاب بأنه "أغنى رجل ليس فقط في أوروبا، بل في العالم". لكن ثروته غير ملموسة، فهو غني "لأنني أجمع محبة الناس"، وأيضاً لأن" شعب روسيا قد عهد إليّ قيادة مثل هذا البلد العظيم".
وصف بوتين المزاعم التي تتحدث عن امتلاكه ثروة تقدر بمليارات الدولارات بأنها "مجرد ثرثرة ليس فيها ما يستحق نقاشها" .
صور بوتين (فيديو)