"الروس قادمون".. فزاعة أميركا للسيطرة على القرار الأوروبي

تتفاوت مواقف حكومات الغرب الأوروبي في التعامل مع الأزمة الأوكرانية بين الحاد والأكثر حدة، بينما تحافظ بريطانيا على تأثير قوي على توجهات القارة العجوز، بحكم أنها الأقرب إلى الانسجام مع سياسات "الباب العالي" الأميركي.
  • نجحت الولايات المتحدة باستعادة كامل السيطرة على القرار السياسي الأوروبي من خلال أزمة حاكتها بدقة

"الروس قادمون"، كلمة عدائية، تشعل واشنطن فتيلها لإثارة نيران الخوف في القارة الأوروبية، التي لم تتخلص من "عقد الذعر التاريخية" في علاقتها مع روسيا في كل حالات نظامها السياسي، من القيصري إلى السوفياتي ثم روسيا الحديثة.

قبيل اشتعال الجبهة الأوكرانية الروسية بوقت طويل، هيأت الولايات المتحدة المسرح السياسي الدولي لما آلت إليه الأوضاع الحالية ولاحتمالات تطورها وتوسعها نحو مواجهة كبرى، ستكون كارثية للعالم أجمع بلا شك، لكن الحصة الأكبر من الكارثة ستكون من نصيب أوروبا، كون الحدث فوق أراضيها.

نجحت الولايات المتحدة باستعادة كامل السيطرة على القرار السياسي الأوروبي من خلال أزمة حاكتها بدقة، فعندما تخاف الشعوب تغيب أسئلتها البديهية، وتسهل السيطرة عليها وتوجيهها بعيداً عن مصالحها الحقيقية، كما هو حال الشعوب الأوروبية الموحدة تحت هاجس الدفاع عن النفس من "غزو روسي" مقبل لا محالة، وهو ما أظهرته دراسة أعدها "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" في كانون الثاني/يناير 2022، والتي قال فيها إن "هناك إجماع مفاجئ بين الأوروبيين، على أنه من المرجح أن تغزو روسيا أوكرانيا في عام 2022، وأن على الدول الأوروبية واجب الدفاع عنها وأن هذه مشكلة أوروبية".

تفاوت مواقف الحكومات الأوروبية بين الحدة وهوس التصعيد

تتفاوت مواقف حكومات الغرب الأوروبي في التعامل مع الأزمة الأوكرانية بين الحاد والأكثر حدة، بينما هوس التصعيد الجنوني تتصدره حكومات شرق القارة وثلاثة أعضاء في حلف "الناتو" اليوم، كانت إلى تسعينات القرن المنصرم من ضمن "الجمهوريات السوفياتية". وتتناطح إلى جانبها حكومات دول البلطيق (شمال أوروبا)، في تطرف المواقف، تحت إيعازات حكومة بوريس جونسون البريطانية، التي وإن خرجت من عضوية الاتحاد الأوروبي فإنها لا زالت تحافظ على تأثير قوي ومهيمن على التوجهات الاستراتيجية للقارة العجوز، بحكم أنها الأقرب إلى الانسجام مع سياسات "الباب العالي" الأميركي.

لا شك أن الأزمة أوروبية بقدر ما هي أوكرانية، فهي تطال كل مواطن أوروبي في معيشته اليومية وفي اقتصاده وفي حياته عموماً. وما بدا مستحيلاً منذ نحو سنوات قليلة صار ممكناً جداً الآن، فالحرب تدق باب القارة مجدداً، والحكومات الأوليغارشية بمعظمها تتسابق لتغطية إجرامها في إدارة ملف جائحة كورونا، التي خفتت التغطية حولها لانخراط الماكينات الإعلامية الأوروبية، إلى جانب الحكومات، بدق ناقوس "الخطر الروسي" المتفق عليه، وينحصر الاختلاف بينها حول الثمن الذي ستقدمه كل دولة لـ "الدفاع" عن أوكرانيا. فالحكومات في بولندا ورومانيا والسويد وفنلندا والنرويج أكثر انخراطاً في تأجيج الصراع  من دول الجنوب الأوروبي: إيطاليا وإسبانيا والبرتغال، ومن فرنسا وألمانيا على سبيل المثال لا الحصر.

اصطفاف الأحزاب الأوروبية خلف دعاية الحرب

الأحزاب الموالية والمعارضة في البرلمان الأوروبي تصطف خلف بروباغندا "غوبليزية" (نسبة إلى غوبلز وزير الدعاية النازي)، فيها الكثير من الارتجال والقليل من الحكمة، ولا تغيب عنها المفاجآت؛ كأن تتقدم أحزاب "يسار الوسط" و"الخضر" على أحزاب "الديمقراطية المسيحية" في توجيه الدعاوي لمواجهة روسيا بكل الوسائل. أنصار حزب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ومنافسه من يمين الوسط، فاليري بيكريس، يحضونهما لتدافع فرنسا عن أوكرانيا. على عكس حزب "البديل من أجل ألمانيا" الذي لا يريد لحكومة بلاده أن تتدخل في الأزمة الأوكرانية.

مؤيدو الزعيمين القوميين في فرنسا مارين لوبان وإريك زيمور منقسمون حول وجوب دعم أوكرانيا من عدمه. وكذلك هو حال معظم جمهور الأحزاب في إيطاليا التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الأكثر تعاطفاً مع روسيا.

وفي استطلاع "المجلس الأوربي للعلاقات الخارجية" يظهر أن 55 في المائة ممن يصوتون للحزب الديمقراطي الإيطالي يحضون بلادهم على الدفاع عن أوكرانيا، و40 في المائة من مؤيدي الحزب لديهم رأي مخالف. في حين أن الذين يصوتون لأحزاب اليمين المتطرف في إيطاليا منقسمون بين مؤيد ومعارض.

اللجنة الدولية للأممية الرابعة "اي سي اف اي" اتخذت موقفاً لا لبس فيه بتحميل واشنطن وإدارة بايدن وأعضاء حلف "الناتو" كامل المسؤولية في التحريض على حرب ضد روسيا، باستخدام ادعاءات احتيالية، وبتلفيق رواية عبثية خالية من الحقائق الموثوقة وتتحدى كل منطق سياسي، صاغتها وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وتخفي استعدادات الغرب القريبة والبعيدة للمواجهة الحاصلة اليوم.

العقوبات وإمدادات الطاقة

يخشى الأوروبيون أن تقطع روسيا إمدادات الطاقة عنهم. بالنسبة لبعض الدول الأوروبية في أرجاء القارة الأمر تهديدي، ولا يقل أهمية عن الانكماش الاقتصادي المرجح للتصاعد أو الاستمرار، ويمثل تهديداً كبيراً وينذر بانفجارات اجتماعية تتخوف منها دول تعاني اقتصادياً مثل رومانيا واليونان وبلغاريا، ويحسب لها ألف حساب في أروقة صنع القرار في عاصمة الاتحاد بروكسل، حيث الانكباب على التفنن "السوريالي" باستنباط عقوبات انتحارية لأوروبا قبل أن تكون مؤذية لروسيا.

كما أن الاكتفاء بترديد شعارات مفضوحة المصداقية عن أن "الغرب ضد الأشرار والأنظمة غير الليبرالية" لا تثير إلا السخرية في أنحاء كثيرة في العالم.

الرأسمالية الأوروبية، التي بالكاد نجت من كارثة الحربين العالميتين، منجرفة إلى المغامرة الأميركية في أوكرانيا، مع إنها تواجه أزمات داخلية هائلة، لكنها تخاف التحدي المباشر للأجندة الأميركية، ما من شأنه أن يؤدي إلى انتقام مدمر. ففي عام 2003، أعربت ألمانيا وفرنسا عن عدم تأييدهما للغزو الأميركي للعراق، فتمت مهاجمتهما بقسوة من واشنطن، وأُطلق على دول الغرب الأوروبي تسمية "القارة العجوز".

بغض النظر عما يخطط استراتيجو واشنطن والعواصم الأوروبية، فإن اللجوء إلى الحرب لن يحل أياً من مشاكلهم. سوف يكتشف هؤلاء أن "الذين يبذرون الريح سيحصدون العواصف".

المصدر: الميادين نت