الاستخبارات الأميركية في أوكرانيا.. تسلل مسبق!

وكالة الاستخبارات الأميركية "CIA" تدرّب منذ أعوام قوات لتنفيذ مهمات محددة، ما يدفع إلى السؤال عن دور وكالة الاستخبارات المركزية في كييف قبل الأزمة الأوكرانية وبعدها.
  • وكالة الاستخبارات الأميركية عملت على تدريب مجموعات أوكرانية متطرفة

"يبدو أن بعض المعلومات الاستخبارية التي كشف عنها الأميركيون والبريطانيون الذين يتعاونون معهم بشكل وثيق داخل تحالف العيون الخمس بين الاستخبارات الناطقة باللغة الإنجليزية ليس سوى معلومات خام تقليدية تمّ جمعها من خلال صور الأقمار الاصطناعية والتنصّت الإلكتروني".

صحيفة "لو فيغارور" الفرنسية الـ 22 من شباط/فبراير 2022

تجهد الاستخبارات الأميركية منذ أكثر من عامين في الحديث عن "غزو" روسي لأوكرانيا، وتصوير الأمر بأنها تكشف ما يحاك في القاعات المظلمة، لا كأنها تشارك في صناعته.

صحيفة "واشنطن بوست" قالت مطلع عام 2021 إن "الاستخبارات الأميركية خلصت إلى أن موسكو تخطط لهجوم متعدد الجبهات على كييف مطلع العام المقبل". مسؤول أميركي علل حينها تقرير الاستخبارات الأميركية، وقال إن "تحليل الولايات المتحدة لخطط روسيا يستند جزئياً إلى صور الأقمار الاصطناعية التي تظهر وحدات وصلت حديثاً في مواقع مختلفة على طول الحدود الأوكرانية خلال الشهر الماضي"، فيما قال الرئيس الأميركي جو بايدن في حينها إنه سيجعل من "الصعب جداً" على روسيا أن "تغزو" أوكرانيا.

في تقرير سابق، تحدثنا عن الرواية الأميركية في أوكرانيا، وكيف تصنع الاستخبارات المركزية الأميركية الخبر، فهل أعدّت وكالة الاستخبارات المركزية عنوان "الغزو الروسي" وهيّأت له قبل الـ 24 من شباط/ فبراير 2022؟ أي قبل بدء العملية العسكرية في دونباس؟

قبل يومين، نشرت صحيفة "لوس أنجلس" الأميركية  تقريراً تحدثت فيه عن دعم وكالة الاستخبارات المركزية للمتمردين الأوكرانيين سابقاً. وقالت إن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عملت منذ سنوات على تدريب الأوكرانيين للتصدي لمثل هذه الأحداث (العملية العسكرية التي تجري في أوكرانيا)، ولم تدربهم فقط على جمع المعلومات الاستخبارية والتحليل، بل أعدّتهم  أيضاً على صدّ الهجوم.

وفي تقرير سابق، كشفت الصحيفة أن الاستخبارات الأميركية كانت تعمل على تدريب القوات الخاصة الأوكرانية منذ العام 2015. وحاول الكاتب "جيف روغ" انتقاد تقبّل المساعدات الأميركية لأوكرانيا، لأن تجربة مماثلة حدثت عام 1949 عندما "دعمت الوكالة التمرّد الأوكراني ضدّ السوفيات"، وانتهى الأمر  بحسب الكاتب "بفشل التمرد".

يرى الكاتب كذلك أن الاستخبارات الأميركية هذه المرة ستواجه الاستخبارات الروسية التي تمثّل تحدّياً جدّيّاً لها، عدا عن مواجهتها تحديات صينية، ما يقوّض عملها في العالم. وكشف أن الوكالة نفسها "وجدت مشاكل في حماية العناصر والمجندين، لأن الصين في العام 2021 أعلنت أنها فكّكت شبكة تابعة لوكالة الاستخبارات الأميركية".

تحتاج وكالة الاستخبارات المركزية، بحسب الصحيفة، إلى أن تكون صادقة مع الأوكرانيين ومع نفسها بشأن النيّات الحقيقية. ففي أول "تمرد" مدعوم من الولايات المتحدة، وفقاً لوثائق سرية رفعت عنها السرية لاحقاً، كان المسؤولون الأميركيون يعتزمون استخدام الأوكرانيين كقوة بالوكالة لاستنزاف الاتحاد السوفياتي.

وأضافت أنه ليس على وكالة الاستخبارات النظر كثيراً إلى الوراء؛ فقبل 6 أشهر فقط، عندما سيطرت "طالبان" على أفغانستان، وجدت وكالة الاستخبارات المركزية نفسها تكافح لإنقاذ "حلفائها" الأفغان. بدلاً من "دعم التمرد" كما هو مخطط له في أوكرانيا، "يمكن لوكالة الاستخبارات المركزية أن تجد نفسها في مهمة إنقاذ".

في هذا السياق، كتب صحافي أميركي في وقت سابق مقالاً بعنوان: "لماذا ينبغي عدم الوثوق بالاستخبارات الأميركية؟". وتساءل عن مدى موثوقية المعلومات الاستخبارية الأميركية، وما مدى الجدية التي ينبغي أن تؤخذ بها تقييمات المخاطر الأمنية المنبثقة عن التقييمات الأميركية؟ ففي أولى جلسات الاستماع في الكونغرس الأميركي حول انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، كشف من خلالها كبار المسؤولين العسكريين تفاصيل حول الانسحاب العشوائي الذي أنهى أطول حرب أميركية. بعد الاستماع إلى شهادة هؤلاء، يبرز تساؤل بديهي: "هل يمكن لأي شخص أن يثق بالاستخبارات الأميركية؟"

بالعودة إلى دور الاستخبارات الأميركية في أوكرانيا، تشرف الـ "CIA"على برنامج تدريب سري مكثف في الولايات المتحدة لقوات العمليات الخاصة الأوكرانية النخبة وأفراد استخبارات آخرين، وفقاً لخمسة من مسؤولي الاستخبارات والأمن القومي السابقين المطلعين على المبادرة.

بدأ  البرنامج عام 2015، ويقع في منشأة غير معلنة في جنوب الولايات المتحدة، وفقاً لبعض هؤلاء المسؤولين. وستنفذ هذه القوات مهمات حساسة على الحدود الشرقية الأوكرانية.

كذلك تعيد وكالة الاستخبارات المركزية تنظيم شبكات "الناتو" الاحتياطية في أوروبا الشرقية، وتقدّم الدعم "للجماعات النازية الجديدة لمجابهة روسيا". ووفقاً للتقارير الواردة من بعثة المراقبة الخاصة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في أوكرانيا، فإن "وحدات الجيش والحرس الوطني الأوكرانية، التي يبلغ عددها حوالى 150 ألف رجل، تتمركز في دونباس بالقرب من دونيتسك ولوغانسك. أفرادها مسلحون ومدربون، ويقودهم بشكل فعال مستشارون ومعلمون عسكريون تابعون للولايات المتحدة والناتو".

وإضافة إلى الاستثمارات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة و"الناتو" في أوكرانيا، هناك دعم بقيمة 10 مليارات دولار لخطة ينفذها إريك برنس، مؤسّس شركة "بلاك ووتر" العسكرية الأميركية الخاصة.

يتحدث التقربر عن "كتيبة آزوف" المدربة والمسلّحة من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، والتي "تتميز بشراستها في الهجمات على السكان الروس في أوكرانيا". وهي حركة أيديولوجية وسياسية "خاصة بالنسبة إلى منظمة الشباب المتعلمة على كره الروس". وهذا ما يفسر كلام المتحدث باسم القوات الشعبية في جمهورية دونيتسك، إدوارد باسورين، الذي قال قبل أيام إن عناصر كتيبة "آزوف" تطوق مدينة ماريوبول الواقعة جنوب شرق أوكرانيا، مشيراً إلى أن "عناصر الكتيبة يرغبون باستخدام المدنيين كدروع بشرية، وانتظار كيفية تطور الأحداث هناك".  

جاءت إدارة بايدن إلى السلطة مع أولوية مواجهة الصين الصاعدة. وأشارت التصريحات العامة للإدارة، ووثائق التخطيط للأمن القومي المبكرة، وحملاتها الدبلوماسية الأولية، إلى التركيز على التصدي لـ"نفوذ بكين العالمي المتنامي، جنباً إلى جنب مع التهديدات العابرة للحدود الوطنية مثل تغيّر المناخ وكورونا".

احتلت مسألة كيفية التعامل مع روسيا مقعداً خلفياً، لكن يبدو أن هذه الأولويات تغيّرت، إذا يقول خبراء أميركيون إن "الصين تهديد سريع، بينما تمثّل روسيا تهديداً مستمراً".

المصدر: الميادين نت